نيويورك تايمز: هل يضع ترامب السعودية على أعتاب النووي؟

الجمعة 23 نوفمبر 2018 03:11 ص

قبل أن تقر بأن ولي العهد السعودي، "محمد بن سلمان"، كان متورطا في قتل "جمال خاشقجي"، كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) تحاول حل لغز آخر، وهو هل كان الأمير يضع حجر الأساس لبناء قنبلة نووية أم لا؟

كان وريث العرش السعودي، البالغ من العمر 33 عاما، يشرف على مفاوضات مع وزارة الطاقة ووزارة الخارجية لدفع الولايات المتحدة لبيع تصاميم محطات الطاقة النووية إلى المملكة. وقدرت قيمة الصفقة بحوالي 80 مليار دولار اعتمادا على عدد المصانع التي قررت السعودية بناءها.

لكن كانت هناك عقبة؛ حيث تصر السعودية على إنتاج وقودها النووي الخاص بها، رغم أنها قد تشتريه بأسعار أرخص من الخارج، وفقا لمسؤولين أمريكيين وسعوديين على دراية بالمفاوضات. وأثار ذلك مخاوف في واشنطن من أن السعوديين يمكنهم تحويل وقودهم إلى مشروع سري للأسلحة النووية. وهو نفس ما كانت تخشى الولايات المتحدة وحلفاؤها من حدوثه مع إيران؛ ما دفع للتفاوض حول الاتفاق النووي لعام 2015، الذي تخلى عنه الرئيس "دونالد ترامب" بعد ذلك.

وكان "بن سلمان" أثار القلق عندما أعلن في وقت سابق من هذا العام، في خضم المفاوضات، أنه إذا طورت إيران، المنافس الأكثر شراسة للسعودية، قنبلة نووية، فإن السعودية ستتبعها في أقرب وقت ممكن. وأثار مفاوضوه المزيد من المخاوف حين أخبروا إدارة "ترامب" بأن السعودية سترفض التوقيع على اتفاق يسمح لمفتشي الأمم المتحدة بالتفتيش في البلاد بحثا عن دلائل على أن السعوديين ربما يعملون على صنع قنبلة، حسب قول مسؤولين أمريكيين.

وعندما سئل وزير الطاقة "ريك بيري" في الكونغرس، في مارس/آذار الماضي، عن مفاوضاته السرية مع السعوديين، تهرب من سؤال حول ما إذا كانت إدارة "ترامب" ستصر على منع المملكة من إنتاج الوقود النووي من عدمه.

وبعد 8 أشهر، لم تقل الإدارة أين تقف المفاوضات. والآن، يبرز سؤال ملح حول إذا ما كانت الحكومة السعودية، التي اغتالت "خاشقجي" وغيرت قصتها مرارا وتكرارا حول جريمة القتل، يمكن الوثوق بها في إنتاج الوقود النووي والتكنولوجيا النووية. ويمكن استخدام مثل هذا الوقود لأغراض حميدة أو عسكرية. وإذا تم تخصيب اليورانيوم بنسبة 4% فسوف يمكنه تزويد محطات الطاقة بالوقود. أما إذا وصلت نسبة التخصيب إلى 90% فيمكن استخدامه لصنع قنبلة.

وبشكل خاص، يقول مسؤولو الإدارة إنه إذا لم تقم الولايات المتحدة ببيع المعدات النووية إلى السعودية، فسيقوم طرف آخر، ربما روسيا أو الصين أو كوريا الجنوبية، بهذا.

وحرص الإدارة على حصول المملكة على مفاعلات تصممها "ويستنغهاوس"، المنافس الأمريكي الوحيد في هذه الصفقة، يتلاءم مع إصرار "ترامب" على أن الوظائف والنفط والعلاقة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن كلها أكثر أهمية من موت المعارض السعودي الذي كان يعيش ويكتب أعمدة في صحف بالولايات المتحدة.

محاولات تاريخية

وبموجب القواعد التي تحكم الاتفاقات النووية من هذا النوع، فإن الكونغرس ستتاح له الفرصة لرفض أي اتفاق مع السعودية، رغم أن كلا من مجلس النواب ومجلس الشيوخ سيحتاجان إلى أغلبية تؤيد الرفض لوقف خطط "ترامب".

وقال النائب "براد شيرمان"، العضو الديمقراطي في كاليفورنيا وعضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، إن "بيع الطائرات لهم شيء، وبيعهم الأسلحة النووية أو منحهم القدرة على بنائها شيء آخر".

ورفضت إدارة "ترامب" تقديم تحديث عن المفاوضات. وقالت وزارة الطاقة السعودية في بيان لها: "لقد أكدت الحكومة السعودية مرارا وتكرارا أن كل عنصر من عناصر برنامج الطاقة الذرية السعودي مخصص للاستخدامات المدنية والسلمية بشكل صارم. وقررت الحكومة السعودية المضي قدما في هذا المشروع، ليس فقط لتنويع مصادر الطاقة، بل أيضا للمساهمة في الاقتصاد".

