استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عودة العرب إلى لحظة ما قبل الاستقلال

الاثنين 13 أبريل 2015 03:04 ص

لم تنتهِ حقبة الدول العربية الوطنية مع انطلاق ثورات 2011، أو «الربيع العربي». وإنما قبل هذا بسنوات عدة، بتنامي النفوذ الأميركي في المنطقة، ثم احتلال العراق، وتفرُّد إيران وإسرائيل في المنطقة بلا منافس.

بل يمكن القول بأن الجمهوريات العربية الحديثة ولدت ميتة أصلاً. منذ أن تأسست أجهزة الدولة، بناء على الولاء الشخصي لقادة مستبدين، حكموا بسطوة استبدادهم والكاريزما الشخصية في العراق وسورية ومصر، أهم الجمهوريات العربية المستقلة، والتي فرضت سيادتها الكاملة لفترة طويلة من الزمن، من دون أن يرسخ أي من هؤلاء العسكر الحاكمين آلية لتداول السلطة تضمن استمرار الدولة بغض النظر عن سطوة الحاكم الفرد - المستبد.

تم بناء دولة قوية، من دون أي ضمان لاستمرارها.

هنا لا أتحدث عن ديموقراطية ليبرالية، يرفضها بعضهم، ولاسيما في ذلك الزمان، لأسباب تتعلق بالعدل الاجتماعي والولاءات الأجنبية لطبقة "برجوازية" كانت صنيعة لوجود الانتدابات الأجنبية في الدول العربية، بل أتحدث عن وجود مؤسسات للحكم تضمن استمرارية الدولة وتداول السلطة، بعيداً عن الانقلابات أو التوريث للعسكر الذي انتهى بالتوريث للأبناء، كما حدث في سورية مع تفصيل الدستور وتغييره خلال دقائق ليحل الابن محل أبيه. كاد هذا السيناريو يتكرر في جمهوريات عربية أخرى، لكن ثورات 2011 أحبطت هذا في مصر وليبيا واليمن، مع أن أحمد علي عبدالله صالح لم ييأس في اليمن. وحاول نوري المالكي بإسناد أدوار سياسية لابنه أحمد في العراق، لكن الريح لم تكن مواتية أبداً لتقبل هذا التوجه.

لا يبدو بأن حال العالم العربي اليوم يختلف كثيراً عن حالة في حقبة ما قبل استقلال الدول الوطنية الحديثة.

في بدايات القرن الماضي كانت إمارة المحمرة في الأحواز إمارة عربية شبه مستقلة، عرفت لاحقاً باسم "مملكة خزعل" آخر حكامها. كان قادتها يعزفون على التناقضات بين الإيرانيين والعثمانيين؛ لحماية استقلالهم وسيادتهم على أراضيهم. لاحقاً تحالف الشيخ خزعل مع البريطانيين ليقوموا بحمايته من أطماع الدولة القاجارية الفارسية، ظناً منه بأنه بالدخول تحت النفوذ البريطاني يحمي نفسه من الفرس. فكانت النهاية أن سلمته بريطانيا للشاه، وسلمت الأحواز العربية للإيرانيين.

تكرر هذا السيناريو مراراً في تلك الحقبة.

عمد قوميون عرب على دعوة الشريف حسين، شريف مكة، إلى الثورة ضد العثمانيين قبل بداية الحرب العالمية الأولى. بل قبل دعوات البريطانيين لثورة عربية على الحكم التركي. رفض الشريف حسين بشدة كل تلك الدعوات، لكنه وافق عليها لاحقاً. بعد خلافات مع حزب تركيا الفتاة الصاعد في الباب العالي، ووصول الأنباء إلى الشريف حسين بأنَّ عزله بات وشيكاً. ثم جاءت دعوات البريطانيين ووعودهم لشريف مكة بتوحيد العرب تحت رايته.

ثار شريف مكة ضد الحكم العثماني، لتنتهي الحال إلى تقاسم الفرنسيين والبريطانيين أراضي عربية في الشام والعراق بالاتفاقية المشهورة «سايكس-بيكو». وبدلاً من توحيد العرب تحت ملك الشريف حسين، وقعت أجزاء من العالم العربي تحت الاستعمار والانتداب الأجنبي.

لم يتعلم العرب من تلك التجارب، فقاموا بإعادتها في فلسطين، إذ اعتمدوا على البريطانيين والأمم المتحدة؛ لحل مسألة تدفق المهاجرين اليهود من أوروبا إلى الأراضي العربية، وتأسيس العصابات الصهيونية وتنكيلها بالبلاد والعباد قبيل تأسيس الكيان الصهيوني. يسرد ميشال شيحا في كتابه حول فلسطين اعتماد العرب على "الجهود الدولية" لحل مشكلة فلسطين، لينتهي الأمر بقرار تقسيم الأراضي العربية بين العرب والصهاينة. وتفاجأ العرب كعادتهم بأن بريطانيا ومنظمة الأمم المتحدة لم يقوموا بإنصافهم، بل ساندوا استقلال الدولة الصهيونية.

تلك المفاجآت لم تتوقف، وما زال العرب حتى اليوم يصدمون كل فترة بأن الآخرين لم ينصفوهم، ولم يعطوهم حقوقهم، بل يلغون في دمائهم، ويسلبونهم خيرات بلادهم.

يعزي بعض الكتاب تفكك العرب في تلك الفترة، إلى نظام الملل والنحل العثماني، والذي كان يعطي الطوائف الدينية ما يشبه الحكم المستقل. هذا النظام أسهم -بحسب باحثين في تحالف قادة الطوائف مع قوى مناوئة للحكم العثماني؛ في توسع استقلالهم وهيمنتهم في المناطق التي يقطنون بها، وما حولها، فتم تحالف كل مجموعة دينية، ولاسيما في الشام، مع قوى أوروبية.

ربما كان لهذا التحليل شيء من الوجاهة، ولاسيما في بلاد الشام. ونرى اليوم كيف يمكن للطائفية أن تصبح مدخلاً لتجذر الهيمنة الأجنبية في المنطقة، إذ تبحث كل طائفة عن نصير لها من الخارج؛ ليساندها في حربها على جارها، لينتهي الأمر بخضوعهم جميعاً لقوى أكبر منهم وأشرس.

لكن في هذه الرؤية نزعة تبريرة، تحاول أن تضع مشكلات العرب على مشجب الحكم العثماني. كما تضعها على عاتق الاستعمار الأجنبي في نزعة هروب أخرى، من مشكلاتهم مع ذواتهم.

لا يمكن بأي حال من الأحوال تبرئة الحكم التركي، والاستعمار والانتداب الأجنبي من المساهمة في إضعاف العرب في تلك الحقبة. لكن ما كان لهذه العوامل أن تؤثر في العرب وتمزقهم ولولا قابليتهم لهذا التشرذم والتمزق. لولا ضعفهم وجهلهم وعدم إدراكهم لمصالحهم. نرى هذا اليوم في تعامل السياسيين العرب مع أوطانهم، وكأنهم كائنات طفيلية عابرة تحاول سرقة أكبر قدر من الأموال، وقتل أكبر عدد من البشر، قبل لحظة الهروب الكبير. وكأنَّ هؤلاء السياسيين لا يعرفون أنفسهم إلا ككائنات طارئة على الأرض والتاريخ.

* بدر الراشد كاتب سعودي.

 

  كلمات مفتاحية

العرب العهد العثماني الاستعمار الأجنبي