بن سلمان والعنيدة قطر.. كيف غير اغتيال خاشقجي ديناميكية المنطقة؟

الاثنين 19 نوفمبر 2018 07:11 ص

إنها مسافة قصيرة بالسيارة فى الشوارع الواسعة للعاصمة القطرية، التي تفصل بين المقر العالمي مترامي الأطراف لشبكة "الجزيرة" التليفزيونية، والبوابات المزينة بزخرفة عالية للسفارة الإيرانية.

ولو أن الأمور تسير وفق خطة ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" لكانت مكاتب "الجزيرة" المزدحمة مهجورة الآن، ولتوقفت قنواتها التلفزيونية بعد 22 عاما من البث، ساعدت خلالها فى إعادة تشكيل الشرق الأوسط، ولأغلقت السفارة الإيرانية أيضا، ولتم طرد الدبلوماسيين من داخلها، والأهم من ذلك أن قطر كانت ستلتزم بتنفيذ ما أرادته جارتها السعودية.

وبعد قرابة عام ونصف من مقاطعة قادتها السعودية، وكان من المفترض أن تجعل الدوحة وسياستها الخارجية تتماشي مع الرياض، لم تتزحزح قطر، ولم تصعد غضبها ضد جارتها الكبرى، بالرغم من تصاعد الضغوط على السعودية والأمير "محمد بن سلمان" لتغيير مساره بعد مقتل "جمال خاشقجي".

إنه الجزء الأخير من العناد المتعدد فى هذه المنطقة المضطربة، فالغضب الدولي الناتج عن قتل "خاشقجي" (أحد منتقدي ولي العهد، والذي قتل ومزقت جثته داخل القنصلية السعودية بإسطنبول الشهر الماضي) كان من الممكن أن يمثل هزيمة حاسمة لحاكم بلاده الفعلي (بن سلمان - 33 عاما)، لكن لم يكن هناك أي اعتذار من قبل الرياض.

مؤشرات مفقودة

وكانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) قد خلصت هذا الاسبوع إلى أن "بن سلمان" هو الذي أصدر الأمر بقتل "خاشقجي"، وحتى قبل ذلك، كانت إدارة الرئيس "دونالد ترامب" تضغط على الرياض كي تنهي الحصار المفروض على قطر، كما دعا وزير الخارجية "مايك بومبيو" ووزيرالدفاع "جيمس ماتيس" بشكل علني إلى وقف القتال فى اليمن حيث تقود السعودية الهجوم من أجل إعادة حكومة الرئيس "عبدربه منصور هادي"، ما تسبب في أزمة إنسانية متصاعدة.

ولا يبدو أنه توجد أي مؤشرات على انتهاء المقاطعة التي تقودها السعودية في أي وقت قريب، حسب ما قالته حكومة قطر الغنية، التي نجت من الحصار عن طريق فتح طرق تجارية أخرى أكثر كلفة ودعم تكاليف الواردات لتقليل التأثير على المواطنين.  

وبينما قالت القوات التي تقودها السعودية يوم الخميس، إنها أوقفت هجومها على ميناء الحديدة الاستراتيجي اليمني، نفت وسائل إعلام يمنية تابعة للحوثيين المدعومين من إيران، توقف القتال.

كما أن الرياض قدمت القليل من التنازل في قضية "خاشقجي"، وفي الوقت الذي قال فيه المدعي العام في المملكة، يوم الخميس، إنه سيسعى إلى فرض عقوبة الإعدام على 5 سعوديين، يزعم أنهم متورطون في القتل، أثار الدهشة في الخارج بإصراره على أن ولي العهد "ليس لديه أي علم" بالعملية، التي شهدت إرسال 15 رجلا إلى إسطنبول في انتظار "خاشقجي"، بمن فيهم أعضاء بطانة الأمن ​​الشخصي للأمير "محمد بن سلمان".

علاقة حادة

 ثمة حدة نادرة في العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية حاليا، لكنها متزايدة، فقد قامت وزارة الخزانة الأمريكية، الخميس، بفرض عقوبات ضد 17 مسؤولا سعوديا على خلفية تورطهم المزعوم في جريمة قتل "خاشقجي"، وهي سياسة قالت وزيرة الخارجية الكندية "كريستينا فريلاند" إن بلادها تفكر في اتباعها أيضا.

في غضون ذلك، أشارت تقارير، الأسبوع الماضي، إلى أن الرياض تستعد لخفض إنتاج النفط، وهي خطوة من شأنها أن تظهر النفوذ الاقتصادي للسعودية من خلال رفع أسعار الإمدادات في الغرب.

بعبارة أخرى، الأمير "محمد بن سلمان" يتخندق للصراع، ولا يعتقد أنه سيتراجع الآن، بل يحاول أن يكون جريئا أمام الضغوط، حسبما يرى "عبدالله باعبود"، وهو أكاديمي عماني كان صديقا شخصيا لـ"خاشقجي".

وأضاف: "إذا أراد بن سلمان تقديم أي تنازلات، فلن يفعل ذلك تحت الضغط، بل في وقته الخاص".

صعود الوريث

لقد أحدث الأمير "محمد" تحولا في هذه المنطقة خلال فترة حكمه القصيرة باعتباره الحاكم الفعلي لبلده، فبعد فترة وجيزة من تعيينه وريثا للعرش في عام 2017، تبنى موجات من تحدي بعض المعايير شديدة المحافظة في بلاده، خاصة عبر السماح للنساء بقيادة السيارات والسماح بدخول دور السينما بعد حظر دام 35 عامًا، وقد ولدت مثل هذه التحركات تفاؤلا بالداخل السعودي، حيث إن ما يقرب من 60% من السكان دون سن الثلاثين.

