أزمة خاشقجي تعيد تشكيل العلاقات السعودية الأمريكية

السبت 24 نوفمبر 2018 11:11 ص

قد يكون قتلة الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" قد أثاروا من التداعيات أكثر بكثير مما كانوا يراهنون عليه.

وأثارت واقعة القتل العديد من المعارك التي من المرجح أن تشكل في الأشهر المقبلة العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وكذلك بين الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وحزبه الجمهوري والكونغرس الأمريكي ومجتمع الاستخبارات في البلاد.

وقد تختبر تداعيات القتل أيضا مدى قدرة "ترامب" على متابعة أهداف سياسته في الشرق الأوسط، بما في ذلك إجبار إيران على الرضوخ وفرض تسوية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وبدلا من وضع حد للخلافات حول كيفية الرد على مقتل "خاشقجي"، جاء قرار "ترامب" بالوقوف إلى جانب المملكة وولي عهدها، "محمد بن سلمان"، بغض النظر عن احتمال كونه مسؤولا عن جريمة القتل، ليشير إلى افتتاح جولة جديدة أطلق عليها الصحفي البارز "رامي خوري" "حقبة جديدة في قضية خاشقجي".

ومن المرجح أن يتم خوض عدد من المعارك على جبهات متعددة. وستكون إحداها حول حضور "بن سلمان" قمة مجموعة العشرين نهاية هذا الشهر في الأرجنتين، حيث تعتقد وكالة الاستخبارات المركزية، والعديدون في الكونغرس الأمريكي، أنه مسؤول عن القتل.

ومن المؤكد أن تشير كيفية استقبال "بن سلمان" في القمة إلى مدى تضرر مكانة ولي العهد الدولية، وقد يشكل صورة واقعية للضرر الذي عانت منه المملكة نتيجة قتل "خاشقجي".

كما أنه سيكون بمثابة مؤشر على مدى حجم المعركة التي قد يضطر "ترامب" لخوضها في سعيه لضمان إفلات "بن سلمان" من عواقب مقتل "خاشقجي".

اختبار للمجتمع الدولي

ومن المؤكد أن "بن سلمان" قد قرر حضور قمة مجموعة العشرين قبل قرار "ترامب" بعدم اتخاذ أي إجراء آخر ضد المملكة. ومع ذلك، من خلال حضور ولي العهد يضع منتقديه الدوليين أمام اختبار حقيقي للعمل ضده، وهو يراهن على أنهم لن يفعلوا ذلك"، بحسب ما قاله "كريستيان أولريخسن"، الباحث في معهد بيكر.

وعبر تسريب استنتاجها أن "بن سلمان" كان مسؤولا عن عملية القتل، أرسلت وكالة الاستخبارات المركزية رسالتان، أولهما رغبتها في مواجهة "ترامب" على خلفية العلاقة المتوترة الطويلة بين الرئيس ومجتمع الاستخبارات، وتوضيح اعتقاد الوكالة أن بقاء الأمير كملك منتظر ليس أمرا حاسما للأمن القومي الأمريكي أو لاستقرار المملكة.

وتشكل الرسالتان معالم أول مواجهة سياسية رئيسية بين "ترامب" والحزب الجمهوري من جهة، والكونغرس من جهة أخرى. وتتصاعد المشاعر المعادية للسعودية في الكونغرس بالفعل قبل مقتل "خاشقجي"؛ بسبب السلوك السعودي في حربها في اليمن، التي خلقت أسوأ أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. ويبدو أن قتل "خاشقجي" قد مثل حافزا للكونغرس للعمل.

وأعقب تحدي الاستخبارات الضمني لتقييم "ترامب" لأهمية "بن سلمان"، تقرير أصدره مركز السياسة الدولية في واشنطن، والذي خلص إلى أن مبيعات الأسلحة الأمريكية للمملكة توفر أقل من 20 ألف وظيفة في الولايات المتحدة سنويا، وهو أمر بعيد كل البعد عن مئات الآلاف من الوظائف التي يزعمها الرئيس.

