لوب لوج: الجغرافيا السياسية لأزمة خاشقجي

الاثنين 22 أكتوبر 2018 02:10 ص

أثارت التفاصيل المروعة عن مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" من قبل رجال الأمن السعوديين في قنصليتهم في إسطنبول الاهتمام العالمي.

ولم يكن من المستغرب أن تكون الأوصاف الفاضحة لهذه الحالة المثيرة أكثر تأثيراً على التصورات العامة من موت حوالي عشرة آلاف يمني معظمهم من المدنيين في العمليات العسكرية السعودية في اليمن، والتي سهلتها واشنطن ولندن.

وفي الوقت نفسه، لدينا المشهد المسرحي لحكومة "أردوغان" في تركيا التي تطلق قصصا تثير الدهشة عن أهوال تعذيب "خاشقجي" وقتله وتقطيعه، لإبقاء القصة حية.

وأدى ذلك إلى تصاعد حدة الإهانة العامة ووضع المملكة العربية السعودية وولي عهدها المتهور "محمد بن سلمان" في دائرة الضوء أمام العالم في وقت تمتلك فيه السعودية ما يكفي من الأعداء بالفعل في هذا العالم.

لكن ما الذي يحدث هنا؟ ما الذي تريده تركيا؟

يحب النقاد الحديث عن بعض "المواجهة التاريخية" بين إيران الشيعية والسعودية السنية، ولكن في الواقع، فإن الفجوة الإيديولوجية بين المملكة العربية السعودية وتركيا، وليس إيران، هي الأكثر عمقا - حتى ولو كانت أقل ذيوعا - من التهديد الإيراني المزعوم.

وكانت الإمبراطورية العثمانية التركية هي التي بادرت بدحر الدولة الوهابية الأولى حتى نشأت في شبه الجزيرة العربية في أوائل القرن التاسع عشر في وقت كانت فيه الأماكن المقدسة تحت الحماية القانونية للسلطان العثماني.

الجمهورية الديمقراطية والمملكة الاستبدادية

واليوم، تمثل تركيا دولة حديثة وعقلانية ومؤسسية تعمل في إطار نظام ديمقراطي، فرغم أن نهج الرئيس "أردوغان" يصبح أكثر سلطوية لكن الديمقراطية التركية موجودة من حيث أحزابها السياسية، والانتخابات، الجدل السياسي داخل البرلمان والمشاركة الفعالة للناخبين، دور المرأة والاقتصاد المتطور نسبيا، ومستويات التعليم المرتفعة، وهي أمور تكفل استمرار التطور السياسي لتركيا على المدى الطويل بغض النظر هم هوية من يشغل الحكم.

تخيف المؤسسات السياسية والاجتماعية المتطورة في تركيا المملكة العربية السعودية.

لدى تركيا دستور وهي تحافظ على زخارف الديمقراطية والانتخابات والمناظرات السياسية في البرلمان، وكل هذه الأشياء تشكل لعنة للرياض وتهدد أساس الملكية السعودية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن حزب "أردوغان"، حزب العدالة والتنمية يمثل منظورا إسلاميا معتدلا في المنطقة يقف في مواجهة تامة مع النسخة الضيقة والمتشددة للإسلام الوهابي السعودي.

كما أن وجهات نظر "أردوغان" أقرب إلى جماعة "الإخوان المسلمون" الأكثر حداثة، وهي جماعة إسلامية تحتضن مبادئ الديمقراطية والانتخابات.

وتكره المملكة العربية السعودية جماعة "الإخوان المسلمون" وترى أنها تعمل في نهاية المطاف على تقويض النظام الملكي، وفي المقابل، لا يعير الإسلام السياسي أي اعتبار للملكية التي يراها تفتقر إلى الشرعية الإسلامية.

باختصار، فإن النظرة التركية للسياسة والإسلام تهدد النظام السياسي السعودي القائم على الملكية والطريقة الوهابية.

وإذا كانت هناك أي دولة تمثل رأيًا إسلاميًا تقدميا في هذا العالم، فمن المرجح أنها تركيا وبالتأكيد ليست المملكة العربية السعودية مع نمط من حكم القرون الوسطى يتعايش جنبًا إلى جنب مع ناطحات سحابها المتلألئة.

ثم لدينا قطر هذه الدولة الخليجية الصغيرة وهي ملكية تحتضن اسميا الإسلام الوهابي ولكن بشكل أكثر انفتاحاً وتسامحاً من الشكل السعودي.

ولكن قطر، على الرغم من اشتراكها مع السعودية في النظام الملكي، ترى أن "الإخوان المسلمون" هم بشكل أساسي وجه الإسلام السياسي المستقبلي الأكثر حداثة، بعيدا عن النسخة السعودية الوهابية.

