ستراتفور يتوقع تقليص سلطات بن سلمان بعد أزمة خاشقجي

الأربعاء 17 أكتوبر 2018 11:10 ص

يتساءل الكثيرون إلى أي مدى قد تصل عواقب اختفاء الصحفي المعارض "جمال خاشقجي" على العلاقات السعودية الأمريكية.

وهناك الكثير على المحك، فالولايات المتحدة بحاجة إلى السعودية لموازنة أسواق النفط، ومكافحة إيران، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز مبيعات الأسلحة.

وتحتاج المملكة العربية السعودية بدورها إلى التعاون الأمريكي في مجال الأسلحة والدفاع، والوصول إلى التكنولوجيا والاستثمار الأمريكيين، وحماية الولايات المتحدة ضد طهران الناشطة.

ويعني كل هذا أن العلاقات الجيوسياسية التي تربط الرياض وواشنطن من المرجح أن تبقى قائمة.

لكن مع خطاب الكونغرس الحاد، والنبرة الإعلامية الغاضبة لدرجة الحمى، فمن المحتمل أن تكون التداعيات الأمريكية ضد المملكة حاضرة في شكل ما، على الرغم من أن السعوديين بالتأكيد يملكون مساراتهم البديلة.

اختيارات أمريكا

وتحاول ما لا تقل عن 4 تحقيقات، ظاهريا تحديد مصير "خاشقجي"، أحدها بقيادة تركيا، وآخر تعقده تركيا إلى جانب المملكة العربية السعودية، والثالث من قبل الولايات المتحدة، والأخير من قبل السعودية نفسها.

ومع ذلك، تبقى الحكومة الأمريكية هي التي يجب أن تقرر إذا ما كانت ستتصرف، وكيف تتصرف.

وقد أشار كل من الكونغرس الأمريكي والبيت الأبيض إلى أنهما سيتخذان إجراءات إذا برزت أدلة قاطعة بأن الحكومة السعودية قد قتلت "خاشقجي"، رغم أن الكونغرس كان أكثر حدة في خطابه من البيت الأبيض.

وقد يختار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أن يقود ردة الفعل بفرض عقوبات على أفراد وكيانات تخص السعودية، أو إلغاء صفقات أسلحة، أو تقليل الدعم الأمريكي لتدخل الرياض العسكري في اليمن.

لكن "ترامب" أشار إلى أنه يعتبر أن صفقات الأسلحة مهمة للغاية، ولم نذكر بعد أهمية الرياض كحصن ضد عدو الإدارة الأول، ألا وهو إيران، التي لن يخاطر بها من أجل قضية "خاشقجي".

ناهيك عن أن الإدارة الأمريكية لم تعد تنظر إلى حقوق الإنسان باعتبارها حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية.

وقد يحاول البيت الأبيض، مثل الرياض، انتظار انتهاء الجدل ومواصلة العلاقات كالمعتاد بمرور الوقت، وهي استراتيجية قد تتحقق إذا قبل البيت الأبيض التفسير المفترض من السعوديين بأن "خاشقجي" توفي عن غير قصد في إطار التحقيق.

وقد يترك هذا الرد الكرة في ملعب الكونغرس، وإذا ظهر دليل على أن الرياض كانت مسؤولة عن قتل "خاشقجي"، فإن أغلبية من الحزبين في الكونغرس قد تمرر تشريعا ضد السعودية، أو تمنع مبيعات الأسلحة.

وفي حالة أكثر تطرفا، يمكن للأغلبية الفائقة من ثلثي أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأمريكي التصويت لصالح تجاوز أي اعتراض رئاسي ضد إجراءات الكونغرس.

ولن يكون مثل هذا الإجراء جديدا، ففي ثمانينات القرن الماضي أجل الكونغرس أو عرقل العديد من صفقات أسلحة إدارة "ريجان" مع المملكة العربية السعودية في حين أصدر الكونغرس أيضا قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب "جاستا" عام 2016 على الرغم من الضغوط السعودية المكثفة بالإضافة إلى استخدام الفيتو الرئاسي.

