النائب العام السعودي.. ذراع بن سلمان القانونية للفتك بمعارضيه

الاثنين 29 أكتوبر 2018 02:10 ص

"لا تعولوا كثيرا على النائب العام السعودي.. فهو مدخلي".. تعليق كثر اقتباسه على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال اليومين الماضيين، عندما تحدث الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، عن زيارة الأحد، للمسؤول السعودي إلى تركيا، لبحث تحقيقات اغتيال الكاتب "جمال خاشقجي".

التعليق الذي كتبه ناشطون سعوديون وعرب، يستند إلى تاريخ طويل لأول نائب عام سعودي بالمملكة، ويشير بوضوح إلى مدى التزام "سعود المعجب"، بأدبيات فكره بعدم الجواز مطلقا معارضة الحاكم، وعدم إبداء النصيحة له في العلن، واعتبار ذلك أصلاً من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، ومخالفتها يعد خروجاً على الحاكم المسلم في مذهبهم.

التيار الذي يمثله "المعجب"، يرى في كل من يقوم بانتقاد الحاكم أو السلطان، خوارج ومبتدعة في الدين، تجب معاداتهم ومحاربتهم ويجوز قتلهم، حيث أن الهدف الرئيسي عند "المداخلة" يتمثل في إنهاء الفرقة في الأمة والتفافها حول سلطانها.

ولعل هذه الرؤية حول فكر ومذهب "المعجب"، التي تعد إحدى مدارس "السلفية"، صدقت أم لا، فهي تنطبق عليه منذ أن تقلد منصبه بأمر ملكي في 17 يونيو/حزيران 2017، عندما أصدر الملك "سلمان بن عبدالعزيز"، مرسوما بتعيينه نائبا عاما، بدرجة وزير.

من هو "المعجب"؟

ولد "سعود بن عبدالله بن مبارك المعجب" عام 1966، في محافظة الأفلاج جنوب العاصمة الرياض، ويروي أنه يهوى السباحة والفسحة في الريف، بينما يتضح من مساره الأكاديمي أنه حصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة، قبل أن يلتحق بسلك القضاء.

شغل "المعجب" مناصب قضائية، أبرزها رئاسة محكمة الأحوال الشخصية في الرياض، وعضوية كل من المحكمة الجنائية والمجلس الأعلى للقضاء.

تقلده في المناصب، قدمه للمشاركة ضمن وفود سعودية، في اجتماعات عربية وخليجية، فيما يخص الجوانب العدلية والقضائية.

يروي "المعجب"، أنه كان يتردد على مجالس الملك "سلمان" قبل توليه حكم المملكة، وأن شخصيته تأثرت بحزمه وبعزمه.

الفترة التي عُين فيها "المعجب"، في هذا المنصب الرفيع، لم تكن عادية في السعودية، حيث شهدت حصار قطر، وصعود الأمير "محمد بن سلمان" لولاية العهد، بالإضافة إلى ما صاحب ذلك من سجن المئات، على دفعات متعاقبة، بدأت بالدعاة والأكاديميين، ومرت بالأمراء ورجال الأعمال، ولا تزال مستمرة على الناشطين والحقوقيين.

النائب العام السعودي، يُعد الذراع القانونية لـ"بن سلمان"، والذي عول عليه كثيرًا في العديد من التحقيقات، وتوجيه الاتهامات لمن ألقي عليهم القبض منذ توليه حكم المملكة.

إعدام الدعاة

"المعجب" هو الوحيد تقريبا بالتعاون مع الإعلام السعودي، من تصدروا الحملة على الدعاة والأكاديميين والإعلاميين والكتاب، التي بدأت في سبتمبر/أيلول 2017، عندما روج أن هؤلاء المعتقلين الذين تم إخفائهم قسريا، بدون أي سند قانوني، "خونة تآمروا على الملك والمملكة لصالح جهات أجنبية".

وبعيدا عن عدم منح المعتقلين حقوقهم المنصوص عليها في الأعراف القانونية والدساتير العالمية، والمسؤول عن تنفيذها "المعجب"، من منع الزيارة، وانتهاكات الحبس الانفرادي، ومنع التواصل مع المحامين، وعدم الرعاية الصحية، إلا أنه صدم العالم عندما طالب بإعدام المعتقلين.

فمع مطلع سبتمبر/أيلول 2018، وبعد عام من بدء الحملة على الدعاة، أحال "المعجب" بعضا منهم إلى محاكمات سرية، كان أبرزها مع الداعية "سلمان العودة"، ليوجه له 37 تهمة تتعلق بالإرهاب والتطرف، ويطالب بمعاقبته تعزيرا بالإعدام.

لم يكن "العودة"، فقط من طالب "المعجب" بإعدامه، بل إن هذه المطالبة طالت آخرين بعد اتهامات وصفتها منظمات حقوقية دولية بـ"الفضفاضة التي لا تستند إلى دليل".

كما طالب بإنزال عقوبات قاسية على كتاب وإعلاميين واقتصاديين تتهمهم الرياض بالتطرف والتواصل مع جهات خارجية.

في حين تؤكد تسريبات، أنهم اعتقلوا لأنهم صمتوا عندما أرادت منهم السلطة، أن ينطقوا سبا وشتما لقطر وتركيا وقناة "الجزيرة" وجماعة "الإخوان المسلمون"، على خلفية المقاطعة والحصار الذي فرضته الرياض وعواصم عربية أخرى على الدوحة، بدعوى دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الأخيرة بشدة.

