حُماة ولي العهد السعودي لا يمكنهم وقف التكهنات بشأن مصيره

الأحد 25 نوفمبر 2018 05:11 ص

يقضي ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" ، على نحو لافت للنظر، مزيدا من الوقت، بالظهور العلني بجانب والده، منذ الإدانة الدولية لجريمة اغتيال كاتب عمود بصحيفة أمريكية في الشهر الماضي، يلتقون السعوديون ويصافحونهم في جولة في المناطق المحافظة، وقد افتتحا معا حديقة صناعية عملاقة الأسبوع الماضي.

في غضون ذلك ، أدلى "دونالد ترامب" بدلوه لحماية الأمير، وتجنب مرارا وتكرارا إلقاء اللوم عليه، في قضية مقتل "جمال خاشقجي" في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأشاد بالمملكة لدورها في تراجع أسعار النفط بشكل حاد.

بوجود هؤلاء الأشخاص الأقوياء بجانبه، قد تكون الآن الحكمة التقليدية، أن "محمد بن سلمان"، قد ينجو من تداعيات تنفيذ القتل الوحشي للناقد "جمال خاشقجي".

وبالفعل، فقد توجه "بن سلمان" إلى الجارة الإمارات الخميس لإجراء محادثات مع حليف رئيس، ويبدو أنه من المرجح على نحو متزايد، حضوره لقمة العشرين في الأرجنتين، لكن لايزال هناك الكثير من الأشياء المجهولة، بينما  أصبح مصير القائد الشاب موضوع الساعة في الرياض.

في محادثات بين دبلوماسيين، وسعوديين وأجانب، يعملون في المملكة منذ سنوات، ثمة سؤالين يترددان كثيرا على ألسنة الجميع: هل يمكن أن يظل "محمد بن سلمان" الوريث المختار للملك "سلمان"؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فماذا سيحدث لعمليات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي اللذين قادهما ولي العهد؟

من الصعب معرفة كيف ينظر كبار أفراد العائلة المالكة وزعماء القبائل والأجهزة الأمنية إلى الأمير بعد سلسلة من الفشل فى الخارج، والقمع للمنتقدين فى الداخل .

ويمكن أن يكون هناك تداعيات من قيامه بتهميش إمراء منافسين، خلال محاولته لتوطيد حكمه، فإصدار أحكام بالموت على 5 من بين 11 شخصا متهمين بقتل "خاشقجي"، قد يقوض ثقة الأجهزة الأمنية السعودية به، وهي الحصن الرئيسي الذي يملكه الأمير ضد المعارضة.

وقد يكون لدى تركيا أدلة على تورط الأمير، بشكل مباشر في مقتل "خاشقجي" داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، وهي الصلة التي قد تلهب خصومه في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.

جريمة الاغتيال، بغض النظر عن إذا ما كان ولي العهد قد أصدر الأمر بتنفيذها أم لا، كانت مغيرة لقواعد اللعبة، وفقا لـ"كامران بخاري"، المتخصص في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية في واشنطن، والباحث في معهد التنمية المهنية التابع لجامعة "أوتاوا".

وقال "بخاري": "لقد قلبت حادث الاغتيال حياة بن سلمان رأسا على عقب"، لقد تحول من رجل حصل على وعد بوظيفة دائمة، إلى شخص لا يعرف ما ينتظره بالمستقبل، وأيضا يلف الغموض حول ما إذا كان سيتمكن من الحكم فى المستقبل أم لا، إنها (جريمة قتل "خاشقجي") وصمة ستظل ترافقه وتقيده في فعل الكثير من الأمور".

ولي العهد سوق نفسه للغرب بصفته شابا جرئيا، الذي سيقوم بتحديث المملكة ومواجهة التطرف الإسلامي، الرجل الذي يشتهر في بـ"إم بي إس" يجسد السعودية الجديدة.

وجعلته خططته لبيع حصة في شركة النفط السعودية، محبوبا من قبل المصرفيين الدوليين، ووسط مجموعة من كبار السن في العائلة المالكة السعودية، تم تعيين ولي العهد لقيادة أكبر مصد للنفط (السعودية).. لكن الآن مستقبله أقل أمانا بكثير.

وكمؤشرات تدل على مدى ضيق المساحة المتاحة للمناورة، بعد إعلان "ترامب" يوم الثلاثاء، أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح لقتل "خاشقجي" بتعريض العلاقات مع المملكة للخطر ، انخفضت أسعار النفط بسرعة إلى نحو 50 دولارا للبرميل.

وقد يكون هذا التراجع مفيدا لإعادة تأهيل الأمير، لكنه سيزيد من الضغوط على الاقتصاد السعودي الذي ينمو ببطء، ووجه "ترامب" الشكر للمملكة، في دلالة على المقايضة وحث السعوديين على مزيد من خفض الأسعار.

لقد كان الرئيس واضحا في أن دعمه للأمير ضد أصوات قوية في الكونغرس، وتقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ألقي باللوم على الأمير في مقتل "خاشقجي" سوف يكون له ثمن.

وقال "ترامب" في بيان صدر تحت عنوان "أمريكا أولا"! إن الأهمية الاستراتيجية للمملكة تفوق الجريمة المروعة، وذكر أن المملكة "وافقت على إنفاق واستثمار 450 مليار دولار في الولايات المتحدة، وهذا مبلغ قياسي من المال".

