فورين بوليسي: بن سلمان هو صدام القادم بالشرق الأوسط

الأربعاء 31 أكتوبر 2018 11:10 ص

صُدِم ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" بسبب رد الفعل العنيف على قتل حكومته للكاتب الصحفي في "واشنطن بوست" "جمال خاشقجي".

وذلك في مكالمة هاتفية حديثة مع صهر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ومستشاره "غاريد كوشنر"، ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن ارتباكه حول غضب واشنطن الرسمي "تحول إلى غضب"، كما تحدث عن الشعور "بالغدر من الغرب" وهدد "بالبحث في مكان آخر" عن الشركاء الأجانب.

لن يكون سخط السعودية تجاه الولايات المتحدة المرة الأولى التي يفترض فيها حليف مستبد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط أنه يستطيع أن يفعل ما يشاء وأنه سيفلت من العقاب بسبب تحالفه مع واشنطن في مواجهة إيران.

وبالفعل، فإن صعود الأمير السعودي السريع إلى السلطة يحمل تشابهاً مذهلاً مع ما كان عليه في الماضي حليف الولايات المتحدة الذي تحول إلى عدو، والذي تغاضى حلفاء واشنطن عن وحشيته في البداية؛ وهو الديكتاتور العراقي السابق "صدام حسين".

حليف يتحوّل لعدوّ

قبل سنوات من غدوّ "صدام" العدو الرئيسي لواشنطن، حظي بدعم كبير من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، دعم انتهى بعد أن قرر غزو الكويت في عام 1990، ومع ذلك، فإن الفترة التي سبقت هذا الصراع ورعاية واشنطن السابقة لـ"صدام" توفر دروساً مفيدة للسياسة الإقليمية الأمريكية اليوم والمخاطر الكبرى لعدم الرد بقوة على اغتيال "خاشقجي".

إن توطيد "محمد بن سلمان" التدريجي والوحشي للسلطة، والذي تخلله احتجاز وتعذيب منافسيه المحليين، يستحضر الهجمة على المعارضة داخل الحزب الحاكم في العراق عام 1979 من قبل الرئيس الشاب "صدام حسين"، وفق ما قاله "توبي دودج"، وهو مستشار للشرق الأوسط في معهد لندن الدولي للدراسات الاستراتيجية.

وأضاف "دودج" إن "تركيز السلطة في أحد الأيدي الشابة والطموحة وغير المتوقعة يمكن أن يزعجنا الآن كما كان الحال آنذاك"، ولم يؤد دعم واشنطن الثابت لصدام خلال الثمانينات إلى تمكينه من التصرف بهمجية ضد شعبه والدول المجاورة له فحسب، ولكنه في النهاية هدد المصالح الأمنية للولايات المتحدة.

بدأت علاقة الولايات المتحدة مع "صدام حسين" في عام 1963، عندما قال المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي، "روجر موريس"، إن وكالة المخابرات المركزية تحت حكم الرئيس "جون كينيدي" "نفذت بالتعاون مع صدام حسين انقلابًا للإطاحة بحكومة الجنرال عبدالكريم قاسم، الذي كان قد أطاح قبل 5 سنوات بالنظام الملكي العراقي المؤيد لأمريكا".

ومع ذلك، بدأت العلاقات بين الولايات المتحدة و"صدام حسين" تتعزز بالفعل في فبراير/شباط 1982، عندما أزاحت إدارة "ريجان" العراق من قائمة الإرهاب في وزارة الخارجية، ما مهد الطريق لتقديم المساعدة العسكرية للعراق، وحدث هذا بعد حوالي 17 شهراً من غزو صدام لإيران، حين كانت القوات العراقية تحتل إقليم خوزستان الإيراني الغني بالنفط، والذي سعى العراق إلى ضمه.

في ديسمبر/كانون الأول 1983، أرسل الرئيس "رونالد ريغان" مبعوثه الرئاسي "دونالد رامسفيلد" للقاء "صدام" وفتح الطريق لتطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق، وقد توسع الدعم الأمريكي لـ"صدام" خلال الحرب ليشمل تبادل المعلومات الاستخبارية على نطاق واسع، وإمداد القنابل العنقودية من خلال شركة تشيلية كواجهة، وتسهيل اكتساب العراق للأسلحة الكيماوية والبيولوجية.

