و.بوست: دفاع ترامب عن قتلة خاشقجي يلطخ سمعة أمريكا للأبد

الأربعاء 21 نوفمبر 2018 09:11 ص

ذهبتُ إلى المطعم البلجيكي "براسيري بَك" عصر الجمعة الماضي، على بعد بضع شوارع من صحيفة الـ”واشنطن بوست”. كان المكان الذي تناولتُ فيه الغداء الأخير مع صديقي الكاتب المساهم في الصحيفة "جمال خاشقجي"، لم أستطع كبح دموعي.

في ذلك المساء، أفادت صحيفة الـ” واشنطن بوست” أنّ وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي أيه” خلصت بـ”ثقة عالية” إلى أنّ مقتل "خاشقجي" في 2 أكتوبر/تشرين الأول على يد عملاء سعوديين في قنصلية المملكة في تركيا كان قد أمر به ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، الحاكم الفعلي للبلاد البالغ من العمر 33 عامًا.

ثمة أدلة متراكمة تشير إلى ضلوع ولي العهد في الأمر. فقد قال مسؤولو الاستخبارات الأمريكية إنّ "بن سلمان" خطط لاستدراج "خاشقجي" من منزله في ولاية فرجينيا إلى السعودية من أجل اعتقاله.

وقد تورط مستشارون مقربون من ولي العهد في جريمة القتل، من بينهم المستشار ذو السمعة السيئة "سعود القحطاني".

وقال محللون ومسؤولون من جميع أنحاء العالم إنّ عملية واسعة كهذه لم تكن لتحدث دون علم ولي العهد. كما قال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية إنه "من الواضح تمامًا" أنّ "بن سلمان" أمر بقتل "خاشقجي".

على الرغم من كل هذا، فقد كرر الرئيس "دونالد ترامب" قوله إن "بن سلمان" نفى ضلوعه في جريمة القتل. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، وصف "ترامب" تقرير "سي آي أيه" بأنّه "سابق لأوانه".

ويرفض "ترامب" الاستماع شخصيًا إلى التسجيل الصوتي لمقتل "خاشقجي"، لكنه يعترف بقسوة محتوى التسجيل.

وقد أصدر البيت الأبيض، الثلاثاء، بيانًا صبيانيًا أخرقًا تشوبه الأكاذيب كرر فيه "ترامب" الكذبة السعودية التي تزعم أنّ "خاشقجي" كان "عدوًا للدولة"، وقال إنّ "الولايات المتحدة ستقف صامدة مع السعودية"، على الرغم من أن نظامها قد استدرج كاتبًا مسالمًا كان يعمل مع الـ"واشنطن بوست" ويسكن في فرجينيا قبل أن يقتله ويبتر أعضاءه.

الواقع هو أنّ "ترامب" يبذل قصارى جهده لمساعدة النظام السعودي على الإفلات من جريمة قتل شخص مقيم في الولايات المتحدة كان أحد أبرز الكتاب في العالم العربي.

وفي حال استمرار الإدارة الأمريكية في هذا المسار، فإنّها ستدمر القليل الذي تبقى من مصداقية أمريكا الأخلاقية في مجالَي حقوق الإنسان وحرية التعبير.

إن "ترامب" يعرّض الباحثين عن الحقيقة والصحفيين الذين يجرؤون على تحدي النظام السعودي وغيره من الحكومات غير المتسامحة لخطر شديد بغض النظر عن المكان الذي يقطنونه.

إنّ رفض "ترامب" التصرف يعطي الضوء الأخضر الرمزي للشاب المتعطش للقوة "محمد بن سلمان" كي يتمكن من مواصلة مآربه المتهورة في السعودية والعالم العربي ربما للسنوات الأربعين أو الخمسين المقبلة من دون مواجهة أي عواقب.

فضيحة أخلاقية

يقول كبير الباحثين في مركز التفاهم الإسلامي-المسيحي بجامعة جورجتاون "عبد الله العودة": "إن سمحنا لقاتل بالإفلات لأننا نعتقد أنّه يمكننا عقد بعض الصفقات معه، فإنّنا نعزز فكرة أن المال يمكنه إسكات الجميع".

وأضاف: "وهذه هي الرسالة الخطيرة التي خلقت صدام حسين ومعمر القذافي. يمكننا تحسين حماية العلاقة الجيدة مع السعودية على المدى الطويل من خلال بناء علاقة مع الشعب السعودي والمؤسسات وحتى غالبية العائلة المالكة. أو يمكننا أن نخاطر بفقدان كل ذلك من خلال حماية فرد واحد قوي ثَبُتَ تورطه في جريمة فظيعة".

