الثمن الذي سيطلبه أردوغان من ترامب لإنقاذ بن سلمان؟

الجمعة 30 نوفمبر 2018 03:11 ص

في مارس/آذار 2015، هبط رئيسان في السعودية في يومين منفصلين. الأول كان رئيس تركيا "رجب طيب أردوغان"، الذي هبط في مطار جدة، وكان في استقباله محافظها وبعض مساعديه. والثاني هو "عبد الفتاح السيسي"، الذي هبط في الرياض واستقبله الملك الجديد "سلمان بن عبدالعزيز" بتكريم ملكي.

وجاء كلاهما لتهنئة "سلمان" على صعوده إلى العرش. لكن الرسالة السعودية كانت واضحة. كان "السيسي"، منافس "أردوغان"، ضيف الشرف، بينما كان "أردوغان" مجرد مرشح للعضوية في النادي السعودي.

لكن بالنسبة لـ"أردوغان"، أثبتت هذه الزيارة أنها نقطة تحول تاريخية. فبعد فترة طويلة من العلاقات المتوترة مع الرياض، وخاصة في ظل الملك السابق، "عبدالله بن عبدالعزيز"، والتصادمات مع مصر، حصل "أردوغان" على إقرار من السعودية بأهمية العلاقة مع تركيا.

وبعد 3 أعوام، وصلت رحلة "أردوغان" إلى القمة. والآن، فإن ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" هو الذي يسعى لعقد اجتماع مع "أردوغان"، والرئيس التركي لا يسارع لمنحه تلك المقابلة.

مباراة ضد أمريكا

وفي "بوينس آيرس"، حيث انطلقت قمة مجموعة العشرين الجمعة، يترقب الناس ما إذا كان الزعيمان (التركي والمصري) سيلتقيان ويتفقان على تبرئة "بن سلمان" دوليا. أو ربما سيتعين عليهما الاجتماع مع الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب".

وسيكون من دواعي سرور "ترامب" أن يرمي بمقتل الصحفي "خاشقجي" وراء ظهره ويواصل العلاقات مع السعودية وكأن شيئا لم يحدث. وفي هذا الصدد، رفض "ترامب" استنتاج وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه) بأن "بن سلمان" هو من أمر بالقتل. ومنح الرئيس الأمريكي النظام القضائي السعودي مباركته، وقام باستغلال (إسرائيل) لتصبح محامي الدفاع عن الأمير. والآن يريد المضي قدما في عقود الأسلحة المخطط لها مع الرياض بقيمة 110 مليارات دولار.

لكن "أردوغان" ليس في عجلة من أمره. ولا تزال الشرطة التركية وأجهزة الاستخبارات تبحث عن دلائل على جثة "خاشقجي"، وعن المتعاون المحلي المزعوم الذي تخلص منها، ولم يتم تسريب جميع المقاطع المسجلة إلى الجمهور. ويبدو أن "أردوغان" يملك قنابل متفجرة أكثر ضد ولي العهد، أو على الأقل فإنه سيواصل التلميح إلى امتلاكه لمثل هذه الأدلة.

ويعود ذلك لكون مباراة المصارعة الحقيقية بين "أردوغان" وأسلحته ليست ضد "بن سلمان" وحده أو السعودية، بل ضد الإدارة الأمريكية نفسها. وقد خلصت تركيا إلى أن "ترامب" سيفعل أي شيء لإنقاذ "بن سلمان" من هذه الفوضى وحماية السعودية من الزلزال الذي سيهز المملكة إذا ثبت أن الأمير مسؤول بشكل مباشر عن جريمة القتل. وفي هذه الحالة، ستكون المطالب بمحاكمة "بن سلمان" أمام محكمة دولية أقل ما يثير قلق "ترامب".

وربما يكون "أردوغان" على استعداد لمساعدة "ترامب"، لكن ليس مجانا. ويعد مصدر قلقه الرئيسي هو تعاون أمريكا الوثيق مع وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا، التي يعتبرها "أردوغان" تهديدا حقيقيا لتركيا.

وقال "أردوغان" في خطاب موجه إلى واشنطن: "هذه فرصة لأولئك الذين يزعمون أنهم حلفاء وشركاء استراتيجيون ويريدون تعزيز العلاقات ... ونقلها إلى المستقبل. وسنقر بأنهم يقفون إلى جانب تركيا عندما يتوقفون عن الوقوف كدروع أمام الجماعات الإرهابية".

ويعد قرار أمريكا بإنشاء مراكز مراقبة تديرها القوات الأمريكية على طول الجزء الغربي من الحدود السورية التركية قرارا غير مقبول لتركيا. ووفقا لوزير الدفاع الأمريكي "جيمس ماتيس"، فإن هذه البؤر الاستيطانية ستسمح للأمريكيين "بالاتصال بالأتراك وتحذيرهم" من أي خطر يقترب. لكن تركيا لم تخف شكها في أن المواقع الاستيطانية موجودة بالأساس لحماية المقاتلين الأكراد من هجوم تركي.

وهدد "أردوغان"، هذا الأسبوع، قبيل اجتماع لمجلس الأمن القومي دام أكثر من 4 ساعات، قائلا: "يقترب اليوم الذي سنسحق فيه هؤلاء الإرهابيين". ومن جانبها حذرت واشنطن من أنه إذا تحركت القوات التركية إلى شرق سوريا، فإن ذلك قد يثير اشتباكات مع القوات الأمريكية، لكن "أردوغان" لا يظهر أي علامات على التراجع.

