الانتخابات النصفية.. ماذا تعني لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟

السبت 10 نوفمبر 2018 04:11 ص

يبدو أنه كان هناك ما يكفي من الاشمئزاز من "ترامب" والجمهوريين في الكونغرس لتحويل نحو 30 مقعدا في مجلس النواب إلى الديمقراطيين خلال انتخابات الأسبوع الماضي. وتخلق السيطرة الديمقراطية على مجلس النواب رقابة أكبر على أسوأ تجاوزات "ترامب"، على الأقل محليا.

وفي السياسة الخارجية، ستكون المكاسب أقل، وأكثر صعوبة في القياس. وسيحاول الديمقراطيون في مجلس النواب الضغط على "ترامب" لإصلاح العلاقات مع الحلفاء القدماء في أوروبا وكندا، وسوف يدفعون باتجاه موقف أكثر إثارة وجدية تجاه روسيا. وفي كل هذه الساحات، لديهم فرصة جيدة للنجاح، خاصة وأنهم قد يحصلون على دعم جمهوري ملحوظ حول تلك القضايا.

ولكن في الشرق الأوسط، فإن احتمالات حدوث "مكاسب ديمقراطية" تؤدي إلى تغيير جوهري في المسار تعد أقل تأكيدا. وفي بعض المناطق، هناك بعض الإمكانيات الحقيقية والهامة للتغيير. وفي حالات أخرى، هناك بعض الاحتمالات لتخفيف بعض سياسات "ترامب" الأكثر قسوة، لكن لا توجد فرصة على الإطلاق لإجراء تغيير جوهري.

اليمن

وفي اليمن، يمكن للديمقراطيين أن يقودوا نداء من أجل التغيير، ويمكنهم أن يحظوا بعض الدعم الجمهوري. وقد سلط التراجع الحاد في صورة الولايات المتحدة بسبب دعمها لولي العهد الأمير "محمد بن سلمان"، الضوء على الكارثة الإنسانية المدمرة في اليمن.

وفي وقت سابق من هذا العام، خسر مشروع قانون مدعوم من الحزبين لوقف تمويل الحرب السعودية على اليمن في مجلس الشيوخ، بأغلبية 55 صوتا مقابل 44، وهو ما لا يمثل رفضا كبيرا للفكرة؛ وقد يكون إنهاء الحرب في اليمن مقايضة أيضا للتغطية على فضيحة مقتل الصحفي "جمال خاشقجي". ولكن بعد التصريحات المفاجئة في هذا الاتجاه من كل من وزير الخارجية "مايك بومبيو" ووزير الدفاع "جيم ماتيس"، فإن الموعد المستهدف لبدء محادثات السلام قد تم تأجيله بالفعل من نهاية هذا الشهر إلى نهاية العام. وفي هذه الأثناء، سيستمر القتال، وسيكون مدمرا بشكل خاص حول ميناء "الحديدة"، وهو نقطة الدخول لكثير من الأغذية والأدوية وغيرها من المساعدات والسلع التجارية التي تلح الحاجة إليها في اليمن.

ويمكن للديمقراطيين تجديد الجهد لوقف تمويل وجهود المساعدة العسكرية للسعودية. لكن للأسف، بحلول الوقت الذي يصلون فيه إلى السلطة في يناير/كانون الثاني، قد يكون اليمن أسوأ بكثير مما هو عليه اليوم. ومع هذه الخلفية، فإن الدعوة إلى قطع الدعم اللوجيستي، وتعليق مبيعات الأسلحة للسعودية حتى انتهاء الحرب في اليمن، تمثل فرصة جيدة للغاية لمجلسي الكونغرس.

الناتو العربي

تعد هذه الفكرة الخطيرة جدا لـ"ترامب" مساحة أخرى قد يرغب الديمقراطيون في تحديها في السياسة الخارجية. وكان "ترامب" قد اقترح تحالفا سنيا ضد إيران تسلحه الولايات المتحدة، لكن ذلك سيقلل من الحاجة إلى انتشار عسكري أمريكي فعلي.