الريتز كارلتون

ومع مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2017، اعتقلت السلطات السعودية أمراء ورجال أعمال، وسجنتهم في فندق "الريتز كارلتون" ذي الخمس نجوم، في حملة قالت الرياض إنها لمكافحة الفساد، في حين تؤكد تقارير عديدة أن هدفها الإطاحة بمن يشكلون خطرا على ولي العهد.

وبينما تعاطى ولي العهد ومستشاره حينها "سعود القحطاني" مع الشق السياسي والإعلامي للحملة، كان لا بد من ظهور النائب العام في شقها الجنائي، حيث أصدر بيانات تتهم المعتقلين بالفساد.

ويومها أشادت الصحافة السعودية بتصريحات "المعجب"، التي شدد فيها على أن الموقوفين في قضايا الفساد "لن يتلقوا أي معاملة خاصة وسيعاملون طبقا للقانون".

لكن النائب العام المتأثر بشخصية الملك والمعتز جدا بثقة ولي العهد، لم يوجه للأمراء والنافذين تهما رسمية، وإنما أسبغ الصفة القانونية على صفقة أبرمتها معهم السلطة: إطلاق سراحهم مقابل المليارات بعد أن فقدوا مناصبهم ونفوذهم في مواجهة "بن سلمان".

وحتى الآن، لم يفسر النائب العام للرأي العام، لماذا استضاف كبار المعتقلين في واحد من أفخم الفنادق العالمية، بينما يُلقي بالمواطنين العاديين في غياهب السجون المتوارية خلف الرمال؟.

اعتقال الناشطين

"الخيانة والتآمر والسعي نحو إسقاط الدولة".. هي أسهل الاتهامات التي يمكن أن تخرج من "المعجب" لمخالفي ولاة الأمر في المملكة، بعدما تكررت هذه الاتهامات بحق الناشطين والناشطات السعوديات، الذين تم اعتقالهم مع مايو/أيار 2018.

عجز "المعجب" عن توجيه تهمة حقيقة لهؤلاء الناشطين والناشطات، دفعت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الحقوقية، للقول إنّه "يبدو أنّ (الجريمة) الوحيدة التي ارتكبها هؤلاء تكمن في أنّ رغبتهم برؤية النساء يقدن السيارات، سبقت رغبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بذلك".

"المعجب"، المنوط به تنفيذ القانون، متهم بالإخفاء القسري لناشطين ومعارضين، داخل السجون، من دون إحالتهم إلى المحاكم لخوض إجراءات جنائية.

"خاشقجي"

الحادثة الأخيرة، لاغتيال "خاشقجي"، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، أكدت أن الهمسة التي يهمسها "المعجب"، ليست من قراره، وإنما تكون بأمر من القصر الملكي، حيث صمت النائب العام السعودي عن مقتل مواطن سعودي داخل قنصلية المملكة، لأكثر من 18 يوما، قبل صدور بيان الاعتراف الأول.

"المعجب" خرج برواية لمقتل "خاشقجي"، رفضها العالم، حين قال إن الوفاة تمت نتيجة "شجار"، دون أن يفصح عن مكان الجثة، قبل أن يعلن توقيف 18 شخصا، على خلفية الواقعة.

صمت "المعجب"، استمر أيام أخرى، قبل أن يخرج ويعلن رواية جديدة، قال فيها إن المعلومات المستقاة من التحقيقات التركية تشير إلى أن المتهمون ارتكبوا جريمتهم بـ"بنية مسبقة"، دون أيضا أن يكشف عن مصير جثة "خاشقجي".

وبين الروايتين، ظهر الاارتباك في النيابة، وتغيرت الروايات على لسان مصدر مطلع، بتصريحات للصحافة الأجنبية، فتحول القتل من الشجار، إلى القتل بالخنق، وانتهاء بتأكيد التخطيط المسبق للجريمة، وهو ما يشير إلى ما ذهب إليه الناشطون، إلى أن بيانات النيابة، تكتب من القصر، وليس على "المعجب" إلا التوقيع عليها وإصدارها باسمه.

هذا الصمت ممن يعد المسؤول الأول عن تحقيقات القضية، دفع إعلان إيفاده إلى تركيا لبحث تفاصيل جديدة مع الجانب التركي يثير الكثير من الاستغراب، والتأكيد أنه ليس له من أمره شيء حتى تكون زيارته ذات قيمة ومعنى.

"المعجب"، حسب مراقبين، لن يكون سفره لإسطنبول من أجل تبادل الحقائق والتحقيقات حول قضية مقتل "خاشقجي"، لافتين إلى أن "المعجب"، لا يستطيع أن يجيب على الأسلئة التي طرحها "أردوغان"، حول من أمر بقتل "خاشقجي"، وأين جثته؟.

ولن هذه الزيارة، حسب المراقبين، ستكون لدارسة الوضع القانوني كاملًا في المقام الأول، ومعرفة ما ورد في التحقيقات التركية، التي قد يتورط بها أشخاص غير الـ18 متهمًا، وعلى رأسهم "بن سلمان".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سعود المعجب اعتقالات السعودية بن سلمان خاشقجي