حتى إن استخدام صدام المدمر للأسلحة الكيميائية خلال الحرب العراقية الإيرانية، سواء ضد الأهداف العسكرية والمدنية الإيرانية وعلى شعبه، لم يوقف دعم الولايات المتحدة، وتم عقد اجتماع "رامسفيلد" مع "صدام" على الرغم من امتلاك واشنطن أدلة قوية على استخدام الأسلحة الكيماوية العراقية بداية من عام 1983، قبل رحلة "رامسفيلد".

في حين تلقت إيران بعض الأسلحة من الولايات المتحدة من خلال صفقة "إيران كونترا"، فإن واشنطن فضلت "صدام" بوضوح، وعندما أظهرت المعلومات الاستخبارية أن إيران شنت هجومًا كبيرًا في أوائل عام 1988 هدد باختراق الخطوط الدفاعية العراقية، كتب "ريغان" إلى وزير دفاعه إن "النصر الإيراني غير مقبول".

وعندما اقتربت الحرب من النهاية، كانت المعلومات الاستخباراتية تتدفق بحرية إلى جيش "صدام حسين"، على الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين كانوا يدركون تمامًا أن جيش "صدام حسين" سيهاجم بالأسلحة الكيماوية.

ووفقاً لوثائق لم تعد سرية لوكالة المخابرات المركزية، تم استخدام ثلثي الأسلحة الكيميائية العراقية خلال الحرب في الأشهر الـ18 الأخيرة من الصراع، أيّ عندما بلغ التعاون بين الولايات المتحدة والعراق ذروته.

وشمل ذلك الهجوم الكيماوي الذي وقع في مارس/آذار 1988 على مدينة حلبجة الكردية العراقية، ما أدى إلى مقتل ما يصل إلى 5000 مدني، ومن المفارقات أن هذا الهجوم استخدمته إدارة "جورج دبليو بوش" في عام 2003 كجزء من ذريعة لغزو العراق للقضاء على أسلحة الدمار الشامل التي لم تعد موجودة في البلاد.

ضوء أخضر للتوحش

بعد أشهر قليلة من هجوم حلبجة، في سبتمبر/أيلول 1988، كتب مساعد وزير الخارجية "ريتشارد مورفي" مذكرة حول مسألة الأسلحة الكيماوية مفادها أن "العلاقة الأمريكية العراقية مهمة لأهدافنا السياسية والاقتصادية على المدى الطويل".

واليوم تردد إدارة "ترامب" هذه اللغة عند مناقشة العلاقة الأمريكية السعودية، على الرغم من قتل المملكة لـ"خاشقجي" وهجومها المدمر على اليمن، مع إعلان وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" مؤخراً أن المملكة في "تحالف استراتيجي مهم للولايات المتحدة، وأن السعوديين كانوا شركاء عظماء في العمل إلى جانبنا".

ومن ثم لم يكن من المستغرب أنه عشية غزو العراق للكويت، شعر "صدام" أنه يتمتع بدعم غير مشروط من الولايات المتحدة، هذا الانطباع تم تعزيزه باجتماع "صدام" مع السفيرة الأمريكية آنذاك لدى العراق "أبريل غلاسبي" في 25 يوليو/تموز 1990، قبل أسبوع من غزوه الكويت، وأثناء لقائهما المصيري، شددت "غلاسبي" على "رغبة الرئيس "جورج بوش الأب" في الصداقة، وأن "الرئيس أمرها بتوسيع وتعميق علاقاتنا مع العراق".

و عندما أثار صدام مسألة الكويت، التي كان يهددها بلا هوادة، صرحت "غلاسبي" بأن الولايات المتحدة لم تتخذ أي موقف من هذه الشؤون العربية.

حتى يومنا هذا، يؤكد خبراء أكاديميون مثل الأستاذ بجامعة هارفارد والكاتب الصحفي "ستيفن والت" أن "الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر عن غير قصد لصدام لغزو الكويت".

ويضيف "والت" أنه على عكس بعض التصورات، فإن "غلاسبي" كانت "تتبع التعليمات التي أعطيت لها"، وأنها "كانت تفعل ما تريده إدارة بوش في هذا الاجتماع الحاسم".