وفي أفضل الأحوال، يعد هذا الاقتراح وصفة لعدم الاستقرار بشكل مدمر. وكانت دول الخليج تشتري الأسلحة الأمريكية لعقود عديدة، لكن حتى وقت قريب، نادرا ما كانت تستخدمها. وأصبحت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أكثر عدوانية في الأعوام الأخيرة، ولم تنجح أسلحتهما المتفوقة، وتمويلهما الكبير، في تحقيق مكاسب ملموسة أو إيجاد شرق أوسط أكثر استقرارا وسلاما. والآن يريد "ترامب" رفع حجم هذا الدعم، وإحضار بقية دول الخليج بالإضافة إلى مصر لهذا التحالف. ومن الطبيعي أن تستجيب إيران بموقف دفاعي أكثر حزما. وهنا تتزايد احتمالات نشوب حرب إقليمية غير مسبوقة.

بخلاف ذلك، تواجه فكرة "الناتو العربي" العديد من العقبات. فقد أساء "ترامب" لنفسه عبر تشجيع "بن سلمان" لبدء "حرب باردة" ضد قطر. لكن تلك الدولة، وستواجه الدوحة، وكذلك عُمان، بعض الصعوبة في الانضمام إلى تحالف عسكري صريح ضد إيران. كما أن البحرين ستكون مهددة بالمزيد من التوترات الداخلية وقد يتم دفع العراق ليصبح أقرب إلى إيران من خلال هذا الاتحاد.

ولم يكن هناك الكثير من المناقشات العامة حول فكرة "ترامب"، على الرغم من تداعياتها الإقليمية. ولن يتراجع الديمقراطيون بشكل كبير عن مواجهة إيران، لكنهم يستطيعون بكل تأكيد مقاومة هذه الطريقة في التعامل معها. وقد يكون العثور على حلفاء جمهوريين حول هذه المسألة أصعب، ولكن ليس مستحيلا بالتأكيد، إذا ما قرر الديمقراطيون بدء مثل هذا النقاش.

عقوبات إيران

وكان الانتهاك أحادي الجانب من جانب "ترامب" للاتفاق النووي الإيراني، والانسحاب منه، قرارا غير شعبي. ومع ذلك، حتى مع وجود الديمقراطيين في البيت الأبيض، كان هناك قدر كبير من عدم الارتياح بين الديمقراطيين في الكونغرس حول نهج الرئيس "باراك أوباما" تجاه إيران. ولن يريد هؤلاء الديمقراطيون أن يظهروا لينين الآن مع إيران.

ومع ذلك، لم ينظر معظم الأمريكيين إلى معالجة إدارة "ترامب" لهذه القضية بشكل إيجابي. ولا يمكن دفع "ترامب" إلى إعادة الدخول في الاتفاق، لكن الديمقراطيين قد يصدروا ضجيجا كافيا حول طريقة تعامله الخرقاء مع القضية، لإبطاء مسيرة الإدارة إلى الحرب مع الجمهورية الإسلامية.

ومن المرجح أن يكون لدى الديمقراطيين حلفاء إذا استطاعوا حشد الإرادة السياسية للتعامل مع القضية. وفي الوقت الذي يتحدث فيه "ترامب"، ومستشار الأمن القومي "جون بولتون"، و"بومبيو"، وغيرهم من المؤيدين لهذا النهج عن الضرر الذي يلحقونه بالاقتصاد الإيراني ويبكون بدموع التماسيح على الشعب الإيراني، يعاني الإيرانيون الأبرياء من العقوبات، ويكتسب المتشددون الإيرانيون القوة. ويمكن للديموقراطيين أن يوبخوا "ترامب" بشدة على غباء هذا القرار.

عملية السلام المتعثرة

قد يرى البعض نتائج الانتخابات انتكاسة كبرى لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" لكن هذا يعد تقييما خاطئا بشكل كبير. نعم، جعل "نتنياهو" (إسرائيل) قضية جمهورية، وأظهر ازدراء هائلا للأمريكيين الليبراليين، اليهود وغير اليهود، الذين دعموا (إسرائيل) لعقود، والذين يسعون لوضع نهاية لاحتلالها المروع واستيطانها لأراضي الشعب الفلسطيني.

