مقابلة مع ‏الرجل الذي درب فريق هجمات 11 سبتمبر

السبت 1 ديسمبر 2018 11:12 ص

لم يبد على الرجل الجائع، رث المظهر، الذي استسلم عند نقطة تفتيش صحراوية نائية تابعة للأكراد، المتحالفين مع الولايات المتحدة، هذا العام، أي علامات على أنه أدى في يوم من الأيام دورا مهما في واحدة من أكبر الحوادث في التاريخ الأمريكي.

وبحسب تقرير صحيفة "واشنطن بوست"، كان يعرُج متأثرا بإصابات في ركبتيه، ولحيته متلبدة ويملؤها القمل، ووصل إلى تلك النقطة فارا من تنظيم "الدولة الإسلامية".

وبعد أن أفصح عن هويته وجرى تفتيشه، وصل التأكيد، حيث كان هو "محمد حيدر زمار"، الرجل الذي جند الخاطفين الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، وتسببوا في مقتل أكثر من 2900 شخص، دافعين الولايات المتحدة إلى صراع لا ينتهي.

وفي أول مقابلة له مع مؤسسة إخبارية أمريكية منذ عام 2001، أجريت في حضور الحراس الأكراد الذين يحتجزونه داخل سجن على مشارف مدينة القامشلي السورية، سرد "زمار" أحداث رحلته منذ الأيام الأولى لمعسكرات تنظيم "القاعدة" في أفغانستان إلى ساحات معارك "الدولة الإسلامية" في سوريا، وصولا لعملية تسليم يُعتقد أن وكالة الاستخبارات المركزية "CIA"، هي من أمرت بها.

وبحسب روايته، لم يلعب "زمار" سوى دور هامشي في الأحداث التي تكشفت، وهو دور صغير في تاريخ الحركة المسلحة، لكنه كان حاضرا في العديد من معالمه، حيث يظهر في اللحظات الحاسمة ليلتقي بالعديد من الشخصيات الرئيسية.

ويُظهر تاريخه إلى أي مدى حافظ التهديد الإرهابي دائم التطور، الذي يواصل استحواذه على الولايات المتحدة على بقائه إلى حد كبير، بواسطة مجموعة أساسية من العناصر المسلحة التي تقدم بها العمر الآن، بعد أن تربت تحت يد "أسامة بن لادن".

و"زمار" البالغ حاليا 57 عاما، ويحمل الجنسيتين السورية والألمانية، أصبح "ظلا مُنكمشا لرجل ضخم البنية كثيف اللحية، ألقى في يوم من الأيام محاضرة على شباب مسلمين داخل مسجد القدس في هامبورغ، عن وجوب الخروج إلى الجهاد".

وتتابع الصحيفة أنه "لا يسمح مُعتَقلِوه للسجناء بإطلاق لحاهم، فضلا عن أنه كان يجب أن يحلق لحيته بسبب القمل"، كما أفاد في المقابلة التي أجريت بحضور اثنين من حراسه.

الهجرة لألمانيا في طفولته

وبحسب تقرير صحيفة "واشنطن بوست"، انتقلت عائلة "زمار" إلى ألمانيا وهو في العاشرة من عمره، وحاول المُشاركة في صراع مُسلح للمرة الأولى عام 1982، وهو تاريخ يسبق ما أشارت إليه تقارير سابقة.

ثم سافر إلى الأردن في محاولة لدخول سوريا بهدف الانضمام إلى مسلحين ينتمون لـ"الإخوان المسلمون"، يعملون ضد عائلة "الأسد" الحاكمة.

لكن السلطات الأردنية أعادته من حيث أتى، وخلال الرحلة التقى برجل لعب دورا كبيرا في مستقبله؛ "محمد بهايا"، الشهير بـ"أبو خالد السوري"، الذي أصبح فيما بعد شخصية رئيسية في الصراع السوري الدائر.

واستجابة لدعوة "بهايا"، زار أفغانستان للمرة الأولى عام 1991 ليتلقى تدريبا عسكريا داخل واحد من معسكرات القتال التي يديرها "بهايا".

وعلى مدار العقْد التالي، تنقل "زمار" وسط الدوائر الإسلامية المسلحة، وسافر إلى أفغانستان باستمرار، وتطوع لتنفيذ مهمة مع المُسلحين التابعين لـ"القاعدة" خلال الحرب البوسنية، كما زار لندن، حيث صادق الداعية الأردني الفلسطيني "أبو قتادة"، وهو شخصية بارزة تشتبه الولايات المتحدة منذ وقت طويل في أن له صلة بـ"القاعدة"، بحسب ما جاء في الصحيفة.