وتلقى ولي العهد الإشادة في الخارج أيضا، خاصة بالولايات المتحدة، حيث أقام علاقة وثيقة مع "جاريد كوشنر"، صهر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، وتم الترحيب به في البيت الأبيض خلال جولة استغرقت 3 أسابيع في وقت سابق من هذا العام، وأطلق عليه اسم (MBS) من قبل مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، التي رحبت بمعارضته لإيران، فضلاً عن استعداده لإقامة علاقة جديدة مع (إسرائيل).

لكن باقي سجل سياسة "بن سلمان" الخارجية ظل أقل جاذبية، فبصفته وزيراً للدفاع (وهو منصب لا يزال محتفظا به) قام بتجميع الائتلاف السني الذي تدخَّل باليمن في مارس/آذار 2015، بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، ومنذ ذلك الحين توفي أكثر من 10 آلاف شخص جراء القتال، وحذرت الأمم المتحدة من أن حصار الحديدة (الميناء الذي تمر به 80% من إمدادات الغذاء والدواء في اليمن) يمكن أن يؤدي إلى مجاعة كاملة في البلد الفقير.

في يونيو/حزيران 2017، وهو ذات الشهر الذي عين فيه الملك "سلمان" الأمير "محمد" وريثا للعرش، بدأت المملكة العربية السعودية حصار قطر وانضمت إليها حليفاتها: الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، حيث قطعت كل العلاقات التجارية والدبلوماسية مع الدوحة، وأغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات المتجهة إلى قطر.

وكان إغلاق قناة "الجزيرة" وقطع العلاقات مع إيران، اثنان من 13 مطلبا وضعها السعودية لأمير قطر "تميم بن حمد آل ثاني" لإنهاء الحصار.

ويقول المحللون إن التحركات ضد اليمن وقطر، بالإضافة إلى اغتيال "خاشقجي" وقمع الناشطين السياسيين السعوديين، ترتبط برغبة "بن سلمان" في سحق كل معارضة، ليس فقط داخل المملكة، ولكن حول المنطقة.

استهداف الربيع

وقد استُهدفت قطر على وجه الخصوص لأنها استخدمت أموالها، وكذلك تأثير قناة "الجزيرة"، لدعم ثورات الربيع العربي في عام 2011، التي أطاحت بالعديد من الحكومات السلطوية وأزعجت العائلات المالكة في الرياض والإمارات العربية المتحدة.

"إننا نتحدث عن أنظمة لا تستطيع تحمل أي تعدد في الآراء سواء محليا أو إقليميا"، كما قالت المتحدثة باسم وزارة الشؤون الخارجية في قطر "لولوة الخاطر"، في مقابلة صحفية، مشيرة إلى التشاحن الذي اندلع بين كندا والرياض، حيث طردت السعودية لسفير كندا وجمدت كل تجارة جديدة معها بعد أن أبدت السيدة "فريلاند" قلقها بشأن سجن ناشطة في مجال حقوق المرأة.

وبينما كان الاهتمام الدولي يتركز على الأمير "بن سلمان"، شاركت مغامرات قطر واليمن في رعاية الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان"، ولي عهد أبوظبي، ومهندس السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة.

يشترك "بن زايد" والأمير السعودي في كره شديد للإسلام السياسي، وخاصة جماعة "الإخوان المسلمون"، وهي حركة إقليمية تتهم قناة "الجزيرة" بدعمها.

جبهة سنية

وتمثلت إحدى الجوانب الأخرى للخطة السعودية الإماراتية في بناء جبهة عربية سنية موحدة، تكون جاهزة بحليف جديد هو (إسرائيل) وآخر قديم هو الولايات المتحدة؛ لمواجهة إيران وحلفائها الشيعة في الشرق الأوسط، وهي الخطة التي تبدو منتهية الآن.

"لقد فقد الإسرائيليون أوهامهم حول بن سلمان" وفقا لما قاله الخبير في شؤون الشرق الأوسط بكلية راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة "جيمس دورسي"، مضيفا: "لقد فقدوا الأمل بقدرة السعوديين على تشكيل تحالف قوي وقيادته".

وتابع أن المخاوف بشأن ولي العهد السعودي كانت تتصاعد في (إسرائيل) والولايات المتحدة حتى قبل مقتل "خاشقجي"، وتأكدت عبر الاغتيال ومعالجة الرياض لتداعيته.

وقد كانت لمقاطعة قطر نتائج عكسية، إذ دفعت الدوحة لإقامة علاقات أوثق مع تركيا وإيران، في وقت ترك فيه الرياض جيرانها يتساءلون عن ما إذا كان ما جرى لقطر يمكن أن يحدث لهم.

وفي السياق، لطخت الفظائع في اليمن صورة السعودية و"بن سلمان" الدولية، خاصة تلك الضربة الجوية التي ضربت حافلة مدرسية في أغسطس، ما أسفر عن مقتل 29 طفلا على الأقل.

 لقد غير مقتل "خاشقجي" ديناميكية المنطقة واهتزت الكتلة السنية العربية بأكملها، كما قال رئيس مركز الدراسات الخليجية في جامعة قطر "محجوب الزويري"، مشيرا إلى أن طموح "بن سلمان" للمنطقة لم يتم إحباطه فحسب، بل أيضاً خطة "ترامب" لاستخدام نفوذ السعودية الاقتصادي للمساعدة في التوصل إلى اتفاق سلام بين (إسرائيل) والفلسطينيين.

  كلمات مفتاحية

محمد بن سلمان السعودية قطر الجزيرة إيران الرياض جمال خاشقجي مايك بومبيو الحديدة اليمن الحوثيين محمد بن زايد الإمارات

ن. تايمز: بن سلمان بات عاريا وواشنطن قد تطالب باستبداله