لكن الحزب الديمقراطي ليس لديه نقص في المناصرين المتشددين الموالين لـ(إسرائيل)، وبعضهم سيكون في مناصب رئيسية في المستقبل. ومن المحتمل أن يرأس "إليوت إنجل" و"نيتا لوي"، وهما ديمقراطيان من نيويورك لا يضاهيهما الكثير من الجمهوريين في دعمهما الشامل للسياسات الإسرائيلية، لجنتي الشؤون الخارجية والاعتمادات على التوالي. ولا شك في أنهما سيحثان "ترامب" على عدم اتخاذ خطوات "من شأنها الإضرار بعملية السلام"، متجاهلين أن مثل هذه العملية كانت مجرد خدعة منذ أعوام. لكنهما لن يضغطا من أجل تغييرات كبيرة في السياسة الأمريكية أو الإسرائيلية.

لكن الصورة ليست قاتمة تماما. فحتى الديمقراطيين المتشددين سيدفعون بقوة من أجل تجنب بعض الكوارث الإنسانية مثل قطع المساعدات عن الأونروا، وكالة الأمم المتحدة التي تخدم اللاجئين الفلسطينيين. وهذا أمر سهل الحدوث، حيث إن استعادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين يحظى بتأييد كبير في الحكومة الإسرائيلية، بل وأكثر من ذلك في الجيش الإسرائيلي والاستخبارات.

لكن القيادة الديمقراطية ستواصل التقارب مع "نتنياهو" الذي ربما تقنعه الانتخابات النصفية بأنه من غير الحكمة وضع كل بيضه في سلة الجمهوريين. ومن المحتمل أن يرمي للديموقراطيين بمغازلات قليلة، ربما في شكل حديث أكثر عن حل الدولتين، مع حقوق للفلسطينيين لا ترقى للموافقة على دولة لهم، أو بعض الإيماءات الأخرى التي نادرا ما يشعر بأنه مضطر لمنحها بموجب وجود "ترامب" والسيطرة الكاملة للجمهوريين في الكونغرس.

الموجة الديموقراطية التقدمية

ومن السابق لأوانه التطلع إلى أعضاء الكونغرس الشباب والتقدميين الجدد من أجل التغيير. وإذا حاول القادمون الجدد من أمثال "ألكسندريا أوكاسيو" و"إلهان عمر" و"رشيدة طليب" و"أيانا بريسلي" أن يقاتلوا في معارك شاقة على السياسة الخارجية، فسوف يتم عزلهم من قبل مؤيدي (إسرائيل). وستكون المهمة الأكثر أهمية لمؤيدي الحقوق الفلسطينية في الكونغرس هي بناء الدعم الشعبي الهام بالفعل في الحزب لمثل هذه المواقف.

وبدلا من التركيز على مشاريع القوانين أو المبادرات التي لا يمكن أن تنجح في مجلس النواب، يجب العمل من أجل تعديل الخطاب الحزبي الداخلي وزيادة الانتقادات الاستراتيجية للأفعال الإسرائيلية، وهما سيؤدي إلى فتح المجال أمام التقدميين، الذين بقوا بعيدا عن هذه القضية لفترة طويلة. وإلى أن تتوحد القاعدة الشعبية للحزب الديمقراطي حول الحقوق الفلسطينية، وحول جعل الحقوق المتساوية أساس حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، سوف يستمر تهميش التقدميين الذين يدافعون عن هذه الحقوق.

لكن هؤلاء التقدميين لديهم حليف مفاجئ وهو "نتنياهو" نفسه. وبما أن الإجراءات والسياسات الإسرائيلية تجعل من الصعب على الليبراليين أن يغضوا النظر، فإن الأخلاقيين والتقدميين سيكسبون المزيد والمزيد من الجاذبية. لكن يجب أن يكونوا قادرين على الدفاع عن مقاعدهم ضد جهود إلحاق الهزيمة بهم، خاصة في الانتخابات التمهيدية. ويمكن للتقدميين الجدد المحافظة على هذه المقاعد آمنة، وأن يدفعوا باتجاه تغيير الموقف الديمقراطي في هذا الأمر والعديد من القضايا التقدمية الأخرى، الخارجية والداخلية منها، عبر التركيز على إعادة بناء الجناح التقدمي للحزب إلى النقطة التي يمكنه الدفاع عن نفسه حال اتخاذ أي موقف جدي.

  كلمات مفتاحية

إلهان عمر الحزب الديمقراطي