كيف تقتل دون حساب؟.. دليل ترامب للمستبدين في العالم

الأربعاء 21 نوفمبر 2018 12:11 م

لطالما نظر الرئيس "ترامب" إلى السياسة الخارجية كسلسلة من الصفقات التجارية المجردة من القيم والمثالية.

لكن بيانه المكون من 633 كلمة، الثلاثاء، بشأن القتل الوحشي للمعارض السعودي "جمال خاشقجي" أظهر مدى اعتقاده بوجوب أن تقود الحسابات التجارية قرارات الولايات المتحدة بشأن الشرق الأوسط والعالم الأوسع.

وقد أوضح "ترامب" أنه يرى التحالفات على أنها معاملات، يتم فيها تقييم الشركاء الأجانب على أساس الشراء الكثيف للأسلحة، وبهذا تتفوق الوظائف في أهميتها على القيم الأمريكية. 

وقد تصبح رسالة الثلاثاء دليلا للكيفية التي يمكن للقادة أن يزيدوا بها مكانتهم في نظر الرئيس الأمريكي، ودستورا لكيفية سحق المنتقدين دون إثارة الغضب الأمريكي.

الحقيقة لا تهم

وكانت الرسالة أيضا تأملا كاشفا عن الدور الذي يعتقد "ترامب" أن الحقائق يجب أن تلعبه في صنع القرار السياسي.

وكانت وكالة الاستخبارات المركزية قد خلصت إلى أن ولي العهد السعودي، الأمير "محمد بن سلمان"، قد أمر بقتل "خاشقجي"، حسبما قال مسؤولون أمريكيون الأسبوع الماضي.

لكن يوم الثلاثاء، لم يرفض الرئيس ذلك التقييم فحسب، بل أنكر أيضا جدوى عملية البحث عن الحقيقة ذاتها، ما يعني ضمنا أنها لا تهمه على أي حال، وقال "ترامب": "ربما فعل  الأمير ذلك، وربما لم يفعل".

وقد وجهت كلمات "ترامب" ضربة إلى تركيا، وهي حليف أمريكي وعضو في منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، والتي طالبت بمعاقبة السعودية على قتلها "خاشقجي" الشهر الماضي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

لكن رسالة "ترامب" تم الترحيب بها بحرارة من قبل حلفاء أمريكيين آخرين في الشرق الأوسط، يقدرون العلاقات الوثيقة مع واشنطن ولكنهم يريدون أن يتم تركهم يحكمون كما يرغبون.

وقال "عبدالخالق عبدالله"، أستاذ العلوم السياسية في دولة الإمارات العربية المتحدة: "سيُنظر إلى ترامب على أنه رئيس شجاع للغاية، تمسّك بأسلحته وعارض إجماع واشنطن، شكرا جزيلا سيدي الرئيس من هذا الجزء من العالم، لن تنسى الرياض وعواصم دول الخليج العربية الأخرى هذا الموقف الراسخ، وسوف ترد بالمثل على العديد من القضايا".

وكرر بيان الثلاثاء أيضا محاولات الرئيس السابقة للتغاضي عن الدول التي تستخدم القتل كأداة للقوة.

وخلال مقابلة مع "بيل أوريلي" على قناة "فوكس نيوز" بعد أسابيع من توليه منصبه، قلل "ترامب" من أهمية إصدار الرئيس "فلاديمير بوتين" لأوامر بعمليات القتل خارج نطاق القضاء، وقال إن الولايات المتحدة كانت أفضل حالا على المدى البعيد حين كانت صديقة لروسيا بدلا من عدو.

وبالمثل، فقد أعفى "ترامب" المملكة العربية السعودية، الثلاثاء، من مسؤوليتها عن الضحايا المدنيين والكارثة الإنسانية في اليمن، عبر إلقاء اللوم على إيران.

رؤية "ترامب"

وكان البيان عرضا مقتضبا لرؤية "ترامب" للشرق الأوسط، حيث تبقى أولوياته الرئيسية هي حماية (إسرائيل)، ومحاربة الإرهاب، والضغط على إيران، التي يعتبرها المحرك وراء عدم الاستقرار في لبنان والحروب في اليمن وسوريا.

