استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

رقصة الحروب

السبت 18 أبريل 2015 06:04 ص

يصعب على المرء أن يحسد اليوم حالة المحلل من جهاز استخبارات أجنبي ـ أمريكي، غرب اوروبي او روسي، يتصدى لمهامة التبليغ بشكل مرتب لمدرائه عن الجلبة التي تعصف في ارجاء الشرق الاوسط. فاذا كان في الماضي ممكنا الوصف لسلسلة مسائل هامة في المنطقة (النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، البرنامج النووي الإيراني، العلاقات بين الدول العربية المختلفة) والتي توجد فيما بينها علاقات تبادلية محدودة، فالسنوات الاربعة الاخيرة تتميز كحرب تجري بلا توقف تقريبا، من العراق في الشرق وحتى ليبيا في الغرب، وتنقسم لعشرات النزاعات الفرعية الدامية. هذا خليط اقليمي يتغير بوتيرة تدير الرأس، نزاع ينتقل إلى المواجهة المجاورة ويؤثر عليها، ولمحللي الاستخبارات (ولقادتهم أنفسهم) قدرة في الحد الادنى على توقع الاحداث، فما بالك توجيهها. 

تصف شعبة الاستخبارات في الجيش الاسرائيلي أربعة معسكرات اساسية تصارع في سبيل الهيمنة الاقليمية: المحور الشيعي في اساسه، والذي تقوده إيران مع سوريا وحزب الله؛ الانظمة السنية المركزية، التي تميل إلى الغرب، وتعرفها اسرائيل لراحتها «معتدلة» (السعودية، مصر، الاردن، معظم امارات الخليج)؛ لاعبين مستقلين سُنة يقيمون علاقة مع حركة الاخوان المسلمين (تركيا، قطر، حماس في غزة) ومنظمات سُنية ـ جهادية (القاعدة وداعش، بعشرات الفصائل المحلية التي تبدل على نحو مستمر ولاءها بين التنظيمين الكبيرين). وتستمر المواجهات المحلية بالتوازي وتؤثر كل الوقت الواحدة على الاخرى. فحشد جهود المعسكر السكني المعتدل في اليمن يؤثر الان على شدة الحرب ضد داعش في العراق وفي سوريا، بينما تتردد حماس بين استئناف الحلف مع إيران والتقرب من الكتلة السعودية ـ المصرية. 

ويتجه معظم الاهتمام الإعلامي في الشهرين الاخيرين نحو اليمن، بسبب توحيد القوى العربية المفاجيء الذي نجحت السعودية في حشدها هناك، في محاولة لصد تقدم الثوار الحوثيين، المدعومين من إيران. ولكن في الحرب في سوريا أيضا ـ المواجهة الاطول والاكثر اجراما ـ ثمة تطورات في الايام الاخيرة. فمعظم مقاتلي داعش وان كانوا غادروا على ما يبدو مخيم اليرموك للاجئين المجاور لدمشق ـ حيث قتل الطرفان مئات المدنيين الفلسطينيين ـ الا ان وضع نظام الاسد لم يتحسن. فالهجوم الذي خططه النظام، بمساعدة إيران وحزب الله في جنوب الدولة، من بلدة درعا غربا باتجاه هضبة الجولان، صدها الثوار دون مصاعب خاصة. ولا تزال دمشق مهددة ومنطقة القصر الرئاسي تقصف في احيان قريبة بنار الصواريخ كي لا يتمكن الرئيس من النوم بهدوء، بكل معنى الكلمة. كما أن بطانية الامن التي تمنحها إيران وحزب الله للاسد قصيرة. فبشار الاسد غير قادر على أن يحمي على نحو متواصل كل الذخائر التي بقيت في يده ويضطر إلى التنازل وتخفيف تواجد قواته في المناطق التي يراها أقل حيوية. 

للنظام في هذه اللحظة قلقان مركزيان: محاولة مستمرة من الثوار للاقتراب من المطار الدولي في دمشق (فهم لا يزالون بعيدين بضع عشرات الكيلومرات عن هناك، ولكن المنطقة تقصف في احيان قريبة)، ومعركة ستتجدد على ما يبدو في الايام القريبة القادمة في منطقة جبال كلمون، على الحدود السورية ـ اللبنانية. وهام للنظام حماية مسار تدفق التعزيزات من حزب الله من لبنان وبالطبع الاحتفاظ بالمطار. هذه مسائل تقلق اسرائيل ايضا، بسبب مخازن السلاح الكبرى التي توجد على مقربة من المطار. وفي السنوات الاخيرة كانت هناك عدة غارات جوية نسبت لاسرائيل، قصفت فيها ارساليات السلاح المخصصة لحزب الله في لبنان. 

