نيويورك تايمز: السعودية تستعد لتغيير روايتها والاعتراف بمقتل خاشقجي

الثلاثاء 16 أكتوبر 2018 08:10 ص

تجهز السعودية رواية بديلة عن مصير الصحفي السعودي المختفي "جمال خاشقجي"، قائلة إنه توفي في القنصلية السعودية في إسطنبول قبل أسبوعين في استجواب خاطئ، وفقا لما قاله مصدر مطلع على خطط المملكة، وردد "ترامب" في واشنطن، احتمال أن "خاشقجي" كان ضحية "قتلة مارقين".

الرواية البديلة تتحدى التفاصيل المبكرة التي ظهرت في القضية، بما في ذلك الإشارات التي تشير إلى أنه قتل وتم تقطيع جثته، ومن بين التفاصيل كان ما قاله المسؤولون الأتراك، بأنه كان هناك أخصائي تشريح جثث معه منشار عظمي من بين 15 سعوديًا قاموا بالسفر إلى ومن إسطنبول في اليوم الذي اختفى فيه "خاشقجي".

سرديّة تخفف الضغط

ويبدو أن التفسير الجديد، مهما كانت الحقيقة، يهدف إلى تخفيف الأزمة السياسية التي خلقها اختفاء "خاشقجي" للمملكة، ويمكن للقصة الجديدة أيضاً أن تبدد بعض الانتقادات الموجهة لإدارة "ترامب"، التي رفضت التراجع عن مبيعات أسلحة بمليارات الدولارات إلى المملكة، وحتى يوم الإثنين كانت لا تزال تخطط لحضور منتدى استثماري سعودي لامع الأسبوع المقبل.

يمكن أن يساعد ذلك تركيا، حيث سيستفيد الاقتصاد المهتز من الضخ المالي الذي يمكن أن توفره القروض منخفضة الفائدة من الرياض.

لكن هذه النظرية رفضت على نطاق واسع بين أصدقاء "خاشقجي"، والمدافعين عن حقوق الإنسان والبعض في الكونغرس، الذين أشاروا إلى أن المسؤولين السعوديين أنكروا وفاته لمدة أسبوعين، بما في ذلك تأكيدات من ولي العهد "محمد بن سلمان" الأسبوع الماضي، والملك نفسه يوم الإثنين.

وقد كتب السيناتور الديمقراطي "كريستوفر ميرفي"، على "تويتر": "كنا قد سمعنا بأن نظرية القتلة المارقين السخيفة هي التوجه الذي يريد السعوديون أن يفلتوا به، من المذهل أن يتمكنوا من تجنيد رئيس الولايات المتحدة كموظف علاقات عامة يروج لهذه النظرية".

تحدث "ترامب" مع الملك "سلمان"، صباح الإثنين، في مكالمة هاتفية لمدة 20 دقيقة، وقال الرئيس إن الملك نفى أي معرفة بما حدث لـ"خاشقجي"، وهو صحفي كان يكتب مقالات في صحيفة "واشنطن بوست" التي كانت تنتقد ولي العهد.

وقال "ترامب" وهو يتحدث إلى الصحفيين: "بدا لي كأنه ربما كان هؤلاء قتلة مارقين، من يعلم؟".

وقال "ترامب" أيضاً إنه أخبر الملك: "العالم يراقب، العالم يتحدث، ومن المهم معرفة حقيقة الأمر"، أما الخدمة الإخبارية الرسمية في السعودية فقد ذكرت المحادثة بشكل مختلف، قائلة إن "ترامب" أشاد بالتعاون بين السعوديين والمسؤولين الأتراك في التحقيق باختفاء "خاشقجي".

رواية غير مقنعة

وقال مسؤولون أتراك إن "خاشقجي" تم قتله وتقطيع جثته بعد أن اختفى في القنصلية السعودية في إسطنبول قبل أسبوعين.

