‏صناع صورة السعودية.. جيوش ذباب إلكتروني وجاسوس في "تويتر"

السبت 20 أكتوبر 2018 11:10 ص

كل صباح، كان "جمال خاشقجي"، يراجع هاتفه ليطالع ما فاته من الهجمات النارية الجديدة التي تم شنها ضده، بينما كان نائما، كان يري عملا من جيش متصيدين على "تويتر"، مأمورين بشن الهجوم عليه، وغيره من السعوديين المؤثرين على صفحات التواصل، الذين انتقدوا قادة المملكة.

وتقول "ماجي ميتشيل سالم"، صديقة "خاشقجي" منذ 15 عاما: "كان وقت الصباح هو الأسوأ بالنسبة له، لأنه كان يستيقظ على ما يوازي إطلاق نار متواصل على الإنترنت". 

كان مهاجمو "خاشقجي" على الإنترنت، جزءا من جهود واسعة، لتنفيذ ما يمليه ولي العهد، الأمير "محمد بن سلمان" ومستشاريه المقربين؛ لإسكات المنتقدين داخل المملكة وخارجها.

المئات من الأفراد يعملون فيما يسمي "حقل المتصيدين" (معلقون على صفحات التواصل مدعومين من قبل الحكومة) في الرياض؛ لإخماد أصوات المعارضين من أمثال "خاشقجي".

ما ظهر أيضا هو أن موظفا سعوديا في "تويتر"، اشتبه مسؤولون باستخبارات غربية بقيامه بالتجسس على حسابات المستخدمين لمساعدة القيادة السعودية.

وقد وجهت عملية قتل "خاشقجي"، الكاتب بصحيفة "واشنطن بوست"، عبر وكلاء سعوديين، أنظار العالم إلى حملة الترويع التي تشنها المملكة ضد الأصوات المؤثرة، التي تطرح تساؤلات مثيرة للجدل حول الجانب المظلم بولي العهد.

ففي الوقت الذي شدد فيه ولي العهد قبضته على المملكة، كان يحاول تقديم نفسه للعواصم الغربية على أنه الرجل الذي سوف يصلح الدولة السعودية الجامدة.

المشاركون السعوديون احتشدوا لشن مضايقات مستمرة للمنتقدين على "تويتر"، وهي منصة شهيرة واسعة الانتشار في السعودية منذ انتفاضات الربيع العربي 2010.

"سعود القحطاني"، أحد كبار مستشاريي ولي العهد ، الذي تم فصله يوم السبت ضمن تداعيات اعتراف المملكة بمقتل "خاشقجي"، كان العقل الاستراتيجي  وراء تلك العملية، وفقا لمسؤولين أمريكيين وسعوديين.

وكان العديد من السعوديين يأملون أن يقوم "تويتر" بتوفير حالة من الديمقراطية في الحوار في السعودية، من خلال إعطاء المواطنين العاديين صوتا، لكن المملكة، أصبحت بدلا من ذلك، نموذجا يوضح كيف يمكن للحكومات السلطوية التلاعب بمنصات التواصل الاجتماعي لإسكات الأصوات المنتقدة أو التغطية عليها.

وقال الباحث في الشؤون الخليجية في معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إكستر البريطانية، "مارك أوين جونز": "في الخليج، نسبة المخاطرة تكون مرتفعة جدا لأولئك الذي ينخرطون في المعارضة، حيث إن مزايا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تفوق السلبيات، خاصة في المملكة العربية السعودية".

ولم يستجب أي من المسؤولين السعوديين أو السيد "القحطاني" لطلبات التعليق على مساعي المملكة للسيطرة على المحادثات عبر الإنترنت.

وقبل مقتله، أطلق السيد "جمال خاشقجي"، مشاريع لمكافحة الإساءة عبر الإنترنت، وحاول الكشف عن أن ولي العهد كان يسيء إدارة البلاد.

وفى سبتمبر/أيلول الماضي، أرسل "خاشقجي" مبلغ 5000 دولار إلى "عمر بن عبد العزيز"، وهو معارض سعودي يعيش في كندا، كان يعمل على إنشاء جيش من المتطوعين لمواجهة المتصيدين الحكوميين على "تويتر" (أو ما يسمون الذباب الاليكتروني)، وأطلق هؤلاء المتطوعون على أنفسهم اسم "النحل الإلكتروني".

وقبل 11 يوما من مقتل "خاشقجي" داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، كتب على "توتير" أن "النحل قادم".