وقال مصدر أمني كبير في اسرائيل لـ «هآرتس» هذا الاسبوع: «نحن نواصل البقاء على الحياد. وهذا ليس أمرا مسلما به، وذلك لان هناك حاجة للحذر من السقوط في فخ الاغراءات لتحقيق مكسب تكتيكي. ولكننا اوضحنا لكل الاطراف، علنا، بانه توجد خطوط حمراء لن نسمح باجتيازها، وفي الحالات التي يكون فيها خطر على مصالحنا، يحتمل تدخل موضعي». 

كل هذا يحصل بالتوازي مع الحملة الهجومية التي تقودها الولايات المتحدة ضد داعش، في العراق وفي سوريا. وفي هذه اللحظة، يبدو أن وضع التنظيم المتطرف افضل بكثير في سوريا منه في العراق، حيث انسحبت قواته من عدة مناطق وزخم تقدمه من الصيف الماضي توقف. ولا تزال أسلحة الجو الغربية تهاجم مناطق داعش في العراق، بينما سلاحا الجو السعودي والاردني يقصفاها في سوريا. ولكن على الارض، في العراق، يجري منذ الان تعاون غير مباشر بين الأمريكيين وإيران (التي تساعد الحكومة والقوات الشيعية في معظمها). وهذه مؤشرات اولية على نوع من الانفراج الأمريكي ـ الإيراني، على الاقل في مسألة الصراع ضد داعش، التعاون الذي خشيت منه اسرائيل حتى قبل ان يتبلور اتفاق الاطار على النووي في إيران. 

قبل انطلاق القوات الشيعية في الهجوم على تكريت، مدينة صدام حسين في شمالي غرب بغداد، فان من جاء ليبث روح القتال في المقاتلين كان الجنرال قاسم سليماني، قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني. والهجوم الشيعي، الذي يعتمد أساسا على قوات الميليشيا فشل (سليماني عقد زيارة مشابهة في جنوب سوريا، عشية هجوم النظام هناك، ويبدو ان في الحالتين لم يحقق منفعة كبيرة لمعسكره). وبعد الفشل في تكريت، طلبت حكومة العراق مساعدة عاجلة من الولايات المتحدة. 

واشترط الأمريكيون المساعدة الجوية والاستخبارية بانسحاب الميليشيات واستبدالها بالجيش العراقي. وعندما استجيب الطلب، جزئيا، بدأوا بغارات جوية وحقق الجيش العراقي انتصارا. عمليا، جرى هنا تنسيق غير مباشر أمريكي ـ إيراني، في اطار الحرب ضد داعش. وعززت احداث تكريت الاشتباه الاوروبي في أن الأمريكيين، خلافا لوعودهم، يتحدثون مع الإيرانيين في لوزان على ترتيب اقليمي ايضا، وليس فقط على اتفاق النووي. 

لا تنقطع المعارك في سوريا وفي العراق عما يجري في اليمن. فحزب الله، الذي تتحداه في الداخل منظمات سنية، ويقيم ميزان ردع مركب مع اسرائيل، يوجد في الجبهة المتقدمة لمعسكر الاسد في لبنان. هذا ليس كل شيء: فرجاله يقدمون المشورة، إلى جانب الحرس الثوري للقوات الشيعية في العراق. ومؤخرا توجد حتى تقارير أمريكية عن نشطاء حزب الله وصلوا إلى اليمن، لمساعدة الثوار الحوثيين. وفي اسرائيل يأخذون الانطباع بان المعركة السعودية في اليمن، بمساعدة الرئيس اليمني الحالي تحقق نجاحا جزئيا. فزخم الثوار تقف والحوثيون لم يعودوا يعرضون للخطر حرية الابحار في مضائق باب المندب، وهي الامكانية التي تقلق الغرب واسرائيل ايضا. 

لكن كبح النفوذ الإيراني، الذي يتناوله متحدثون رسميون في القدس كثيرا مؤخرا، ليس المسألة الوحيدة ذات الصلة باسرائيل في تطورات الحرب في اليمن. فالاردن، الشريك القريب لاسرائيل، قلق من أن يمس حرف جهود المعسكر السني المعتدل إلى اليمن بالحرب ضد داعش، الاقرب إلى حدوده ويعرضه للخطر المباشر. اما المساعدة المصرية الواسعة للحرب في اليمن، فمن شأنها أن تأتي على حساب المعركة التي تديرها القاهرة ضد الإرهاب الجهادي في سيناء، والذي يقلق اسرائيل أكثر. 