في أثناء ذلك، كَوَّن "زمار" دائرة أتباع خاصة به في مسجد القدس بهامبورغ، تحولت إلى مغناطيس يجذب بعض الشباب في المدينة، حسب الصحيفة.

ويقول "زمار" إنه فشل في أن يصبح إماما أو داعية في المسجد، لأنه لم يتمكن من حفظ القرآن، لكنه عقد لقاءات منتظمة مع مجموعات صغيرة من الرجال الذين كانوا يُصلون هناك، بغرض إقناعهم بأن عليهم أداء فريضة الجهاد نيابة عن جميع مسلمي العالم والسفر إلى أفغانستان لتلقي تدريب عسكري.

خلية أبراج التجارة العالمية

وبحسب ما يتذكر، كان أول عضو التقاه في خلية هامبورغ هو "رمزي بن الشيبة"، اليمني المُحتجز حاليا في معتقل "غوانتانامو"، للاشتباه في تورطه بمُخطط 11 سبتمبر/أيلول.

وقد التقى إثر ذلك بـ"محمد عطا"، قائد الخاطفين، الذي قاد أول طائرة من أصل طائرتين ضربتا برجي مركز التجارة العالمي.

ويتذكر "زمار" أن "عطا" كان "رجلا صالحا" يمتلك "معايير أخلاقية رفيعة"، ثم تعرف على البقية: "مروان الشحي، الإماراتي الذي قاد الطائرة التي ضربت البرج الثاني، وزياد سمير جراح، اللبناني الذي قاد الطائرة التي تحطمت داخل حقل في بنسلفانيا، بعد أن تغلب الركاب على الخاطفين، فضلا عن أربعة آخرين من المجموعة التي أقنعها زمار كذلك بالسفر إلى أفغانستان".

ويقول: "لم يكن الأمر سهلا، فقد كانوا يدرسون في الجامعة، في حين كنت أقول لهم على سبيل المثال إن شخصا سيهُاجمهم ويعتدي على شرفهم وممتلكاتهم، وهم لا يستطيعون استخدام مسدس. لا توجد دولة في العالم من دون جيش يُدافع عنها، لكننا نحن المسلمين لا نمتلك جيشا".

لم أكن أعلم شيئا

أثارت رحلات "زمار" وعلاقاته شكوك السلطات الألمانية، التي حذرت وكالات الاستخبارات المركزية الأمريكية، وبدأت بدورها مراقبة تحركاته واتصالاته الهاتفية.

لكنه استمر في السفر كثيرا، و"في أواخر عام 1999 زار "زمار" أفغانستان مرة أخرى بالتزامن مع زيارة "عطا"، والزيارة الأولى لعدد آخر من أعضاء خلية هامبورغ إلى البلد، وكانوا يحملون معهم مقترحهم بضرب المباني الأمريكية بالطائرات"، وفقا للمحققين.

ويقول "زمار" إن تزامن زيارته مع زيارتهم كان محض مصادفة، إذ إنه وصل بعد وصولهم بفترة وجيزة ولم يتواصل معهم أو يعرف كيف وأين قضوا وقتهم، وفقا لما أدلى به.

ويُضيف أن لقاءه الوحيد مع زعيم "القاعدة"، "أسامة بن لادن"، جرى خلال تلك الرحلة، وهو يتذكره بكثير من التبجيل؛ ويعتقد أن "بن لادن" استدعاه للقاء بسبب علاقته بالرجال الذين يجري إعدادهم لهجمات 11 سبتمبر/أيلول، ورغبته في التعرف عليه.

يزعم أنه لم يتواصل مع "بن لادن" أو "عطا" أو الآخرين بعد ذلك اللقاء، وأنه فوجئ بوقوع الهجمات مثل أي شخص آخر.

كان ذلك هو الاستنتاج السائد في أوساط السلطات الألمانية في ذلك الوقت، وفقا لـ"غيدو شتاينبرغ"، الذي حقق في تورط "زمار" في الهجمات بالنيابة عن الحكومة الألمانية، ويعمل الآن كبير الباحثين في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية.