وفي الداخل، بدا الملك "سلمان" هذا الشهر أول جولة شاملة للمملكة منذ توليه السلطة في عام 2015، وكان المغزى الضمني هو محاولة إصلاح بعض الأضرار في العلاقات مع المؤسسات الدينية والقبائل والأمراء الإقليميين نتيجة سياسات ابنه.

وبدا الملك برفقة ولي العهد، بزيارة القصيم، المنطقة الأكثر محافظة، حيث وعد الملايين بتنفيذ مشاريع تنمية في كل محطة من جولاته، ولم يعد يحظى مشروع ولي العهد المفضل بمدينة جديدة في الصحراء "نيوم" لمنافسة دبي، بالأولوية.

وقد استخدم الملوك السعوديون المال للحصول على الدعم الشعبي، أثناء أوقات الاضطراب، حدث ذلك بالتزامن مع انتشار الربيع العربي عبر الشرق الأوسط، عندما أعلن الملك "عبدالله" عن إنفاق مليارات الدولارات لتجنب الاضطرابات.

قد يكون الملك "سلمان" يراهن على أن التعهدات بالولاء له من قبل كبار السعوديين قد تحمي الأمير "محمد" لفترة كافية حتى يتم انحسار التداعيات، وخلال خطابه السنوي بمجلس الشورى، لم ينوه الملك لمقتل "خاشقجي"، بينما كان ابنه جالسا إلى جانب مفتي المملكة.

وقال "أيهم كامل"، رئيس قسم الأبحاث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة يوراسيا، إن الملك يعرف تماما كيف يؤسس جبهة داخلية لضمان عدم انقلابها على "محمد بن سلمان".

وأضاف: "إن الزيارات إلى مختلف المناطق ، ومن يجتمع بهم الملك هناك، والأموال التي يتم إنفاقها، كل ذلك جزءا من حزمة شاملة لضمان أن القيادة تنعم بالأمان، إنهم يفعلون ذلك للدفاع عن الخط الحالي للخلافة".

وعندما سألته شبكة "CNBC"، ما هي رسالته لهؤلاء الذين يقولون إن السعودية تحتاج تغييرا في النظام؟ وصف وزير الخارجية "عادل الجبير" ذلك بالفكرة "السخيفة".

وقال: "إن قيادة المملكة الممثلة في الملك وولي العهد هي خطر أحمر لكل رجل وامرأة سعودية".

وفي مقابلة يوم السبت، شكك رئيس سابق للاستخبارات السعودية، في تقرير الاستخبارات المركزية الي تجرم ولي العهد بمقتل "خاشقجي".

وقال الأمير "تركي الفيصل": إنه لا يمكن الاعتماد على المخابرات المركزية الأمريكية في الوصول لنتائج موثوق بها، مرددا أمام الصحفيين في أبوظبي إن السي.آي.إيه ليست لديها بالضرورة أعلى معايير الصحة والدقة في تقييم المواقف، الأمثلة على ذلك متعددة".

وأضاف أن النتائج التي توصلت إليها المخابرات المركزية الأمريكية بشأن امتلاك العراق لأسلحة كيميائية قبل الغزو الأمريكي في 2003 أثبتت عدم إمكانية الاعتماد عليها.

هذا الولاء، بالرغم من ذلك قد لا يكون كافيا، فولي العهد البالغ من العمر 33 عاما لديه عدد النقاد والأعداء الأقوياء في الولايات المتحدة الأمريكية - بينهم مشرعون- وفي أوروبا، حيث يتم النظر إليه بعداء متزايد بسبب حربه في اليمن وسجله في مجال حقوق الإنسان.

وعلى الصعيد المحلي، هناك أحاديث عن معارضة ملكية، وتكهنات بأن شقيق الملك، الأمير "أحمد"، الذي عاد من لندن قبل بضعة أسابيع يمكن أن يحل محله.

وقد تم تهميش عدد من أفراد العائلة المالكة البارزين، فيما  تولى ولي العهد قيادة الجيش والمؤسسات الأمنية ومعظم المؤسسات الاقتصادية في البلاد، كما ألقى بنظام الإجماع الذي كان معمولا به منذ عقود، وهي الخطوة التي على الأرجح التي تسببت في استياء بين الأمراء الكبار.

وقال "بخاري": "لابد أنه لديه قلق مستمر بشأن مستقبله"، "على الرغم من أنه قام بسجن منافسين محتملين، ورشوة آخرين، وقهر أفرادا آخرين من العائلة المالكة، فكيف يمكنه أنه يكون واثقا  عندما يدير ظهره، أنه لا يوجد من يتآمرون ضده في الكواليس".

وكمؤشر على ثقته في مصيره الخاص، جاء الإعلان عن حضوره قمة دول العشرين التي تبدأ 30 نوفمبر/تشرين الثاني، فالقادة الذين لا يشعرون بالأمان في الداخل، غالبا ما يتجنبون السفر للخارج، وذكرت قناة "العربية" التليفزيونية أن الأمير سيذهب إلى القمة بالأرجنتين.

المصدر | بلومبرغ

  كلمات مفتاحية

السعودية الوليات المتحدة الملك سلمان حماية ولي العهد جمال خاشقجي قمة العشرين دونالد ترامب