جورج فريدمان: واقع (إسرائيل) الاستراتيجي بين غزة وإيران وحزب الله

الخميس 15 نوفمبر 2018 09:11 ص

تشارك (إسرائيل) وغزة في معركة متصاعدة بدأت بالكشف عن جنود إسرائيليين متخفيين عند نقطة تفتيش في غزة خلال عطلة نهاية الأسبوع. ويعد التدقيق الإسرائيلي هناك جزء من عملية مستمرة للحد من قدرة حماس على شن الحرب. ويبدو أن هذه المحاولة فشلت؛ نظرا لأن عدة مئات من الصواريخ تم إطلاقها على (إسرائيل). لكن الوضع الاستراتيجي ينبئ بأبعد من هذا التبادل.

الانقسامات الفلسطينية

بالنسبة للفلسطينيين، كان أحد أهم تحدياتهم هو الانقسام العميق بين الجماعات الفلسطينية. وتخضع الضفة الغربية لسيطرة السلطة الفلسطينية، التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. ومنظمة التحرير الفلسطينية هي منظمة مظلة لمختلف الفصائل الفلسطينية التي انحدرت من الحركات العربية العلمانية التي ظهرت في الخمسينات والستينات. أما غزة، من ناحية أخرى، فتسيطر عليها حماس، وهي حركة مختلفة في مجتمع الحركات الفلسطينية أخذت موقفها بناء على صعود الإسلاميين. ومن الناحية الأيديولوجية، تتباعد حماس والسلطة الفلسطينية بعمق. ومن الناحية الاستراتيجية، لديهما اهتمامات مختلفة في غزة. وكان لدى السلطة الفلسطينية بعض الإمكانية لإنشاء كيان قابل للحياة هناك، واتخاذ ترتيبات رسمية وغير رسمية مع الإسرائيليين لتحقيق هذه الغاية. لكن في نهاية المطاف، لم تكن غزة قابلة لذلك. ونظرا لحجمها وسكانها، فإنها تعيش على الدعم الخارجي. وأي تسوية مع (إسرائيل) ستترك غزة غير قابلة للإدارة بشكل دائم. لكن المصالح المتباينة للسلطة الفلسطينية وحماس أفادت الإسرائيليين. وكان الانقسام الداخلي سمة من سمات الحركة الفلسطينية منذ البداية، لكن هذا الانقسام الأيديولوجي والجغرافي الحاد جعل من الأسهل على الإسرائيليين إدارة الوضع.

ولقد تم احتواء (حصار) غزة، ليس فقط من قبل الإسرائيليين، ولكن أيضا من قبل المصريين الذين رأوا في صلات حماس مع الإخوان المسلمين تهديدا لمصالحهم. والسعوديون، من ناحية أخرى، رأوا فرصة في الوضع. وتعتبر المملكة نفسها مركزا للإسلام السني، وبالتالي فهي مسؤولة عن الحركات الفلسطينية ذات التوجه الديني، وتقدم لها الدعم العسكري.

وكان هناك عامل آخر، وهو إيران، التي عرضت أيضا الدعم على حماس. وكان أساس النفوذ الإيراني في المشرق هو "حزب الله"، وهو حركة سياسية وعسكرية شيعية واجهت الإسرائيليين أثناء غزو (إسرائيل) للبنان. وكان هناك توتر بين إيران الشيعية والجماعات السنية الفلسطينية، لكن حماس كانت بحاجة إلى مساعدات عسكرية، وكان "حزب الله" والإيرانيون مستعدين وراغبين في توفيره. ولقد قدموا الصواريخ التي أطلقتها حماس على (إسرائيل)، والتكنولوجيا التي احتاجتها حماس لبناء صواريخ خاصة بها. وهكذا تم الضغط على (إسرائيل) عسكريا في اتجاهين؛ إلى الشمال في لبنان وإلى الجنوب في غزة. ولم يشكل أي منهما تهديدا وجوديا لـ(إسرائيل)، لكنهما كانا قوة كبيرة تشتت الانتباه الإسرائيلي في اتجاهات متعددة.

