السيسي وحكمه الأبدي.. تعديلات دستورية ومعارضة منهكة

الجمعة 30 نوفمبر 2018 02:11 ص

"هل كان (الرئيس المصري) عبدالفتاح السيسي يقدم على خطوة طلب التفويض بممارسة القمع والديكتاتورية، وصولا إلى اتخاذه الدستور ملكية خاصة به، لولا أن مثقفين وسياسيين أظهروا أمامه نزوعا أكبر من نزوعه الشخصي نحو الاستبداد والإقصاء والإبادة؟".

بهذه الكلمات علق المعارض المصري الصحفي "وائل قنديل"، على الدعوات المتصاعدة في مصر، لتعديل الدستور، الذي لم يمر على إقراره 4 سنوات، في محاولة لتمديد فترة حكم "السيسي" لأعوام إضافية، ثم بقائه على رأس مجلس "حماية الدستور".

هذا التصاعد، برز حاليا بشكل واسع في أورقة الساسة وعلى ألسنة النواب والأذرع الإعلامية لــ"السيسي"؛ إذ تمّ تداول أنباء عن إتمام ذلك في دور انعقاد البرلمان المقبل، وتحديدا خلال مارس/آذار 2019.

هذا التعديل لم يجد أي صدى معارض، سوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت المتنفّس الوحيد -وإن كان بحذر وتحت رقابة وسوط الأجهزة الأمنية-، للكثيرين للتعبير عن رأيهم، ومنهم نواب برلمان، وحتى أعضاء في لجنة كتابة الدستور نفسه.

تمهيدات عدة

الحديث عن تعديل الدستور المصري لم يأت بين ليلة وضحاها، بل يروج له بعد أشهر من إقرار الدستور.

فسبق أن ألمح "السيسي" إلى عدم رضاه عن الدستور، في سبتمبر/أيلول 2015، قائلا: "الدستور المصري كُتب بنوايا حسنة، والدول لا تُبنى بالنوايا الحسنة فقط".

ومنذ ذلك الحين، تتوالى دعوات تعديل الدستور، بدعوى أنه كُتب في مرحلة انتقالية لا تتماشى مع المرحلة الحالية.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قال "السيسي"، في حوار مع شبكة "سي إن بي سي" الأمريكية إن "الدستور يمنح الحق للبرلمان وللرئيس في أن يطلبا إجراء تعديلات".

خطة تعديل

موقع "مدى مصر" (خاص) نقل عن 3 مصادر مختلفة في كل من رئاسة الجمهورية، وجهاز المخابرات العامة، ومجلس النواب، أن اجتماعات شبه يومية جارية من أجل الاستقرار بشكل نهائي على المواد التي سيتم تعديلها في الدستور، ونصوص المواد البديلة وموعد الاستفتاء.

وعلى الرغم من أن الجميع في مصر يعلم أن النظام يعد لتعديل الدستور، لكن أحدا لا يعرف على وجه الدقة ما المواد الدستورية التي يريد النظام تعديلها، في ظل حديث عن تعليمات أمنية لوسائل الإعلام ونواب الأغلبية البرلمانية "دعم مصر"، بعدم الحديث عن تفاصيل المباحثات.

ورغم التكتم الرسمي، قالت مصادر سياسية إن الخطة الحكومية تتمثل في أن تتقدّم الأغلبية البرلمانية، مدعومة من الحكومة، بمسودة التعديل في فبراير/شباط المقبل.

وتحدد المادة (226) من الدستور الحالي، إجراءات تعديل مواد الدستور قائلة: "لرئيس الجمهورية أو لخُمس أعضاء مجلس النواب، طلب تعديل مادة، أو أكثر من مواد الدستور، ويجب أن يُذكر في الطلب المواد المطلوب تعديلها وأسباب التعديل".

وتحتاج الدولة لمدخل شكلي مقبول مجتمعيا، ويمكن استغلاله في الخطاب الموجّه للخارج أيضا، لضمان تعديل باقي المواد المراد تعديلها بسرعة.

وحسب المصادر، فإن هناك رغبة لدى النظام في تمرير هذه التعديلات قبل نهاية الدورة الرئاسية الأولى للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، الذي يعتبر النظام وجوده هو الضمانة الأولى لتمرير هذه التعديلات خارجيا دون أزمات.

حلم البقاء

هذه التمهيدات وخطة العمل، فتحت الباب أمام الكثيرين للحديث عن ضرورة منح "السيسي" صلاحيات أوسع ومددا أطول.

ووفقا لمصادر مطلعة، فإن الحكومة تخطط لإبقاء "السيسي" في موقعه على رأس السلطة التنفيذية وقمة المؤسسة العسكرية لما بعد عام 2022، وهو الموعد المقرر لانتهاء فترته الرئاسية الثانية والأخيرة.

فالمقترحات، حسب المتداول، هو زيادة مُدة الرئاسة لتكون ستّ سنوات بدلا من أربع، وذلك مع الإبقاء على الحد الأقصى لفترتين.

ولإبقاء "السيسي"، لأكثر منذ ذلك، تدرس السلطات إنشاء ما يسمى بـ"المجلس الأعلى لحماية الدستور"، تكون له صلاحيات واسعة في الحفاظ على "هوية الدولة" وحماية الأمن القومي للبلاد في حالة تولي قيادة سياسية جديدة.

كما تخطط لتعيين "السيسي" رئيسا لهذا المجلس مدى الحياة، سواء كان في السلطة أو تركها.