تضيق الخناق

إحدى أذرع القمع ضد المعارضين تأتي من مكاتب ومنازل في الرياض وما حولها، حيث ينتشر مئات الشباب على "تويتر"؛ لمطاردة وإسكات محادثات المعارضين وأصواتهم، هذه هي مزرعة المتصيدين، التي وصفها 3 أشخاص عل دراية بالمشروع والرسائل بين الأعضاء.

ويناقش المدريون لهؤلاء المتصيدين بشكل روتيني طرق مكافحة المعارضة، ويتخذون قرارات في مواضع حساسة، مثل الحرب عل اليمن أو حقوق المرأة، ثم ينتقلون إلى جيشهم المنظم بشكل جيد - الذي يتضمن متخصصين في وسائل التواصل الاجتماعي -  عبر دردشات جماعية في تطبيقات مثل "واتساب" أو "تيليغرام"، وإرسال قوائم تم اعدادها بأسماء معارضين؛ لتهديدهم أو إهانتهم أو إرهابهم، بالإضافة إلى القيام بنشر حصصهم اليومية من التغريدات الموالية للحكومة السعودية.

ويرسل الرؤساء أيضا (ميمات انترنت) يمكن للعاملين معهم استخدامها في للسخرية من المعارضين، أو لتمجيد ولي العهد والملك، مثل صورهما وهما يرقصان بالسيف.

ويلجأ الخبراء من المتصيدين إلى البحث في "تويتر" على المحادثات التي تتناول موضوعات معينة، وإرسال رسائل للمشاركين في تلك المحادثات، من حسابات متعددة يديرونها.

في بعض الأحيان، عندما تنطلق مناقشات مثيرة للجدل أو قوية، يقومون بنشر صور إباحية، وتنشيط المشاركة فيها عن طريق بوتس (bots) خاصة بهم،  لكي يتم صرف المغردين عن المحادثات الصائبة أو الملائمة.

وفى أحيان أخرى، إذا تم حظر حساب واحد من قبل عدد كبير من المستخدمين الآخرين، يقومون ببساطة بإغلاقه وفتح حساب جديد.

وفى إحدى الحوارات التي شاهدتها صحيفة "تايمز"، قرر العشرات من قادة المتصديين إسكات انتقادات الهجمات العسكرية على اليمن من خلال إبلاغ تويتر أنها رسائل" حساسة "، وهكذا تعتبر هذه المشاركات التي تم الإبلاغ عنها من الأشياء التي تعتبرها "تويتر" بمثابة إشارات عندما تقرر إخفاء محتوي عن مستخدمين آخرين، مما يضعف تأثيره.

وقد واجه "تويتر" صعوبة في مكافحة المتصيدين، فالشركة (تويتر) يمكننها كشف وتعطيل السلوكيات الآلية أو شبه الآلية التي تستخدم (bot accounts)  لكنها تستغرق وقت أكثر وتجد صعوبة أكبر في كشف من يقومون بالتغريد بشكل بشري نيابة عن الحكومة السعودية.

ووجد المتخصصون وظائفهم عبر "تويتر" ذاته، حيث وجدوا إعلانات، ذكرت  فقط أن صاحب العمل يسعي للحصول على شباب مستعدين للتغريد مقابل 10 آلاف ريال سعودي في الشهر، أي ما يعادل 3000 دولار.

ولم يتم الكشف عن الطبيعة السياسية للعمل، إلا بعد اجراء مقابلات معهم، وبعد أن يعربوا عن اهتمامهم بالعمل.

وفقا لأفراد قابلتهم "تايمز"، شعر بعضهم أنهم إذا رفضوا العمل، بعد الاطلاع على المهمة، فإنه سيتم استهدافهم كمعارضين.

سمع المتخصصون المديرين يتحدثون عن السيد "القحطاني"، الذي وصفه النشطاء والكتاب بأنه "سيد المتصيدين"، و"ستيف بانون السعودية"، و"سيد الذباب"، ونظرا إلى برامج الروبوت والمهاجمين عبر الإنترنت الذين يطلق عليهم أحيانا "الذباب الالكتروني"، من قبل ضحاياهم، اكتسب "القحطاني" نفوذا منذ أن وطد ولي العهد سلطته.

كان "القحطاني" يدير عمليات إعلامية داخل البلاط الملكي، تضمنت توجيه الاعلام المحلي في البلاد، وترتيب مقابلات صحفيين أجانب مع ولي العهد، واستخدام حسابه على تويتر الذي يتابعه 1.35 مليون متابع، لتنظيم حملات للدفاع عن النظام السعودي عبر الإنترنت ضد "الأعداء"، بما في ذلك قطر وإيران وكندا، فضلا عن الأصوات المعارضة مثل السيد "خاشقجي".

ولفترة، قام بالتغريد باستخدام وسم (القائمة السوداء)، داعيا اتباعه إلى للإبلاغ عن أعداء محتملين للمملكة.