كما أن البرقيات الدبلوماسية الأمريكية من عصر "غلاسبي" تكشف أيضًا أن "غلاسبي" وسلفها تجاهلوا جرائم "صدام" المعروفة على نطاق واسع، وكانوا متأثرين بالعداء المشترك لإيران.

كانت الولايات المتحدة مخطئة في دعم "صدام" لمجرد أنه عارض إيران، وهو خطأ ظل يطاردها لعقود، لم يقتصر الأمر على أكثر من 500 ألف جندي أمريكي تطلبتهم عملية إزاحة "صدام حسين" من الكويت، ما أسفر عن سقوط 382 عسكريًا أمريكيًا.

لكنه وضع الحكومة الأمريكية أيضًا في حرب تسببت في إسقاط "صدام" عام 2003، وهو حدث يتجاوز تكاليفه الإنسانية والمالية بالنسبة للشعبين العراقي والأمريكي كل التقديرات، وأدى إلى صعود مجموعات مثل "الدولة الإسلامية"، وغير بشكل لا فكاك منه ميزان القوى الإقليمي لصالح إيران، التي تولى حلفاؤها الشيعة إلى حد كبير السلطة في بغداد عن طريق انتخابات ما بعد الاحتلال

إعادة إنتاج "صدام" جديد

واليوم، يتجه دعم إدارة "ترامب" لـ"محمد بن سلمان" في نفس اتجاه دعم واشنطن السيئ لـ"صدام حسين"، حتى إن دعم واشنطن للرياض اليوم له نفس المبرر؛ وهو مواجهة إيران.

وصادق "ترامب" على حملة ولي العهد للتخلص من خصومه المحليين وأعطاه تفويضاً مطلقاً في مساعيه الفاشلة لإسقاط المتمردين الحوثيين في اليمن مع قتل المدنيين، وحصار قطر لتحويلها إلى دولة تابعة، واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني، ومعاقبة كندا على شكواها من وضع حقوق الإنسان في السعودية.

ولا يعد اغتيال "خاشقجي" إلا آخر قرارات "محمد بن سلمان" المتهورة والمندفعة التي فشلت الولايات المتحدة في الرد عليها بقوة.

في أعقاب مقتل "خاشقجي"، حذر مسؤولو إدارة "ترامب" بلا خجل من أن معاقبة المملكة يمكن أن يعرض حملة الضغط المتصاعدة ضد إيران للخطر، لكن الرغبة في جرح إيران يجب ألا تطغى مرة أخرى على التهديد المتنامي للمنطقة؛ ولي عهد سعودي طموح جامح، قاد تدمير اليمن، وذبح صحفياً بارزاً في سعيه إلى تعزيز السلطة المطلقة.

إذا ما سمح لـ"بن سلمان" بالوصول إلى العرش دون مواجهة أي عواقب من واشنطن بسبب سلوكه الصارخ، فمن المحتمل أن يرهب المنطقة لعقود، كما فعل "صدام".

وإذا كان الذبح الوقح لـ"خاشقجي"، والذي تم تنفيذه في تجاهل تام للأعراف الدولية أو التكلفة السياسية علامة على الأجندة الجديدة التي ستتبعها السعودية، فإن العالم قد يواجه تهديدًا أكبر من تهديد "صدام".

ولم يكتفِ ولي العهد فقط بالإفصاح عن رغبته في استخدام القوة ضد الدول المجاورة، ولكن بلاده لا تزال تتمتع بثروة نفطية هائلة، ما يمنحه القدرة على تعطيل الاقتصاد العالمي (على الرغم من أنه لن يصل درجة الحظر النفطي العربي لعام 1973) وتهديد أرباح شركات الدفاع الغربية، بالنظر إلى أن المملكة هي ثالث أكبر بلد ينفق في العالم على المعدات العسكرية بعد الولايات المتحدة والصين.

يجب على إدارة "ترامب" أن توضح للعائلة المالكة السعودية أنه ستكون هناك عواقب وخيمة على مثل هذه التجاوزات.

وعليه أن ينهي الدعم غير المشروط المقدم إلى المملكة، وكحد أدنى، يجب أن يتضمن هذا نهاية لمشاركة الولايات المتحدة في حرب اليمن، ووقف مبيعات الأسلحة، وفرض عقوبات على جميع المسؤولين السعوديين المرتبطين بقتل "خاشقجي".

  كلمات مفتاحية

محمد بن سلمان ترامب السعودية صدام حسين إيران