لقد سارع النظام السعودي إلى تقديم رواية متحيزة عن مقتل "خاشقجي"، وغيَّر روايته عدة مرات. لقد قوَّض النظام السعودي نفسه وأثبت للعالم أنه يفضِّل الاختباء خلف الأكاذيب بدلًا من تصحيح أخطائه واختيار طريق أكثر تسامحًا وسلمية.

وقد جادلت أصوات موالية للنظام السعودي، بما فيها نجل الرئيس "إريك ترامب"، أنّ وفاة صحفي واحد لا يجب أن تدمر العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية. لكن الأصوات تفشل في تأطير القضية بشكل صحيح.

ستستمر العلاقة الأمريكية - السعودية على أساس كون الأخيرة دولة مُصَدِّرة للنفط. لكن ما يجب إنهاؤه هو إطراء الولايات المتحدة الصريح على ولي العهد وتأييدها له.

وعلى الرغم من شناعة موت "خاشقجي" وما تكبده من الألم لزملائه وعائلته وأصدقائه، فإنّ ذلك مجرد آخر دلالة مزعجة على استهتار "بن سلمان" السياسي.

في العامين الماضيين، تحت وطأة صعود ولي العهد إلى السلطة، اعتُقِل عشرات من الإصلاحيين السلميين وناشطي حقوق الإنسان (بمن فيهم النساء المسنّات).

وتعرض الكثيرون للتعذيب وأفادت منظمة العفو الدولية أنّ الناشطات السجينات تعرضن للتحرش الجنسي، كما حاولت المملكة حصار قطر واختطفت رئيس الوزراء اللبناني وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع كندا بسبب محض تغريدات.

حجج متهاوية

الحجة الساخرة المظلمة التي تقول إنّ الولايات المتحدة يجب أن تسمح لـ"بن سلمان" بالتهرب من جريمة القتل فقط حتى تتمكن من الاستمرار في بيع المعدات العسكرية إلى السعودية هي حجة جبانة أخلاقيًا بقدر ما هي سياسة حمقاء.

نظّم التحالف الذي تقوده السعودية إلى جانب الإمارات العربية المتحدة حرباً كارثية في اليمن تسببت في أسوأ أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية.

وتُعتبَر هذه الحرب فشلًا عسكريًا جمًا، فبالرغم من التدريب الأمريكي للقوات السعودية واستخدامها للأسلحة الأمريكية، فلم تحرز القوات السعودية أي تقدم ملموس ضد المتمردين "الحوثيين" المدعومين من قبل إيران.

فلم يكن الهدف الأكثر جدارة بالأخبار الذي تمكن السعوديون من ضربه في الأشهر الأخيرة بالأسلحة الأمريكية معقلًا للحوثيين أو ما شابهه، بل كان ذلك الهدف حافلة مدرسية مليئة بالأطفال اليمنيين.

ثمة من يجادل أنّ على "بن سلمان" أنّ يظل وليًا للعهد من أجل “الاستقرار”. لكننا رأينا هذا المشهد من قبل. من "موبوتو سيسي سيكو" في الكونغو إلى "أوغستو بينوشيه" في تشيلي، فقد أرهب الدكتاتوريون المدعومون من النُخَب في العواصم الغربية مواطنيهم وزعزعوا استقرار مناطقهم.

تحثّ ذات الحكومات شعوب هذه الدول على الابتسام وتحمّل قمعها لأن البديل يُفترَض أنّه أسوأ. بالنسبة للسعودية، لقد تجرأ "خاشقجي" على الإعلان في كتاباته أنّ مواطني السعودية يستحقون أفضل من قمع "بن سلمان". لقد قُتل بسبب كتاباته لأنه كان على حق.

من فشل "ترامب" في إدانة العنف العنصري للبِيض المتعصّبين في شارلوتسفيل إلى السخرية من ضحية اعتداء جنسي، كانت هنالك انحطاطات أخلاقية عديدة خلال الفترة الرئاسية هذه، لكن غضّ النظر عن ذبح صحفي أقام في الولايات المتحدة قد يكون في حضيض المستويات الأخلاقية.

لقد حان الوقت لكي يتصرف الكونغرس ويفرض عقوبات على السلوك الخطير للسعودية من اليمن إلى قمعها الدموي للنقاد السلميين. لأننا إذا لم نفعل ذلك، فإنّ موت "خاشقجي" سيكون بقعة دم تلطخ ضمير أمريكا الأخلاقي ولن يمحوها الزمن أبدًا أو أموال الإسكات السعودية.

المصدر | واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

مقتل خاشقجي ترامب محمد بن سلمان الكونغرس السعودية صفقات الأسلحة