التوسع الإيراني

وبعد انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، أدى انتشار النفوذ الإيراني إلى خلق ديناميكية استراتيجية جديدة. وكانت لدى كل من السعودية و(إسرائيل) مصلحة مشتركة في احتواء إيران، وكانت علاقة إيران مع حماس ظاهرة. وبدا أن السعوديين يؤيدون جهود (إسرائيل) لضرب حماس. وبصفتها المورد الرئيسي للمساعدات غير العسكرية، كان لدى السعوديين تأثير هائل على حماس، وفي الأسابيع الأخيرة، أشارت الحركة إلى أنها كانت مهتمة ببعض التسوية مع (إسرائيل)، وقبول السلطة الفلسطينية بصفتها الممثل الرئيسي للفلسطينيين.

وكان التحول في موقف حماس يزعج الإيرانيين. ولم تكن غزة ذات قيمة كبيرة لها، لكن قدرتها على تحويل تركيز (إسرائيل)، وتحويل الدعم اللوجستي، ستكون عاملا مهما في أي نزاع محتمل مع (إسرائيل). وأتوقع الآن أن الضغوط السعودية لاستيعاب (إسرائيل) ربما تكون قد أدت إلى ضغوط إيرانية مضادة، وكانت التحقيقات الإسرائيلية المتزايدة داخل غزة مرتبطة بطريقة ما بهذا الأمر. وسوف تتعطل غزة بشكل دائم إذا قبلت الوضع القادم من السعودية، وبالتالي، واصلت العمل مع إيران، بشكل سري قدر الإمكان.

وبالنسبة لـ(إسرائيل)؛ فالمشكلة الاستراتيجية الحقيقية هي أن القدس وتل أبيب وحيفا هي قلب البلاد وحيث يتركز معظم سكانها. وإذا تعرضوا لهجوم صاروخي وصواريخ هائلة، فمن المحتمل أن تكون الخسائر غير مقبولة. لذلك يجب على (إسرائيل) أن تستبق أي هجوم محتمل من إيران. وقد عملت ضغوط الولايات المتحدة الاقتصادية على طهران على إضعاف النظام، لكن ذلك لم يغير المشكلة الاستراتيجية التي تواجهها (إسرائيل).

ولا تعد غزة هي المشكلة الحقيقية. فالمشكلة الحقيقية هي التهديد المحيط من الشمال والشرق والجنوب. وليس لدى الجيش الإسرائيلي أي طريقة لتدمير كل الصواريخ التي يمكن إطلاقها من هذه المواقع. لذلك، فإن أي هجوم إسرائيلي سوف يستغرق فترة زمنية طويلة، وقد يتطلب قوات برية. وبمجرد أن يبدأ الإسرائيليون هذه العملية، سيكون الإيرانيون قادرين على إطلاق عدد كبير من الصواريخ نحو المراكز السكانية الرئيسية. وبالتالي يتعين على (إسرائيل) القتال في محيطها بأكمله في وقت واحد. ومن غير المرجح أن تستخدم (إسرائيل) الأسلحة النووية، بالنظر إلى وجود احتمال حدوث تداعيات نووية تصل إلى (إسرائيل) نفسها لقرب المناطق المستهدفة من الحدود الإسرائيلية. ويجب أن يكون الهجوم الإسرائيلي تقليديا وسريع الفعالية. وهي مهمة صعبة، على أقل تقدير.

كما يجب أن تكون وقائية. وإذا بدأت إيران الحرب، فإن (إسرائيل) ستكون في أسوأ وضع ممكن. ولا يمكن أن نفترض أن إيران لن تتحرك، ولا يمكن أن تفترض أن الضربة الوقائية ستنجح.