ولطالما أبدت السعودية اهتماما بالحصول على مساعدة الحلفاء لاكتساب اللبنات الأساسية لبرنامج يمكن من خلاله أن تصنع أسلحة نووية، لحماية المملكة من التهديدات المحتملة من جيرانها، (إسرائيل) أولا، ثم العراق وإيران.

وقدمت الحكومة السعودية التمويل لباكستان لبناء أسلحتها النووية سرا، وهي أول قنبلة تمتلكها "دولة سنية". وتركت هذه العلاقة المالية مسؤولي الاستخبارات الأمريكية يتساءلون عما إذا كان هناك اتفاق مقايضة، أنه إذا احتاجت المملكة إلى ترسانة صغيرة خاصة بها، يمكن لباكستان أن توفرها، ربما عن طريق نقل القوات الباكستانية إلى الأراضي السعودية.

وكان السعوديون يفكرون أيضا في اقتناء أنظمة التوصيل. وفي عام 1988، اشترت المملكة صواريخ متوسطة المدى من الصين، تم تصميمها لتتزود برؤوس حربية نووية أو كيميائية أو بيولوجية؛ مما أثار احتجاجات المسؤولين الأمريكيين.

وارتفعت مخاوف الرياض عام 2003، عندما تم الكشف عن أن طهران قامت سرا ببناء مصنع ضخم تحت الأرض لتخصيب اليورانيوم.

وفي ذلك الوقت، قدم الإيرانيون نفس الحجة التي يقدمها السعوديون حاليا، أنهم بحاجة إلى امتلاك جميع مرافق الإنتاج اللازمة لتزويد محطات الطاقة النووية بالوقود. وافتتح الإيرانيون عام 2011 مصنعا واحدا، وهو مفاعل نووي في بوشهر بناه الروس.

وهذا الإصرار هو ما أطلق الأزمة النووية الإيرانية. وعلى مر السنين، أثبتت عدة دول أنه من الممكن تحويل برامج مدنية ظاهرية إلى مصادر وقود للقنابل.

بين السعودية وإيران

وحذر الأمير رئيس المخابرات السعودية السابق، "تركي الفيصل"، إدارة "أوباما" من التفاوض بشأن ما أصبح الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، قائلا: "مهما كان ما يبنيه الإيرانيون، فسنبنيه أيضا".

ويعد التحدي الأساسي الذي يواجه إدارة "ترامب" هو أنها أعلنت أنه لا يمكن أبدا الوثوق بإيران في أي تكنولوجيا لصنع الأسلحة. والآن، يجب أن تقرر ما إذا كانت سترسم نفس الخط مع السعوديين أم لا.

وقد تساعد تصرفات الولايات المتحدة الحالية في إغراء المملكة. وبعد انسحاب "ترامب" من الاتفاق مع إيران، فإن المحللين قلقون من أن يكون السعوديون في وضع يتيح لهم إنشاء برنامجهم النووي الخاص.

وتمتلك المملكة رواسب اليورانيوم بشكل واسع النطاق، إضافة 5 مراكز أبحاث نووية. وقال محللون إن القوة الذرية في المملكة تنمو باطراد في الحجم والتطور، حتى من دون إنتاج الوقود النووي.

وقال خبراء نوويون إن المملكة تريد بناء ما يصل إلى 16 محطة للطاقة النووية خلال الأعوام العشرين أو الخمس والعشرين المقبلة، بتكلفة تزيد على 80 مليار دولار. وفي الآونة الأخيرة، خفضت المملكة خطتها الأولية إلى بناء مفاعلين فقط. ويفترض أن تقوم "وستنغهاوس"، التي تتخذ من بنسلفانيا مقرا لها، بتوفير هذه التكنولوجيا.

وتصدر ولي العهد عناوين الصحف في مارس/آذار عن طريق تغيير النقاش العام حول نوايا الرياض من المفاعلات النووية السلمية إلى القنابل الذرية. وفي مقابلة مع شبكة "سي بي إس نيوز"، قال إنه إذا حصلت إيران على أسلحة نووية، فإن المملكة ستحذو حذوها بسرعة.

وبعد بضعة أيام، أصر وزير الطاقة السعودي، "خالد الفالح"، على أن تمنح الرياض حق تصنيع وقودها النووي الخاص بها.

وقال: "سيكون من الطبيعي أن تكون الولايات المتحدة معنا، وأن تزودنا ليس فقط بالتكنولوجيا، ولكن بالمساعدة في دورة الوقود والرصد، والتأكد من أننا نقوم بذلك على أعلى مستوى".

وأكد "الفالح" أن المملكة لديها رواسب اليورانيوم الخاصة بها، وأنها تريد تطويرها بدلا من الاعتماد على الاستيراد من الخارج.

وقال: "ليس من الطبيعي أن نحضر اليورانيوم المخصب من بلد أجنبي".

 

المصدر | ديفيد سانغر ووليام برود - نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

السعودية أمريكا خاشقجي نووي ترامب