نيويورك تايمز: رئيس ينبطح أمام أمير مجنون

الاثنين 22 أكتوبر 2018 07:10 ص

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا باللغة العربية للكاتب الصحفي الأمريكي، "نيكولاس كريستوف"، انتقد فيه بشدة سياسة الرئيس الأمريكي، "دونالد ترامب"، إزاء السعودية على وقع جريمة اغتيال الكاتب الصحفي السعودي، "جمال خاشقجي".

و"نيكولاس كريستوف" يكتب لـ"نيويورك تايمز" منذ 2001، وسبق أن عمل مراسلا أجنبيا لفترة طويلة قبل ذلك، وقد حصل على جائزة "بوليتز" مرتين لتغطيته الصحفية للصين والإبادة الجماعية في دارفور.

وفيما يلي نص المقال:

اعتاد الرؤساء الأمريكيون ستر فسادهم وانحراف سلوكهم من حين لآخر، لكن الرئيس "ترامب" ذهب إلى أبعد من ذلك، فهو يستخدم حكومة الولايات المتحدة للتستر على همجية مستبد أجنبي.

عرفت "جمال خاشقجي" لأكثر من 15 عاما، ولذا أشعر بالغضب الشديد عند سماع تقارير عن فريق ملكي من السفاحين ضربوه وخدروه وقتلوه، بل بتروا أصابعه، ربما لأنه يكتب بها، ثم قطعوا أوصاله بمنشار عظام. لكنني غاضب بنفس القدر من رد الفعل البائس للبيت الأبيض.

ندد "ترامب" في الماضي مرارا وتكرارا بالرئيس "باراك أوباما" لانحنائه أمام ملك سعودي، لكن "ترامب" اليوم لا ينحني أمام ملك فقط، بل ينبطح أمام أمير مجنون.

سبق أن تلاعب ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" مرارا بـ"ترامب" وبـ"غاريد كوشنر"، فهو يعرف ما يحرك الأمريكيين، وها هو يفعلها مرة أخرى، فـ"ترامب" آخذ في التستر على ما يبدو أنه قتل تحت التعذيب ارتكبه السعوديون في حق صحفي عالمي.

هناك علاقة تربط 4 على الأقل من القتلة المزعومين بـ"محمد بن سلمان" فكما كتبت "نيويورك تايمز"، وكما لا يخفى على كل من يعرف المملكة العربية السعودية، فإن اعتداء وقحا كهذا لا يمكن أبدا أن يحدث دون موافقة "محمد بن سلمان".

ربما لا ينبغي كتابة مقالات رأي في حالة غضب، لكن هذه الفظاعة مثيرة للغضب والحزن على حد سواء: إن صحت التقارير، فقد حدث ما حدث جزئيا لأن مسؤولين أمريكيين، وآخرين كثيرين في غمرة إقبالهم على "بن سلمان" مكنوا حاكما متهورا وساعدوه في الوصول للسلطة والانفراد بها، وجعلوه يعتقد أنه قد ينجو بأية فعلة كانت.

وقد اتخذ "ترامب" و"كوشنر" "محمد بن سلمان" حليفا منذ وقت مبكر، حيث دعوه للعشاء في البيت الأبيض ودعماه في الوصول إلى سدة الحكم.

هاجم "محمد بن سلمان" اليمن مسببا ما اعتبرته الأمم المتحدة أكبر أزمة إنسانية في العالم، وقصف أطفال المدارس وترك 8 ملايين يمني على حافة المجاعة، ولم تكن هناك أية عواقب لأفعاله.

أثار أزمة مع قطر، ولم تكن هناك أية عواقب.

خطف رئيس وزراء لبنان، ولم تكن هناك أية عواقب.

سجن مدافعات عن حقوق النساء وابتزَّ رجال الأعمال، ولم تكن هناك أية عواقب.

