هكذا سيطر جنرالات مصر على سوق الإسمنت

السبت 24 نوفمبر 2018 07:11 ص

على الطريق السريع بين العاصمة المصرية القاهرة ومحافظة بني سويف (وسط)، تقابلك ثلاثة أبنية شاهقة وسط الصحراء، مصنع للحديد الصلب يملكه أحد أصحاب المتاجرات المقربين من المخابرات العسكرية، وسجن، وأكبر مصنع إسمنت في العالم تحت سيطرة الجيش.

مصنع الإسمنت الكبير، الذي افتتحه الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" في 15 أغسطس/آب الماضي، بشكل رسمي، كان محور تقرير موقع "لوريان 21" الفرنسي.

هذا المجمع الضخم، تبلغ قدرته الإنتاجية 12.8 مليون طن سنويا، والذي قلب الأوضاع في سوق الإسمنت بالبلاد، التي احتلت المرتبة السادسة عالميا عام 2017، بإنتاج 69 مليون طن في السنة بمساهمة 29 مصنعاً.

تدخل الجيش

تسليط الضوء على المصنع الجديد، يأتي كونه أحد أدوات الجيش لتمكين كبار ضباطه من بسط سيطرتهم على الاقتصاد، عندما بدأ في 2015 زيادة كمية الإنتاج بمقدار 4 ملايين طن سنويا، مما جعل إنتاجه الإجمالي يصل إلى 22 مليونا، ملحقاً بذلك الضرر الكبير بمنافسيه من القطاعين الخاص والعام، مما أدى إلى اختفاء مؤسسات صناعية كبرى، منها التابعة للدولة.

البداية، كانت مع عام 2001، عندما شيد الجيش مصنع العريش بشمال سيناء (شمال شرقي البلاد) بقدرة إنتاجية تبلغ 4 ملايين طن سنويا.

لكن شهية الجيش تضاعفت بعد ذلك، حيث أصدر "السيسي"، عام 2014 مرسوماً يمنح الجيش الحق في إدارة المحاجر، ومنذ ذلك الحين "تضاعف سعر الجير ثلاث مرات"، كما ينقل التقرير عن اتحاد الصناعات.

وفي فبراير/شباط الماضي وصلت إنتاجية مصنع العريش إلى 9.6 ملايين طن سنويا، ومع مصنع بني سويف الجديد، الذي كلف إنشاؤه 1.2 مليار دولار من تمويل الجيش وعمل على تشييده 8 آلاف عامل يعملون ليلاً نهاراً خلال سنتين كاملتين متبنيا تقنية صينية، ستصل الإنتاجية الكلية في البلاد سنوياً إلى 87 مليون طن.

وأمام ذلك، أغلقت الشركة القومية للإسمنت (حكومية)، أبوابها في 17 مايو/أيار الماضي، بسبب خسائر جسيمة، تقدر بـ971.3 مليون جنيه (47.452 مليون يورو)، برسم السنة المالية 2017، وذلك قبل تسريح أكثر من 2300 من العاملين فيه.

ولم يعد هناك إلا مؤسسة "النهضة"، التابعة للدولة بهذا المجال، وهي تحت إدارة أحد الجنرالات أيضاً، كما يكشف تقرير "لوريان 21".

ورغم ما يواجهه القطاع الصناعي من مشاكل، يسعى الجنرالات لفرض وجودهم فيه بأي ثمن.

إعادة هيكلة

وينقل التقرير عن رئيس رئيس شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية "أحمد الزيني"، قوله إن "القوات المسلحة تريد إعادة هيكلة السوق والتحكم بالأسعار والحيلولة دون تلاعب القطاع الخاص به".

وحسب بنك "سي أل كابيتال"، فقد أصبح الجيش المنتج الأول للإسمنت بكميات تبلغ ربع الإنتاج الوطني، في حين ستشهد السوق تقلبات شديدة لسنوات مقبلة.

وحسب البنك، "سيستمر تأثير مشاريع الجيش على القطاع حتى عام 2022"، في وقت بدأت بعض الشركات تعاني من هذا الوضع ولا سيما الشركات الأجنبية المتعددة الجنسية.

ويضيف التقرير أنه "سواء أكانت من القطاع العام أم الخاص، مصرية أم أجنبية، فإن الشركات تأثرت كلها سلبا، فهي محاصرة بين سوق محلية راكدة تشتري بأرخص الأسعار ومنتج كبير بالبذلة العسكرية يستفيد من امتيازات جمة".

ويتابع: "الجيش لا يدفع رسوم الجمارك ولا الضرائب ويستخدم المجندين من دون أجر في منشآته ويستفيد من التخفيضات على المواصلات ومن محاجر مجانية، كما أن وجود جنرالات متقاعدين في وظائف بوزارات يلعب دورا حاسماً بسوق الإسمنت كالمواصلات والتموين والإسكان".

واستنادا منها إلى هذه الامتيازات كافة، فإن مصانع الإسمنت العسكرية تبيع طن الإسمنت بـ860 جنيها (48 دولارا) في حين أن كلفة الإنتاج بالنسبة للمصانع في القطاع الخاص ومؤسسة "النهضة" تبلغ وحدها 940 جنيها (53 دولارا).

سيطرة

وليس الإسمنت، استثناءً على القاعدة، فالجيش، حسب التقرير، دخل كل قطاعات الاقتصاد تقريبا: الصلب والرخام وصناعة الجلود والصناعات الغذائية والآلات المنزلية والأدوية بالتواصل مع المختبرات الأجنبية.

أما الأرباح، فإن كان ثمة أرباح فتذهب مباشرة إلى المؤسسة العسكرية التي تظل ميزانيتها سرّية.

وفي هذا الوضع تخسر الدولة مبالغ كبيرة من الإيرادات الضريبية، وموارد في غاية الأهمية للمرافق العامة، ويكسب الجيش الوظائف المريحة لكبار الضباط المحالين على المعاش.

أما الشعب، حسب التقرير، فليس له مكسب حتى فيما يتعلق بأسعار الإسمنت التي لا تعتبر رخيصة بسبب قنوات التوزيع التي تثقل الأسعار.

وختم التقرير، بالقول: "إن كان (الرئيس المصري الأسبق) جمال عبدالناصر قد أمم الشركات ليمنح البلاد اكتفاء ذاتيا، فإن السيسي قد جعل قبضة الجنرالات تتحكم بالاقتصاد كله عبر الامتيازات الخاصة والوساطات المتسترة التي توفر لكبار الضباط حياة رغيدة".

وعادة ما توجه المعارضة المصرية، للسلطة الحالية (عسكرية) اتهامات بـ"عسكرة الاقتصاد"، وتقول إن القوات المسلحة المصرية جاوزت اختصاصاتها ودخلت مجالات السياسة والاقتصاد، وهو ما حول الجيش لحزب سياسي وشركة اقتصادية، بعيدا عن دوره المنوط به، وهو ما أضر بالحياة السياسية والاقتصادية في البلاد على حد سواء.

لكن المدافعين عن الجيش، يزعمون أن تدخلاته في السياسة أو الاقتصاد إنما تكون لصالح عموم الشعب ولسد الخلل والفجوات الموجودة في البلاد، لكنهم لم ينفوا أن كثيرا من تلك التدخلات تحمل طابعا تمييزيا للقوات المسلحة، دون أن تكون المنافسة متكافئة الأطراف.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

الإسمنت مصر اقتصاد مصر الجيش