ومنذ انتخاب "ترامب"، نجحت المملكة في ترشيح نفسها له وصهره "غاريد كوشنر"، كحليف شرق أوسطي يتمتع بالقوة والمال للمساعدة في كل هذه القضايا.

وقال "ترامب": "تعتزم الولايات المتحدة أن تظل شريكا ثابتا للمملكة العربية السعودية، لضمان مصالح بلدنا و(إسرائيل) وكل الشركاء الآخرين في المنطقة".

ولا تزال المملكة لا تقيم علاقات رسمية مع (إسرائيل)، على الرغم من إشادة "ترامب" بالمملكة على أنها تخدم مصالح (إسرائيل).

وقال "ترامب" إن الممثلين السعوديين وصفوا "خاشقجي" بـ"عدو الدولة"، وأنه كان عضوا في جماعة "الإخوان المسلمون"، وهو اتهام لم يلقه أي مسؤول سعودي علنا، حتى الأمير "خالد بن سلمان"، الأخ الأصغر لولي العهد وسفير السعودية في الولايات المتحدة، وصف "خاشقجي" بأنه "صديق"، بعد اختفائه قبل أن يتم تأكيد وفاته.

وبعد ساعات من إصدار البيت الأبيض لبيان "ترامب"، أضاف خلال مؤتمر صحفي مطول في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، أن سيطرة المملكة على أسعار النفط العالمية أعطتها تأثيرا هائلا على قراراته، قائلا إنه يمكن للمملكة خفض إنتاج النفط، ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار إلى 150 دولارا للبرميل.

ورد منتقدو الرئيس في "الكابيتول هيل" بغضب، قائلين إن "ترامب" تنازل عن السلطة الأخلاقية المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان مقابل الحصول على مزيد من صفقات الأسلحة لشركات الدفاع.

السعودية أولا

وكتب السيناتور "راند بول" على تويتر: "أنا متأكد من أن هذا البيان يضع السعودية أولا، وليس أمريكا أولا".

وقد يزيد البيان من توتر العلاقات الأمريكية مع تركيا، وهي حليف ضمن حلف "الناتو"، والتي كانت قد توترت بالفعل بسبب قضايا التجارة، واحتجاز تركيا لقس أمريكي، ودعم الولايات المتحدة لميليشيا كردية في سوريا تعتبرها تركيا منظمة إرهابية.

ويعتبر الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" نفسه منافسا لـ"بن سلمان" على الزعامة الشرعية للعالم الإسلامي السني، وقد سارعت أجهزة الأمن التركية إلى تسريب تفاصيل مدوية من تحقيقها في مقتل "خاشقجي"، بشكل ورط السعودية وألحق الضرر بسمعة الأمير الشاب.

وقد ألمح "أردوغان" نفسه بشدة إلى أنه يحمل ولي العهد المسؤولية، على الرغم من عدم تسمية "بن سلمان" علنا.

وفي بيانه، أخذ "ترامب" بوضوح جانب الأمير في هذا التنافس، مخاطرا بالمزيد من التوتر مع "أردوغان".

وفي جميع أنحاء العالم، اندلعت ردود الأفعال إلى حد كبير بين أولئك الذين يرغبون في أن تبقى الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بعيدا عن التدخل في الكيفية التي تدار بها بلادهم، وأولئك الذين يعتقدون أن على الولايات المتحدة أن تظهر قيادة أخلاقية وأن تدافع عن المعايير الدولية.

والواقع أن البعض في الشرق الأوسط قد عمد إلى تأكيد أن بيان "ترامب" يؤكد على أن العالم مكان خطير وقاس.

وكتب "وائل غنيم"، الناشط في مجال الإنترنت، والذي ظهر على الساحة خلال الثورة المصرية عام 2011، على موقع "تويتر": "إن العالم مكان خطير عندما يقوده زعماء ديماغوجيون يتلاعبون بالحقيقة، إنهم يكذبون، ويعرفون أنهم يكذبون، ويعرفون أننا نعرف أنهم يكذبون".

المصدر | نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

بيان ترامب جمال خاشقجي أردوغان محمد بن سلمان