وهذا ما أشار إليه سابقا الكاتب المقرّب من "السيسي"، رئيس تحرير صحيفة "الأخبار" (حكومية) "ياسر رزق"، في مقال له نُشر في أغسطس/آب الماضي قال فيه متعجبا: "يتصور الإخوان أن السيسي حين تنتهي رئاسته في الموعد الدستوري الذي يرتضيه الشعب، سيجلس في منزله يشاهد التليفزيون أو يدوّن مذكراته، وسيكتفي بأن ينزوي في الظلال تاركا مصائر البلاد والعباد نهبا لأهواء أصحاب الهوى!".

ومن المتوقع أن تشمل التعديلات تقليص عدد أعضاء مجلس النواب؛ بحيث لا يزيد على 350 عضوا بدل 596 عضوا حاليًا، بالإضافة إلى تقليص صلاحيات البرلمان في تشكيل الحكومة وسحب الثقة منها ومحاسبة رئيس الجمهورية، وإلغاء المادة 241 الخاصة بالعدالة الانتقالية، والتي تنصّ على التزام مجلس النواب بإصدار قانون للعدالة الانتقالية.

معارضة إلكترونية

هذه التحركات، وجدت معارضة ضعيفة على مواقع التواصل، كان أبرزها ما صرح به عضو "لجنة الخمسين" التي كتبت الدستور الحالي "عمرو صلاح"، عبر منشور له على صفحته على "فيسبوك".

وعبر "صلاح"، عن رفضه "جملة وتفصيلا"، أي نية أو اتجاه لتعديل النصوص المحددة لمدد الرئاسة أو عدد سنواتها، أو تلك المتعلقة بالحقوق والحريات في هذا الدستور.

وأضاف: "سيظل هذا موقفي الذي يُرضي ضميري، وحدّه الأدنى توضيحه أو التعبير عنه أو التأكيد عليه".

وتابع "صلاح"، الذي كان يشغل منصب المقرر المساعد للجنة الحقوق والحريات في اللجنة التي كتبت الدستور: "هو موقف ثابت إدراكا من أن أي مساس بمدد الرئاسة في الدستور المصري أو سنواتها هو من شأنه ترسيخ نظام استبدادي، وإلحاق الضرر البالغ بمستقبل مصر، والقضاء على فرص أي تحول ديمقراطي أو تداول للسلطة آمن وسلمي".

وأعادت شخصيّات عامّة مصرية مشاركة منشور "صلاح"، ومنهم النائب عن تكتل (25/30) "هيثم الحريري"، والكاتب الصحفي "أنور الهواري".

إضعاف المعارضة

هذه التحركات تأتي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره المتنفس الوحيد الآن بعد الضعف والوهن الذي تشهده المعارضة، نتيجة انقسامها، خلال السنوات الأخيرة.

الانقسام ليس السبب الوحيد لضعف المعارضة في مصر، بل إن حملات القمع والاعتقال والتشهير، التي يقوم بها النظام ضد معارضيه، والتي لا يقف أمامها أي خطوط حمراء، سببا آخر في تراجع دور المعارضة في مصر.

واعتقلت السلطات عشرات الآلاف من المصريين، منذ الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب في البلاد "محمد مرسي"، صيف 2013.

وبعيدا عن قيادات الصفوف الأولى للإخوان والجماعات الإسلامية المؤيدة لها، القابعين في السجون والصادر ضدهم أحكام بالإعدام والسجن، اعتقلت السلطات رئيس أركان الجيش المصري الأسبق "سامي عنان"، ورؤساء أحزاب سياسية كرئيس حزب مصر القوية "عبدالمنعم أبوالفتوح".

كما أن تيار اليسار لم يسلم من الاعتقالات، وسط حملات تهديد وتشويه لصورة المعتقلين، وتوجيه لهم تهم جنائية، بدعوى الإرهاب والمحافظة على الأمن القومي.

وخلال السنتين الأخيرتين، انتشرت ظاهرة الإخفاء القسري للمعتقلين، والتي قد تمتد لأشهر، دون التفرقة بين إن كان المعتقل ذكرا أم أنثى.

كما شاعت عمليات التصفيات الجسدية للمعتقلين، بعد أسابيع أو أشهر من إخفائهم قسريا، وسط ادعاءات من الشرطة، أنهم قتلوا جراء اشتباكات مع القوات الأمني خلال القبض عليهم.

السلطات المصرية، سيطرت أيضا على وسائل الإعلام كافة، وضمتها تحت أجنحتها لمنع أي صوت معارض، كما حجبت مئات المواقع الإلكترونية، وشددت الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وعلى الرغم من اقتناع أطياف المعارضة أن التوحد هو الحل الوحيد لخروج مصر من أزمتها، وإسقاط نظامها الحالي، لكن دعوات عدة للتوحد لم تلق نجاحا خلال السنوات الأخيرة.

وخلال فترة الانتخابات الرئاسية الأخيرة (منتصف 2018)، التي فاز بها "السيسي" بفترة رئاسية ثانية، شهدت الساحة السياسية حراكا غير معتاد، وصل حد الدعوة لتشكيل جبهة معارضة تكون نواة لإسقاط النظام في مراحل تالية، لكن هذه الدعوات وئدت بفعل النظام.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السيسي تعديل الدستور مصر البرلمان معارضة مجلس حماية الدستور