ومع ذلك، ونظرا لأن السعوديين هم أكبر وجهة للسلاح الأمريكي، حيث يمثلون 18% من إجمالي صادرات الأسلحة الأمريكية، فإن الكونغرس لديه حافز اقتصادي قوي لتجنب حدوث تجميد كامل.

علاوة على ذلك، تظل العلاقات الأمنية قوية بين الولايات المتحدة والمملكة، بسبب وضع الرياض كقوة مناهضة لإيران، الذي يعد ذا قيمة لا تقدر بثمن بالنسبة لواشنطن.

ويجوز للكونغرس أيضا أن يضغط من خلال تشريعات مثل قانون "نو أوبك"، الذي يعمل على تقويض قوة أوبك.

وعلى الرغم من أن مشروع قانون "نو أوبك" قد تعثر في الكونغرس في السابق، لكن تجدد الشعور المعادي للسعودية، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط، قد يخلق مناخا سياسيا يساعد في تمريره.

وعلى عكس صفقات الأسلحة، يتناغم "نو أوبك" مع بعض أولويات "ترامب" السياسية، حيث قام الرئيس بتوبيخ المملكة علنا بشأن أسعار النفط، وانتقد "أوبك"، ما يجعل من غير المرجح أن يحتاج مشروع القانون إلى أغلبية ساحقة ضد "فيتو" محتمل.

رد الرياض

ويمكن للمملكة متابعة سلسلة من التدابير ردا على ضغوط الولايات المتحدة المتضافرة بسبب اختفاء "خاشقجي".

وعلى سبيل المثال، قد تلعب البلاد بورقة مزودي الأسلحة الآخرين وفطم نفسها عن الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة.

وتستكشف البلاد علاقاتها مع مزودي أسلحة جدد مثل الصين وروسيا، وقد أعربت الرياض بالفعل عن رغبتها في الحصول على نظام الدفاع الصاروخي الروسي "إس-400"، مع السعي لتعزيز صناعة الأسلحة الخاصة بها، وفتح طرق جديدة للشراكة مع (إسرائيل) وتعزيز التحالفات الإقليمية الخاصة بها، خاصة مع الإمارات العربية المتحدة، للتعويض نسبيا عن احتياجها للولايات المتحدة.

ومع ذلك، لا تزال المملكة تفكر بعناية فيما يتعلق بصفقات الأسلحة، حيث إنها لا تستطيع بسرعة استبدال الولايات المتحدة كمورد للأسلحة لصالح الصين أو روسيا، ويعني هذا أنها ستظل معتمدة على التكنولوجيا والتدريب الأمريكيين في الوقت الحاضر.

وأكثر من ذلك، لعبت الاستخبارات الأمريكية دورا كبيرا في دعم تدخل السعودية في اليمن، ثم هناك مسألة الدفاع إذا ما دخلت المملكة حربا مع إيران.

وبعد كل شيء، فإنه لا موسكو ولا بكين في وضع يمكنها من حماية الرياض كما فعل الكرملين مع دمشق.

ولكن حتى لو احتفظت الولايات المتحدة باليد العليا فيما يتعلق بصفقات الأسلحة، يظل لدى المملكة العربية السعودية خيارات أخرى، مثل التحكم في وتيرة زيادة إنتاجها من النفط لتعويض العقوبات الإيرانية.

وقد تلجأ الرياض إلى مناوشات محرجة للولايات المتحدة شبيهة بمشاحناتها الدبلوماسية مع ألمانيا وكندا، عن طريق سحب الطلاب السعوديين من المدارس الأمريكية، وإلغاء العقود مع شركات أمريكية.

ومع ذلك، فإن كل خطوة من هذه التحركات قد تؤدي إلى مزيد من الانتقام الأمريكي، وتزيد من احتمال تمرير الكونغرس لتشريع جديد ضد السعودية، مثل "نو أوبك"، وقد تدفع البيت الأبيض لفرض المزيد من العقوبات، وربما تجعل البيئة السياسية الأمريكية أكثر ملاءمة لإجهاض صفقات الأسلحة والعلاقات الدفاعية.