وقال "القحطاني" في تغريدة: "السعودية وأشقائها إذا قالوا فعلوا وهذا وعد.. ضعوا كل اسم ترون وجوب ضمه # للقائمة_السوداء، عبر نفس الوسم، وسيتم فرزها وسيتم متابعتهم من الآن".

وأضاف: "سيتم دراسة كل الأسماء الموجودة فيه إضافة للأسماء المرصودة من الدول".

مشتبه داخل" تويتر"

في نهاية عام 2015 ، أصبح المدراء التنفيذيون أول من يعلم بوجود مؤامرة للتسلل إلى حسابات متسخدمين، عندما كشف مسؤولون استخباراتيون غربيون أن السعوديين كانوا يقومون بتهيئة (تجنيد) مسؤول بـ"تويتر" يدعي "علي آل زبارة" للتجسس على حسابات المنشقين، وفقا لخمسة أشخاص على دراية بالأمر، وطلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، لأنهم غير مصرح لهم بالحديث بشكل علني.

وانضم "آل زبارة" للعمل بـ"تويتر" في عام 2013، وترقي إلى أن وصل لمنصب هندسي أتاح له الوصول إلى المعلومات الشخصية وأنشطة الحسابات لمستخدمي "تويتر"، بما في ذلك أرقام الهواتف، وعناوين I.P، ومعرفات للأجهزة المتصلة بالإنترنت.

وقال مسؤولون مخابراتيون غربيون لمديري "تويتر" إن "آل زبارة" أصبح وثيق الصلة بعملاء بالمخابرات السعودية، الذين أقنعوه في نهاية المطاف بالتدقيق في العديد من حسابات المستخدمين، وفقا لثلاثة أشخاص تم إطلاعهم على المسألة.

وعلى حين غرة، فاجأ مسؤولون بـ"تويتر"، "آل زبارة"، ومنحوه أجازة إدارية ثم جرى استجوابه، كما أجروا تحليلا لتحديد المعلومات التي تمكن من الوصول إليها، ولم يتمكنوا من العثور على أدلة دامغة أنه سلم بيانات "تويتر" للحكومة السعودية، لكنهم بعد ذلك طردوه من العمل في ديسمبر/كانون الأول 2015.

عاد "آل زبارة" إلى المملكة بعد ذلك بقليل، وهو الآن يعمل مع الحكومة السعودية، وفقا لشخص مطلع على الأمر.

ورفض متحدث باسم "تويتر" التعليق، ولم يرد "آل زبارة" على طلب التعليق، ولم يستجب أيضا المسؤولين السعوديين.

وفى 11 ديسمبر/كانون الأول 2015، أرسل "تويتر" إشعارات السلامة إلى أصحاب عشرات الحسابات التي كان السيد "آل زبارة" قد وصل إليها، ومن بينهم باحثون في الأمن والخصوصية، وأخصائيون في المراقبة وأكاديميون في السياسية وصحفيون، عملوا في مشروع تور  Tor project وهي منظمة تدريب تدرب النشطاء والمراسلين على كيفية حماية خصوصيتهم.

وجاءت الرسالة التي أرسلتها "تويتر" كالتالي: "كإجراء احترازي ننبهكم أن حساب توتير الخاص بكم هو واحد من ضمن مجموعة صغيرة من الحسابات التي ربما قد يكون تم استهدافها من قبل جهات فاعلة حكومية".

 تغيير الصورة 

حملة السعودية، التي لا تعرف الرحمة في بعض الأحيان، هي أيضا نتيجة ثانوية لموقف هش متزايد للمملكة على المستوي الدولي، فلعقود من الزمان كانت المملكة خزائنها تتدفق بالأموال من عطش العالم للنفط، ولم يهتم القادة السعودية حول نظرة الدول الأخرى للمملكة (حكمها أو قيودها التاريخية على النساء).

لكن السعودية تواجه مستقبلا أكثر غموضا، مع انخفاض أسعار البترول، وحاول ولي العهد "محمد بن سلمان" جذب الاستثمار الأجنبي إلى البلاد، جزئيا عن طريق تصوير بلاده على أنها بلد نابض بالحياة وأكثر تقدما مما كانت عليه في الماضي .

لكن الباحث في مجال العولمة والحكم "أليكسي أبراهامز"، يري أن التلاعب الحكومي في وسائل الاعلام الاجتماعي يتتبع مسارات القمع التي شهدتها الدول الاستبدادية الأخرى في السنوات الأخيرة.

 

 

  كلمات مفتاحية

جمال خاشقجي تويتر السعودية المتصيدون الذباب الالكتروني