وقد قامت قطر برعاية قناة الجزيرة الفضائية، ولا تزال تحتفظ بها، الأمر الذي أحدث ثورة في النقاش العام حول السياسة في جميع أنحاء العالم العربي وخارجه فيما تشجب الرياض النقاشات التي تطرحها الجزيرة والتهديد الذي تشكله مثل هذه المناقشة المفتوحة للسياسة الإقليمية.

وتمثل تركيا، على الرغم من مشاكلها الحالية، مستقبل الحكم الإسلامي في المنطقة، في حين أن المملكة العربية السعودية تتأرجح كثيرا في الماضي، بغض النظر عن القوة الهائلة لثروتها.

تطمح المملكة العربية السعودية إلى قيادة العالم الإسلامي، ولكن بصرف النظر عن ثروتها الهائلة وسيطرتها على أماكن المسلمين المقدسة، فإن ثقافتها العقيمة والمتشددة لا تقدم سوى القليل جدا من المؤهلات اللازمة للقيادة.

الشطرنج الجيوسياسي

في الوقت نفسه، تجد قطر نفسها في تحالف وثيق مع الحكومة التركية، ومع القرار المتعجل الذي اتخذه "بن سلمان" بحصار قطر، تعزز التحالف التركي القطري، وقامت تركيا بإرسال قوات للمساعدات في جماية الإمارة ضد الغزو العسكري السعودي المحتمل.

بخلاف ذلك، تتافس المملكة العربية السعودية وتركيا أيضا على النفوذ في النظام السياسي المستقبلي في سوريا بعد الحرب الأهلية.

وتتعامل قطر السنية مع تركيا السنية على نطاق واسع وكذلك مع إيران الشيعية، مع ذلك، تدّعي السعودية أن إيران هي مصدر كل الشرور وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وتشترك في وجهات نظر أيديولوجية أكثر قربًا مع (إسرائيل) على أساس منطق عدو العدو، وللأسف، فقد ابتاعت واشنطن في هذه الرواية الإسرائيلية السعودية حول إيران.

ورغم أن إيران هي التهديد المزعوم المزعج الذي طالما ادعته الرياض، فإن تلك السياسة مصممة كانت في نهاية المطاف لإدخال الولايات المتحدة في حرب مع إيران.

وترجع مخاوف الرياض تجاه طهران من كونها دولة أخرى منافسة في سياق ديمقراطي إسلامي، وعلى الرغم من جميع الانتقادات لنظام الثورة الإسلامية، فإن إيران أقرب بكثير إلى الديمقراطية من السعودية التي تفتقر إلى أي أساس مؤسسي لمثل هذا النظام السياسي المفتوح.

ومع مقتل "جمال خاشقجي" في إسطنبول، كانت أنقرة سعيدة لاستغلال الفضيحة وتشديد الخناق على الرياض.

وقد ألقت أنقرة بتسريبات من الأدلة المروعة للحدث أظهرت الرياض في صورة سيئة للغاية، وعززت قدرتها وقدرة كافة الأطراف الأخرى بما في ذلك واشنطن على الضغط على السعودية.

وقد كانت أنقرة سعيدة بإحراج الرياض في قتلها "خاشقجي" في ظل المنافسة المستعرة على قيادة العالم الإسلامي بينهما، ومع ذلك، فإن أنقرة لا تريد استعداء الرياض تماما، لأن الموارد المالية السعودية لا تزال مفيدة لأنقرة.

مع تغير الجغرافيا السياسية للعالم، لا سيما مع ظهور مراكز قوى جديدة مثل الصين، وعودة روسيا، واستقلال تركيا المتزايد، ومقاومة إيران للهيمنة الأمريكية في الخليج، والدور المتزايد للهند والعديد من اللاعبين الأصغر، فإن ظهور المملكة العربية السعودية كقوة أكثر عدوانية ومغامرة ليس أمرا مفاجئا.

في الواقع، قد نقول إن هذه السياسة تأخرت في دولة لطالما تميزت بسياسة خارجية محافظة وحذرة.

ولكن ذلك يجعل قيام واشنطن "بإدارة الخليج" مهمة مستحيلة بشكل متزايد مع دخول العديد من اللاعبين البارزين الآخرين إلى اللعبة لخدمة مصالهم الخاصة.

بينما نتابع الأخبار المريبة عن مقتل "جمال خاشقجي"، من المهم أن ندرك أن هذا الحادث القبيح يمثل مجرد جزء صغير من اللعبة الجيوسياسية الأكبر في الخليج.

المصدر | غراهام فولر | لوب لوج

  كلمات مفتاحية

السعودية تركيا قطر إيران مقتل خاشقجي