المصالح الروسية

ويبدو الأمر في طريقه لتوريط الروس. وإذا قاموا بمنع الطائرات الإسرائيلية من مهاجمة سوريا، فإن (إسرائيل) لديها خيار التراجع أو الهجوم على المنشآت الروسية، مما يجعل الوضع أكثر صعوبة. وما تحتاجه (إسرائيل) هو أن يجبر الروس إيران على سحب صواريخها من سوريا. وتعد غزة قابلة للإدارة، ومع إزالة المشكلة السورية، لن تواجه (إسرائيل) سوى تهديد واحد متبقي، "حزب الله" في لبنان. وفي الواقع، من دون مشاركة غزة وسوريا، قد لا يكون "حزب الله" مستعدا لبدء القتال.

ولا يريد الروس رؤية (إسرائيل) تتعرض للهجوم، ولا يريدون مواجهة هجوم إسرائيلي أيضا. وستكون روسيا في وضع غير مواتٍ، ولديها رغبة ضئيلة في نشر مزيد من القوات في المنطقة. وفي حين أنه لا يوجد حب لإيران، إلا أنها لا تريد إجبار السوريين على الاختيار بين روسيا وإيران. والجيش السوري أكبر بكثير من القوة الروسية، والتدريب العالي والأسلحة لا يعوضان دائما الأعداد. ويزداد تواجد روسيا في سوريا تعقيدا يوما بعد يوم، لكنها لا تستطيع الانسحاب دون التخلي عن الشيء الذي سعت إليه في سوريا في المقام الأول، المصداقية واكتساب الثقة الإقليمية. وقد تعمل بهدوء ضد الصواريخ الإيرانية، ولكن لا يمكنها ضمان سحبها.

ولهذا السبب، تخلت الولايات المتحدة عن الاتفاقية النووية مع الإيرانيين، وطالبتهم بوقف بناء الصواريخ. ومن المرجح أن تحول الصواريخ بعيدة المدى في إيران مشكلة (إسرائيل) إلى أزمة غير قابلة للحل مع غياب عمل سريع وفعال. ولا تريد الولايات المتحدة ذلك في وقت تتقلب فيه الأوضاع في جميع أنحاء المنطقة.

الأقل خطورة

ويعد القتال الحالي في غزة جزءا من أعوام الصراع المتقطع، ولكن هناك المزيد. وقد هدد انتشار القوة الإيرانية العرب السنة في المنطقة، لا سيما السعوديين. وقد وصل الآن إلى حد إجبار (إسرائيل) على النظر في إجراء استباقي، وتعتبر غزة هي أقل القوى خطورة التي يجب أن تتعامل معها (تل أبيب). ومن الواضح أن الإسرائيليين لم يأخذوا عروض حماس للتوصل إلى اتفاق على محمل الجد، ربما بسبب قدرات إنتاج الصواريخ.

ولقد حذر الإسرائيليون اللبنانيين من صواريخ "حزب الله". وأصروا على أن يسمح الروس بمواصلة الضربات الجوية ضد المواقع الإيرانية في سوريا دون سابق إنذار. وهم يطلقون الغارات الجوية على غزة. وترتبط كل هذه الأحداث بطريقة ما بالنمو الهائل في القوة الإيرانية. وعلى الرغم من ذلك، يواجه الإيرانيون ضغوطا اقتصادية شديدة، وقد يرون المواجهة مع (إسرائيل) كنوع من قضايا الأمن القومي التي قد تعزز الوطنية وتنسي المواطنين مصاعبهم الاقتصادية.

وفي هذه الأثناء، تجري محادثات مكثفة بلا شك. ويستخدم الأمريكيون سلاحهم المفضل الجديد؛ الحرب الاقتصادية ضد إيران ليتجنبوا التدخل العسكري. ويشعر الروس بالمجد القديم للإمبراطورية التي كانت تهيمن في الشرق الأوسط. ويفكر الإسرائيليون في حرب كاملة. ويعود الأمر إلى مدى رغبة الإيرانيين في الاحتفاظ بموقفهم الحالي، ومدى استعدادهم للتراجع. وقد تكون إمكانية الهزيمة كافية لإجبارهم على تأجيل المواجهة ليوم آخر.

المصدر | جورج فريدمان - جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

إسرائيل حماس حزب الله إيران

كيف كشفت سياسة حزب الله في حرب غزة استراتجية الصبر الإيراني؟