خلص التحقيق الألماني إلى أن أعضاء خلية هامبورغ راودهم الشك في أمر "زمار"، ويرجع أحد أسباب ذلك إلى كونه "ثرثارا للغاية" كما أفاد "شتاينبرغ".

ولم يتوصل المحققون الأمريكيون إلى استنتاج قاطع بشأن تورط "زمار" المحتمل، لكنهم يعتقدون أيضا أنه كان ثرثارا أكثر من اللازم، ليُعهد إليه بمعلومات حول مخطط 11 سبتمبر/أيلول، وفقا لـ"علي صوفان"، العميل السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي"، الذي يُدير الآن مركز "Soufan Center" المختص بمكافحة الإرهاب.

ورفض كل من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي والجيش الأمريكي ووزارة العدل التعليق على قضيته.

مُعتقل في سوريا

وضعت هجمات 11 سبتمبر/أيلول، "زمار" تحت دائرة الضوء لفترة وجيزة، إذ استجوبته الشرطة الألمانية وبحث عنه الصحافيون لإجراء مقابلات معه.

وبعد مرور 3 أشهر على وقوع الهجمات، اختفى عن الأنظار.

ويضيف تقرير صحيفة "واشنطن بوست" أن الشرطة المغربية ألقت القبض عليه ورحلته إلى سوريا أثناء زيارته للمغرب.

وذُكر أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لعبت دورا كبيرا في القبض عليه، ونقله في ذلك الوقت، لكن زمار يقول إنه لا يذكر لقاء أي أمريكيين خلال تلك العملية.

وعلى مدار الاثني عشر عاما التالية، احتُجز داخل سجن صيدنايا سيئ السمعة على أطراف دمشق، حيث تعرض للتعذيب ووضع في الحبس الانفرادي لشهور طويلة كما يقول.

وفي 2008، حُكم عليه بالسجن 12 عاما ليس بسبب علاقته بالقاعدة، بل لمحاولته الانضمام إلى الثورة المسلحة عام 1982، المحسوبة على "الإخوان المسلمون" في سوريا ضد النظام.

وعام 2013، أُطلق سراحه مع 6 إسلاميين آخرين في اتفاقية لتبادل الأسرى مقابل عدد من ضباط الجيش النظامي السوري، وأجرى المفاوضات صديقه القديم "بهايا" (أبو خالد السوري) الذي انتقل إلى سوريا ليُصبح قياديا بارزا في جماعة "أحرار الشام" السلفية المُعارضة، وقتل في أعقاب ذلك، في انفجار وقع العام الماضي، ويُشتبه أن تنظيم "الدولة الإسلامية" هو من نفذه.

وبمجرد إطلاق سراحه، اختار "زمار" الانضمام إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" المُشكل حديثا؛ لكن صحته كانت في حالة مُتردية نتيجة السنوات التي قضاها داخل السجن، كما يقول، وأصيب في ركبتيه خلال حادث سيارة، وهو ينكر أنه أدى أي دور بارز في التنظيم، ولا توجد أدلة على ذلك.

ويقبع "زمار" الآن داخل زنزانة سجن آخر إلى جوار 30 مسجونا من تنظيم "الدولة الإسلامية" يحتجزهم الأكراد، ويقول الأكراد إنهم يرغبون في التخلص منه هو وجميع الأسرى من تنظيم "الدولة الإسلامية" الذين يحتجزونهم.

ويقول "زمار" إنه يرغب في العودة إلى ألمانيا ليلتئم شمله بزوجته الأولى التي لم يرها منذ عام 2001.

لكن الحكومة الألمانية لم تُبد اهتماما بإعادته إلى أرض الوطن، سواء هو أو أي من الألمان الآخرين الذين سافروا للقتال في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية"، ويقبعون الآن في الحجز الكردي.

وبحلول نهاية المقابلة، اقتيد "زمار" بعيدا،  قائلا إنه يرغب في توجيه رسالة إلى الرئيس "ترامب" وقادة أوروبا وأي شخص ذي منصب: "يجب أن تخافوا الله، يجب أن تخافوا خالقكم، أقسم أن الله سيحاسبكم".

  كلمات مفتاحية

سوريا ألمانيا القاعدة تنظيم الدولة الإسلامية إرهاب أحداث سبتمبر برجي التجارة

بعد 18 عاما.. ماذا حدث لمدبري هجمات 11 سبتمبر؟