وتعتبر تركيا الأكراد السوريين مصدر قلقها الأمني ناهيك عن كون القضية تخدم مصالح "أردوغان" في الانتخابات المحلية المقررة في مارس/آذار. ويعتبر الحديث العدواني عن الولايات المتحدة، والوقوف بحزم ضد الأكراد، وحماية الحدود، كلها أمور جيدة بالنسبة لحزب "أردوغان" لخوض هذه الانتخابات، التي ستكون بمثابة استفتاء جديد على "أردوغان".

ويسبب موقف "أردوغان" الذي لا هوادة فيه معضلة خطيرة لـ"ترامب". فهل يفضل تركيا على الأكراد، أم أنه سيواصل دعم واشنطن الحيوي للقوات التي أثبتت فعاليتها في الحرب ضد تنظيم الدولة، والتي يمكن أن تخدم الآن كذريعة لبقاء القوات الأمريكية في سوريا؟

لكن في هذه المرة، هناك ورقة لعب أخرى في يد "أردوغان". فمع وجود ورقة "بن سلمان"، ومعه المعركة ضد إيران، قد يقرر "ترامب" أن على الأكراد دفع ثمن علاقات أمريكا مع السعودية.

"أردوغان" وروسيا

ولا يمثل ذلك مشكلة "ترامب" الوحيدة مع "أردوغان". ولم يحدد "ترامب" بعد ما الذي يجب فعله بشأن الصفقة التي وقعتها تركيا لشراء صواريخ إس-400 من روسيا. وعلى الرغم من ضغوط الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى، فإن "أردوغان" لم يستسلم.

علاوة على ذلك، أعلن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" هذا الأسبوع أن روسيا وتركيا قررتا عدم استخدام الدولار كوسيلة للتداول في الصفقة. وقال "بوتين" إنه يعارض استخدام العملات كأداة لممارسة الضغط، في إشارة جزئية إلى العقوبات الأمريكية على إيران، التي تمنع إيران بموجبها من إجراء المعاملات بالدولار باستخدام البنوك الأمريكية.

وجاء هذا الإعلان بعد أيام قليلة من قيام "بوتين" و"أردوغان" بافتتاح الجزء المغمور من خط أنابيب الغاز الجديد بين روسيا وتركيا.

وسيمكن ذلك روسيا من بيع الغاز لأوروبا دون المرور عبر أوكرانيا.

وتجدر الإشارة إلى أنه منذ عامين ونصف فقط، كانت العلاقة الروسية التركية دخلت في حرب باردة بعد إسقاط تركيا لطائرة روسية. وعانت تركيا من ضربة اقتصادية قاسية بعد توقف السياحة من روسيا، وتجميد الصادرات الزراعية التركية إلى روسيا، وإغلاق أبواب المصانع التركية في موسكو.

وتلقى "أردوغان" رسالى موسكو وقرر تقديم اعتذار، وتوصل لاحقا إلى اتفاقيات غير مسبوقة مع روسيا حول الحرب السورية وطبيعة العلاقة بين أنقرة وموسكو. والآن، يمكن لـ"أردوغان" استخدام علاقته مع روسيا كطريقة للضغط على واشنطن.

كما أعطت جريمة قتل "خاشقجي" مكافأة غير متوقعة لـ"أردوغان" من حيث العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. وقبل هذه الحادثة المروعة، كان "أردوغان" يهاجم في أوروبا كأحد منتهكي حقوق الإنسان بسبب الإجراءات المشتددة في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشل. لكن بعد القتل الوحشي لـ"خاشقجي"، نجح "أردوغان" في إعادة تقديم نفسه كليبرالي مدافع عن حقوق الإنسان، ونتيجة لذلك قرر الاتحاد الأوروبي استئناف المحادثات حول انضمام تركيا إلى الاتحاد، بعد توقف دام عامين.

كما فازت تركيا بالثناء الأوروبي لتحقيق 66 من 72 شرطا حددها الاتحاد الأوروبي للسماح للأتراك بالسفر إلى أوروبا بدون تأشيرات.

وكان طلب تركيا السفر بدون تأشيرة شرطا أساسيا للاتفاق الذي وقعته مع الاتحاد الأوروبي لوقف تدفق اللاجئين عبر تركيا إلى أوروبا.

وحققت تركيا معظم هذه الشروط في وقت قصير بعد توقيع الاتفاق. لكن البنود الـ6 الباقية، التي تشمل تغيير قوانينها الصارمة لمكافحة الإرهاب، وتوقيع اتفاقات بشأن التعاون الشرطي والقضائي مع كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، ما زالت تشكل عقبة رئيسية؛ حيث ترى تركيا قوانين مكافحة الإرهاب كأداة حيوية في حربها ضد الأكراد، كما يتطلب توقيع اتفاقات التعاون من تركيا الاعتراف بقبرص اليونانية.

وفي هذه الأثناء، يمكن لـ"أردوغان" أن يحتفي بالثناء الأوروبي كإنجاز له في ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد من ارتفاع التضخم والبطالة، فيما يبقى السؤال الرئيسي حول إذا ما كان "أردوغان" مستعدا بالفعل لتقديم تنازلات لإنقاذ "بن سلمان" وإذا ما كانت واشنطن مستعدة لدفع الثمن الذي ستطلبه تركيا.

## المقال المنشور يعبر عن رأي كاتبه

  كلمات مفتاحية

تركيا أمريكا السعودية خاشقجي محمد بن سلمان أردوغان ترامب