وقد تشكل نتائج المعركة المحتملة بين "ترامب" والاستخبارات والكونغرس أيضا التطورات داخل المملكة العربية السعودية. وتعود المملكة بقيادة الملك "سلمان" للاعتماد على الوسائل القديمة لحشد الدعم لنجله بين القبائل وداحل العائلة، في الوقت الذي يسعى فيه "بن سلمان" لإظهار أن المملكة لا تعتمد كليا على الولايات المتحدة.

وتشع قضية "خاشقجي" الولايات المتحدة في مواجهة داخلية بين مصالحها المباشرة وبين قيمها السياسية. ويتساءل أعضاء الكونغرس ومجتمع المخابرات والسياسة الخارجية عن أهمية العلاقة مع السعودية، على الرغم من إصرار "ترامب" على أهمية مشتريات الأسلحة السعودية، ودور المملكة في إدارة أسعار النفط ودعم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.

السعودية هي من تحتاج لأمريكا

لكن هناك حقيقتان مؤكدتان، يحتاج السعوديون إلى شراء الأسلحة والمعدات الأمريكية أكثر مما تحتاج الولايات المتحدة إلى بيعها، ويرجع ذلك جزئيا لأنها تضمن الالتزام الأمني ​​الأمريكي تجاه المملكة. وسيكون من الصعب والمكلف جدا على السعوديين أن يفوا بتهديداتهم الدورية "بالشراء من الأجانب" إذا لم يتمكنوا من الحصول على ما يريدون من الولايات المتحدة، كما قال المفاوض الأمريكي السابق في الشرق الأوسط "آرون ديفيد ميلر" في مقال لـ "سي إن إن" شارك في كتابته "ريتشارد سكولسكي".

وطرح "ميلر" و"سكولسكي" تساؤلات حول أهمية السعودية في مواجهة إيران وإقامة تسوية سلمية بين الفلسطينيين و(إسرائيل). وقالا: "لقد أثبتت المملكة العربية السعودية أنها ضعيفة للغاية، وغير كفؤة لتكون حصنا ضد إيران. بل على العكس من ذلك، لقد كانت تحركاتها بمثابة تمكين لنفوذ طهران".

لكن على الرغم من الانتقاد المتصاعد للمملكة، يقول معظم المحللين إن "بن سلمان" يحتمل أن يتغلب على أزمة "خاشقجي".

ومع ذلك، تشعر المملكة بالفعل بتداعيات الأزمة، ليس على الصعيد الدولي فحسب، بل وأيضا فيما يتعلق بآفاق خطط الأمير لإصلاح وتنويع اقتصاد المملكة.

وكانت الأزمة أحد الأسباب وراء تأجيل شركة "أرامكو"، شركة النفط الوطنية العملاقة في المملكة، خططها للشروع في بيع سندات ضخمة، لتمويل حصة بقيمة 70 مليار دولار في شركة البتروكيماويات الوطنية "سابك". وقد تم النظر في البيع بعد أن علقت المملكة في وقت سابق خططا لإدراج شركة أرامكو في البورصة، في خطوة كان يأمل ولي العهد أن يجمع خلالها مبلغ 100 مليار دولار.

ولطالما كانت العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة في صميم استراتيجية بقاء أسرة "آل سعود" في الحكم. وكانت أيضا في صميم نهج "محمد بن سلمان"، الذي بدا مصمما على دفع أي تكلفة لضمان ربط الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط بالتحالف مع المملكة، بعد التحرك المحوري للرئيس "باراك أوباما" تجاه آسيا، وتصميمه على إعادة إيران إلى الحظيرة الدولية.

وبعد قرار "ترامب" بالوقوف إلى جانب المملكة وحكامها بغض النظر عن أي شيء آخر، فمن المرجح أن تكون الأسابيع والأشهر القادمة بمثابة اختبار محتمل لقدرة "ترامب" على الحفاظ على هذا النهج لوقت طويل.

  كلمات مفتاحية

دونالد ترامب العلاقات الأمريكية السعودية سي آي إيه محمد بن سلمان قمة العشرين