وفي وقت لاحق من يوم الإثنين، قال أحد الأشخاص المطلعين على خطط الحكومة السعودية إن "خاشقجي" قد قُتل خطأ أثناء استجواب أمر به مسؤول استخبارات سعودي كان صديقاً لولي العهد، وقال المصدر الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته إن الأمير "محمد" وافق على استجواب أو حتى إجبار "خاشقجي" على العودة إلى المملكة بالإكراه.

ولكن المسؤول السعودي الاستخباراتي تجاوز كثيراً في الأمر رغبة منه في إثبات نفسه في العمليات السرية، وفق ما قاله المصدر، ثم سعى لتغطية المهمة الفاشلة بتقطيع أوصال الجثة.

ووصف "عزام التميمي"، وهو صديق إسلامي لـ"خاشقجي"، نظريقة "القتلة المارقين" بأنها "كارثية" بالنسبة لمصداقية الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان".

وقال "التميمي"، الذي التقى "خاشقجي" لتناول طعام الغداء في لندن قبل يوم من اختفائه: "لقد سرّب الأتراك كثيرًا لدرجة أنه من غير المعقول أن يقبلوا بأقل من إخبار العالم ما حدث بالضبط".

وليّ العهد مصدوم

لقد أدى مصير "خاشقجي" إلى شلّ الحكومة الأمريكية واضطراب موقف السعوديين، وساهم في إحياء سمعة "أردوغان" الدولية، وهدد أولويات السياسة الخارجية الأساسية لإدارة "ترامب".

أرسل "ترامب" وزير الخارجية "مايك بومبيو" إلى الرياض يوم الإثنين للقاء الملك "سلمان"، وقالت "هيذر نويرت"، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية: "إن تحديد ما حدث لجمال خاشقجي له أهمية كبيرة بالنسبة للرئيس".

وكان السفير السعودي لدى الولايات المتحدة الأمير "خالد بن سلمان" قد غادر واشنطن الأسبوع الماضي وعاد إلى الرياض ولن يعود، كما قال مسؤول أمريكي حالي ومسؤول سابق، يوم الإثنين، لم يكن من الواضح متى يمكن استبداله، أو من قبل من، والأمير "خالد" هو الأخ الأصغر لولي العهد.

كما ألغت السفارة السعودية في واشنطن حفل اليوم الوطني الذي كان مقررا عقده في 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

لقد مزقت قضية "خاشقجي" عالم واشنطن السياسي والدبلوماسي.

فيوم الإثنين، قامت مجموعة "جلوفر بارك جروب"، التي كان لديها عقد بقيمة 150،000 دولار شهريًا لتمثيل الحكومة السعودية، ومجموعة "بي جي آر"، التي لديها عقد قيمته 80،000 دولار شهريًا، بإنهاء العلاقات، وفقًا لمصادر مطلعة، وجاءت أفعالهم بعد خطوة مماثلة اتخذتها مجموعة "هاربر" الأسبوع الماضي.

وقال مستشارون مقربون من الأمير "محمد" إنه شعر بالصدمة من الإدانة العالمية بعد اختفاء "خاشقجي".

وقد أدى ذلك إلى إيمان متزايد في الدوائر الغربية بأن الأمير الذي أشعل حربًا في اليمن إلى حد الكارثة الإنسانية، وفرض حصارًا مبالغاً فيه على قطر، وألقى القبض على مجموعة من النخب السعودية للحصول على أموال، واستغرق أسبوعين للخروج بتفسير مقبول لمصير "خاشقجي"، ليس على استعداد لتولي العرش.

وقال "جيرالد م. فييرستين"، مدير العلاقات الحكومية والسياسات والبرامج في معهد الشرق الأوسط، وسفير سابق للولايات المتحدة في اليمن: "لقد توصل الكثيرون في واشنطن إلى استنتاج مفاده أن هذا الرجل لا يمكن أن نقوم بالأعمال معه".