قبل نحو سنتين بدا السودان كجريرة إيرانية، يسمح بشبكة تهريب السلاح المتفرعة لطهران ان تجري دون عراقيل عبر أرضه. اما اليوم فالسودان هو عضو في التحالف الذي تقوه السعودية في اليمن. وهكذا تشوش مسار تهريب مركزي لإيران إلى قطاع غزة، والذي بين هذا وذاك تضرر بشدة بسبب الجهد المصري للعثور على الانفاق في رفح. وهذه الحرب تديرها مصر بلا هوادة. فقد تم توسيع المنطقة الفاصلة غربي حدود القطاع إلى كيلومترين اثنين وقريبا ستوسع إلى خمسة، بعد اكتشاف نفق إلى القطاع نقطة انطلاقه على مسافة 2.800 متر داخل الاراضي المصرية. والطريقة المصرية بسيطة ووحشية: بداية يدمرون كل المنازل على مقربة من الحدود في رفح المصرية. من يوجد تحت بيته نفق يعاقب (مؤخرا علم عن النية بفرض عقوبة الموت على المشاركين في تشغيل الانفاق). واذا لم يعثر على النفق، يحصل السكان على 300 دولار ورخصة لبناء بيت على قطعة ارض ابعد عن الحدود. 

في غياب التهريب تقريبا، تركز حماس بشكل لا مفر منه على تطوير صناعة سلاح محلية في غزة، وجودة الوسائل القتالية التي تنتهجها هذه الصناعة أدنى من السلاح الرسمي الذي كانت تحصل عليه من إيران في الماضي. وتستعين حماس في مساعي الانتاج هذه بالمال الذي تدفع إيران للذراع العسكري لحماس ولمنظمة الجهاد الإسلامي، وبالمواد التي تهرب بالذات من اسرائيل، عبر معبر كرم سالم، بعد أن يجري تمويهها بانها مدنية «شرعية». 

للصراع من أجل الهيمنة في العالم العربي آثار أخرى. فقد ادعت وكالة «معا» الفلسطينية للانباء الاسبوع الماضي بان إيران يئست من القيادة السياسية لحماس وستركز من الان فصاعدا فقط على العلاقة مع ذراعها العسكري. وافيد هنا امس بانه في المنظمة يتسع الشرخ بين الذراع السياسي والعسكري، بما في ذلك بسبب المواقف المختلفة في قضية اليمن. فقد أعربت القيادة السياسية عن تأييد علني لموقف السعودية، بينما يفضل الذراع العسكري إيران. 

في الخلفية تتواصل الاتصالات غير المباشرة في محاولة لترتيب وقف نار انساني بعيد المدى في القطاع. ويحاول وسطاء أجانب، ضمن آخرين من الامم المتحدة ومن سويسرا، حمل اسرائيل وحماس على اتفاق يوقف النار لسنوات. وفي هذه اللحظة يرفض الطرفان التعهد، ولكن هناك احتمال ما لتطور دراماتيكي. ومثل هذه المهلة الزمنية ستسمح لحماس بان تنتعش من اضرار الحرب الاخيرة في الصيف فيما ستتفرغ لاسرائيل اهتمامات ومقدرات للتركيز على امكانية المواجهة في الساحة اللبنانية، الاخطر من ناحيتها. 

اتفاق غير مباشر، اذا ما تحقق، سيسمح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن يعرض الحرب كانجاز يضمن هدوء بعيد المدى، بالذات في ضوء الانتقاد على شكل ادارة المعركة. ولكن احد الامور التي اتضحت في زمن «الجرف الصامد» كان الصعوبة الاسرائيلية في فهم نوايا حماس، المنظمة التي توجد فيها منظومة مركبة من التوازنات بين القيادة السياسية والعسكرية، وبين القيادة في القطاع والنشطاء في الخارج. والشرخ بين الذراع السياسي والعسكري في حماس،  على خلفية الموقف من إيران، من شأنه أن يجعل أصعب فأصعب الوصول إلى وقف للنار، وفي ظروف متطرفة ان يشجع القيادة العسكرية على المبادرة لاعمال هجومية ضد اسرائيل.

  كلمات مفتاحية

إيران أمريكا الدولة الإسلامية العراق؛ حزب الله الحوثيين اليمن مصر إسرائيل حماس