وبناء على ذلك، قد تختار السعودية خطوة أقل خطورة لتقليل آثار الفضيحة داخليا، ويمكن للرياض أن تلقي باللوم على أشخاص رمزيين، وأن تسمح واشنطن، وفقا للمفاوضات مع الولايات المتحدة، بمعاقبة بعض المسؤولين غير المهمين نسبيا داخل البلاد.

وقد تحاول حتى تهدئة رأي الكونغرس من خلال الحديث عن قيام  "عملاء مارقين" بقتل "خاشقجي"، ولأن الملكية تتحكم عن كثب في قضاء المملكة، فإن الأحكام ستكون معدة مسبقا.

ويمكن للمملكة أيضا أن تبدأ بتباعد بطيء عن البترودولار، وإجراء المزيد من التجارة بالعملات غير الدولارية، على الرغم من أن الإطار الزمني الطويل اللازم لمثل هذا التحرك، وعدم اليقين المحيط به، سيبطئ هذا المسار.

وأخيرا، قد يفقد ولي العهد "محمد بن سلمان"، وهو الشخص المتهم على نطاق واسع بإصدار الأوامر في العملية ضد "خاشقجي"، بعض سلطاته بناء على طلب الملك "سلمان".

وبسبب وضعه الملكي الرفيع، من غير المرجح أن ينال ولي العهد الحالي العقوبة أو الاعتقال أو النفي، لكن بعض المنافسين الذين كسبوا المزيد من ثقة الملك "سلمان" قد يحلوا محل ولي العهد في بعض مناصبه، بما في ذلك منصب وزير الدفاع.

وبدلا من ذلك، بوسع الملك "سلمان" أن يقلل من ظهور ابنه الإعلامي، ومنعه من السفر للخارج للسياسة الخارجية، أو التأكد من أنه لم يعد وجها لـ "رؤية 2030"، إن لم يقلل من التركيز على برنامج الإصلاح الطموح تماما.

لكن التغيير الأكثر دراماتيكية قد يكون الإطاحة بـ"محمد بن سلمان" من منصب ولي العهد، بعد عامين فقط من تنفيذ مناورة الاستيلاء على المنصب من ابن عمه، "محمد بن نايف".

وقد أقنعت قضية "خاشقجي" العديد من الرعاة والشركات الغربية بإلغاء حضورهم في مؤتمر الاستثمار البارز الذي يعقده ولي العهد في وقت لاحق من هذا الشهر.

وبالفعل، تعتمد السعودية على أقرب جيرانها في مجلس التعاون الخليجي، البحرين والإمارات والكويت، للتضامن إذا اختارت الرياض مقاطعة الشركات البارزة التي انسحبت من مؤتمر الاستثمار.

ماذا ننتظر؟

لدى المستثمرين الأجانب، الذين أظهروا بالفعل ترددا في المشاركة في برنامج "رؤية 2030" للمملكة، سبب آخر الآن للتخلي عن العمل مع الرياض.

وعلى المستوى الثنائي، لا يزال لدى السعودية والولايات المتحدة أسباب قوية للإبقاء على علاقة قوية، لكن تعطل تلك العلاقات لا يزال يمثل احتمالا حقيقيا وفق تركيبة وقرارات الكونغرس في فترة ما بعد انتخابات منتصف المدة وهو ما من شأنه أن يكون له دور فعال في تحديد مدى تأثير "خاشقجي" على تلك العلاقة.

ولدى المملكة العربية السعودية العديد من الطرق للرد على أي عمل أمريكي، على الرغم من أن التحرك لإلقاء اللوم على كبش فداء يبدو أنه الخيار الأقل خطورة بالنسبة للرياض.

ولكن باعتبارها القوة الأكبر ذات اليد الأعلى، فإن الولايات المتحدة، وعلى الأخص الكونغرس الأمريكي، هي التي ستحدد في النهاية نطاق وحجم تلك التداعيات.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

جمال خاشقجي العلاقات السعودية الأمريكية محمد بن سلمان