إذا استطاع "محمد بن سلمان" فعل كل هذا وظل يلقى الاستحسان والتوقير في أمريكا، فلا عجب أن يعتقد أن باستطاعته النجاة بتقطيع أوصال صحفي مثير للمشاكل.

وإذا لم يواجه أية عواقب جادة هذه المرة أيضا، بعد أن صار يلقب "أبو منشار"، فما الذي سيفعله بعد اليوم؟

الحقيقة أننا مكنَّا السعوديين من إساءة السلوك لعقود، وشمل ذلك التعليم المتطرف وتمويل الإرهاب الذين ساهما في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.

وقفنا نتفرج بينما زرعت السعودية المدارس الدينية المتطرفة في أماكن مثل غرب أفريقيا وباكستان وإندونيسيا، مزعزعة بشدة استقرار مناطق فقيرة في العالم.

حققت السعودية تقدما في بعض المجالات، بما فيها تمويل الإرهاب، لكنها تظل بلدا مستبدا و متعصبا وكارها للنساء.

كفى!

يُحكى أن "فرانكلن روزوفلت" وصف ديكتاتورا في نيكاراجوا بأنه "ابن عاهرة، لكن ابن العاهرة هذا يتبعنا نحن"، وهذه هي الطريقة التي يرى بها بعض الأمريكيين "محمد بن سلمان".

لكن "بن سلمان" غشَّ الأمريكيين، فهو يقول كثيرا من الأشياء الجميلة، لكنه لم يوف بوعده بشراء أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار، ولم يدعم خطة "ترامب" للسلام في الشرق الأوسط، ولم يتمكن من طرح شركة البترول السعودية "أرامكو" للاكتتاب العام.

خططه تأتي بنتائج عكسية، فحربه على اليمن خلقت فرصا جديدة لتنظيم القاعدة هناك، ومواجهته مع قطر كانت في مصلحة إيران، وخطفه رئيس وزراء لبنان ترك "حزب الله" أقوى من أي وقت مضى، وخطفه وقتله "خاشقجي" المزعومان هدية لأنداد السعودية في تركيا وإيران.

باختصار، الأمير المجنون ليس همجيا فقط، بل هو أيضا غير كفء ولا يمكن الاعتماد عليه، فهو لا يخدم مصالحنا؛ بل يضر بها، بالفعل، إحدى مخاوفي أنه سيحاول جرنَّا إلى حرب مع إيران.

لكنه حتى في الوقت الذي يختبئ فيه المسؤولون السعوديون، صار "ترامب" دمية للمملكة ومدافعا عنها، قائلا إن "قتلة مارقين" قد يكونون وراء ما يبدو أنه حادثة قتل.

أرسل "ترامب" وزير خارجيته "مايك بومبيو" في مهمة مشبوهة ليشكر الملك "سلمان" على التزامه بإجراء تحقيق "شامل" و"شفاف".

يتصرف "ترامب" كأن للسعوديين نفوذا علينا، في حين هم الذين يحتاجوننا ويحتاجون قطع غيارنا لطائراتهم الأمريكية الصنع.

لم يتمكن السعوديون حتى من هزيمة ميليشيا متمردة في اليمن، لذا فهم يعتمدون علينا في أمنهم، لكننا نبدد هذا النفوذ.

ينبغي على "ترامب" أن يتوقف عن الاشتراك في عملية التستر، ينبغي عليه أن يدعو إلى تحقيق دولي تدعمه الأمم المتحدة، وإلى إطلاق سراح الإصلاحيين الحقيقيين مثل ناشطة حقوق النساء "لُجين الهذلول" والمدوِّن "رائف بدوي".

كما ينبغي عليه أن يبيِّن للعائلة المالكة السعودية أنها إن أرادت دوام العلاقة مع أمريكا، فإنها تحتاج إلى ولي عهد جديد، وليس إلى جزار.

المصدر | نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب محمد بن سلمان جمال خاشقجي