ونشر وزير الطاقة السعودي بيانا يوم الاثنين يذكّر الصحفيين في واشنطن بأن المملكة عملت لفترة طويلة "كممتص لصدمات نقص النفط في العالم"، وطلب من "المجتمع الدولي أن يحترم ويعترف بما قامت به السعودية".

القضية والمساومات

في غضون 5 أيام من اختفاء "خاشقجي" في 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ادعى مسؤولون أمنيون أتراك دون ذكر أسمائهم أنهم حصلوا على أدلة تفيد بأن الصحفي قد قتل داخل القنصلية، لكن الأدلة لم تظهر على الإطلاق، وتوقفت الادعاءات بعد زيادة مفاجئة في الاتصالات الدبلوماسية رفيعة المستوى بين تركيا والسعودية.

وقد أحبط ذلك المسؤولين الأمريكيين في المخابرات والمسؤولين الدبلوماسيين، الذين كانوا قلقين من أن الأتراك كانوا يستخدمون الأدلة كوسيلة للحصول على قروض من السعوديين.

وكانت أجهزة مخابرات أمريكية قد اعترضت في السابق اتصالات لمسؤولين سعوديين يناقشون خطة لجلب "خاشقجي" إلى المملكة من منزله في المنفى في واشنطن ثم احتجازه، حسبما قال مسؤول أمريكي كبير سابق الأسبوع الماضي، وتمت مشاركة هذه الاعتراضات مع أعضاء مجلس الشيوخ في جلسات سرية الأسبوع الماضي، ما يجعل من المستحيل التستر عليها.

من المستبعد جداً أن يتم تنفيذ محاولة اختطاف "خاشقجي" دون علم الحكام السعوديين.

بالنسبة لإدارة "ترامب"، فإن قضية "خاشقجي" تخاطر بأولويات السياسة الخارجية العليا، لقد قال السيد "ترامب" مراراً وتكراراً إنه لا يريد المخاطرة بما يدعيه هو 110 مليارات دولار من مبيعات الأسلحة للسعوديين، لا يقل عن ذلك أهمية؛ ضمان رغبة الرياض في زيادة إنتاج النفط بحيث لا تؤدي العقوبات القادمة على النفط الإيراني إلى ارتفاع أسعار الغاز.

قال "ترامب" في وقت سابق إن هذه الأحداث لن يكون لها تأثير على العلاقات الأمريكية مع السعودية، وهي حليف وثيق في الشرق الأوسط، لكن "ترامب" كان يواجه بالفعل ضغوطاً من البعض في الكونغرس للرد على السعوديين بفرض عقوبات اقتصادية.

لطالما كانت علاقة الولايات المتحدة مع السعوديين تخضع لتوازن دقيق، مُوازنة بين الاعتبارات الاقتصادية مثل مبيعات النفط والأسلحة مع سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان.

حتى يوم الإثنين، كان وزير الخزانة الأمريكي، لا يزال يعتزم حضور مؤتمر للمستثمرين في الرياض هذا الشهر حيث كان من المتوقع أن يتحدث الأمير "محمد"، وقد انسحبت بعض الشركات الأمريكية التي خططت لحضور المؤتمر، بما في ذلك صحيفة "نيويورك تايمز"، منذ اختفاء "خاشقجي".

يُذكر أن "خاشقجي" كان قد انتقل إلى واشنطن بعد أن بدأ الأمير "محمد" حملة قمع ضد الفساد على مستوى المملكة، بما في ذلك الجهود الرامية إلى إسكات المعارضين.

وكان الصحفي السعودي الذي يكتب المقالات في "واشنطن بوست"، أحد أشهر الشخصيات في وسائل الإعلام في المملكة ومقربا من العديد من الأمراء والمسؤولين السابقين.

 

طالع هنا التغطية الخاصة على مدار الساعة لتطورات قضية جمال خاشقجي

المصدر | نيويويرك تايمز

  كلمات مفتاحية

جمال خاشقجي أمريكا تركيا دونالد ترامب محمد بن سلمان قتلة مارقين القنصلية السعودية بإسطنبول