كارنيغي: السيسي يحصن حكمه في منطقة خضراء شرقي القاهرة

الجمعة 7 ديسمبر 2018 06:12 ص

"وهكذا سوف يَستكنّ السيسي، ربما بحلول العام 2020 أو قرابة هذا العام، في منطقته الخضراء الجديدة المحصنة".

هكذا سلط مركز "كارنيغي" للشرق الأوسط، الضوء على العاصمة الإدارية الجديدة لمصر، التي أوكِلت إلى الجيش مهمة بنائها وإدارتها، على بعد نحو 28 ميلاً في الشرق الصحراوي لمدينة القاهرة.

وترى الباحثة "ميشيل دنّ"، في تقريرها عما وصفته بـ"قلعة السيسي"، أن العاصمة الإدارية أشبه بالمنطقة الخضراء في بغداد، حيث سيمارس "السيسي" حكمه إلى أجل غير مسمّى خلف طوق أمني، معزولاً عن مطالب سكّان البلاد الذين يبلغ عددهم أكثر من 97 مليون نسمة.

ولن يكون الوصول إلى المدينة التي أطلِق عليها مؤقتاً "وديان"، متاحاً للجميع، بل سيخضع لقيود وضوابط، في واقع يعيد بناء جدار الخوف الذي يفصل المواطنين عن الدولة، والذي تجاوزته ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

ممارسات قمعية

"دن" وهي باحثة معنية برصد التغييرات السياسية والاقتصادية في البلدان العربية، خصوصاً في مصر، ترى أن القمع كان عنوانا لحكم "السيسي"، وتقول إن ممارساته القمعية لا تقف عند حدود "الإخوان" بل تذهب أبعد من ذلك بكثير. 

ووفقاً للتقديرات، زجّ نحو 60 ألف شخص من مختلف الأطياف الأيديولوجية في السجن لدوافع سياسية، وقد تعرّض عددٌ كبير منهم للتعذيب، بما في ذلك الاعتداءات الجنسية، فضلا عن سن قوانين قمعية جديدة لمكافحة التظاهرات و"الإرهاب" (الذي جرى توسيع تعريفه ليشمل المعارضة غير العنفية)، في محاكمات جماعية أصدرت أحكاماً بسجن المئات لسنوات أو بالإعدام.

كذلك تعرضت وسائل إعلام مستقلة، مواقع إلكترونية إخبارية، برامج ساخرة، أحزاب سياسية، منظمات أهلية، لهجوم ضار من جهاز أمن الدولة (الأمن الوطني) الذي اكتسب صلاحيات واسعة في عهد "السيسي"، وطال نفوذه من دعموا انقلاب 3 يوليو/تموز 2013.

بحلول العام 2018، أصبح معظم المصريين الذين أدّوا أدواراً مهمة في الحياة العامة بين منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وانقلاب 2013، في السجن أو في المنفى خارج البلاد في إطار عمليةٍ شكّلت هجرة عقول واسعة.

أما مَن مكثوا في البلاد فقد لازمهم هاجس الصمود وتأمين لقمة العيش وسط الظروف الاقتصادية العصيبة مع إبقاء رؤوسهم مطأطأة وأصواتهم أيضا، بحسب "كارنيغي".

عسكرة الاقتصاد

ومن المقرر أن تخضع العاصمة الإدارية "وديان" لسيطرة الجيش، بحسب تصريحات العميد "خالد الحسيني سليمان" قال خلالها: "سوف يتسلّم الجيش مركز القيادة والسيطرة، وسوف يأخذ على عاتقه إدارة المدينة بكاملها وضبطها عن طريق المركز". 

ويمتلك الجيش المصري حصة مسيطرة في العاصمة الجديدة، إلى جانب وزارة الإسكان، ويشكّل هذا الترتيب المريح "الإنجاز" الكبير الثاني لـ"السيسي" في غضون 5 سنوات: "إعادة توجيه الاقتصاد المصري، وكذلك المنظومة السياسية بما يصبّ في مصلحة الجيش"، وفق "كارنيغي". 

ويؤكد التقرير أن الأنشطة الاقتصادية للجيش المصري، في عهد "السيسي"، بلغت مستوى جديداً، وباتت الشركات العسكرية، أو ما يُسمّى بالشركات الخاصة التي يرأسها ضباط عسكريون حاليون أو متقاعدون، تستحوذ، بسهولة أكبر من أي وقت مضى، على معظم العقود الحكومية. 

وتشرف وزارة الإنتاج الحربي ووزارة الدفاع، فضلاً عن الهيئة العربية للتصنيع المملوكة من الجيش، على عشرات الشركات (المعفية من الضرائب) التي تتنوّع إنتاجاتها بدءاً من الأسلحة مروراً بشق الطرقات الخاضعة لرسم مرور وصولاً إلى الأدوات الكهربائية والمواد الغذائية المخصصة للسوق التجارية. 

وفي محاولة لإنعاش العاصمة الجديدة، تمارس الحكومة المصرية ضغوطا على الدبلوماسيين الأجانب من أجل الانتقال إليها، في وقت فيه تبدي بعثات كثيرة تردداً في الالتزام باستئجار عقارات باهظة التكلفة، لكنها تلقت تهديدا ضمنيا بأنه لا يمكن ضمان سلامتهم في حال اختاروا البقاء في القاهرة. 

قلعة الرمال

ويرصد "كارنيغي" حجم التدهور في الحياة السياسية، مرورا بتنصنيف "الإخوان المسلمون" في خانة التنظيمات الإرهابية وحظر حزبهم السياسي، وإضعاف الأحزاب العلمانية (المصريين الأحرار والدستور والوفد)،  كي لا يبقى حزب سياسي أو زعيم بارز مستقل واحد واقفا على قدمَيه، وإقصاء 3 عسكريين (أحمد شفيق، سامي عنان، أحمد قنصوة)، حاولوا تحدّي "السيسي" خلال سعيه للفوز بولاية رئاسية ثانية في العام 2018، في حين تعرض اثنان آخران للترهيب وصولاً إلى دفعهم إلى الانسحاب من السباق الرئاسي (خالد علي، محمد أنور السادات).

وتحت عنوان "إنجازات السيسي"، صدرت الباحثة "ميشيل دن"، في المقدمة، إعادة بناء جدار الخوف لدى الرأي العام، وإعادة توجيه الاقتصاد بما يصبّ في مصلحة الجيش، إرغام الزعماء الروحيين على الانصياع له، وسحق الحياة السياسية والمدنية، فضلا عن مشاكل اقتصادية ومعيشة مزمنة، وأزمة مائية مقبلة بسبب "سد النهضة" الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل. 

والمشروع السياسي الكبير المقبل على جدول أعمال "السيسي"، هو الإشراف على عملية إجراء تعديلات في الدستور تتيح له البقاء في سدّة الرئاسة إلى ما بعد العام 2022، داخل منطقته الخضراء، دون قلق من توافد حشود غاضبة للاحتجاج ضد حكمه.

يصعب إذن أن تتكرر الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في العام 2011، داخل العاصمة الجديدة. غير أن الشباب المتململ والواسع الحيلة في مصر، والإسلاميين المغبونين، ورجال الأعمال المستائين، والضباط العسكريين الطموحين قد يجدون طرقا لإسقاط قلعة الرمال التي بناها "السيسي".

  كلمات مفتاحية

السيسي العاصمة الإدارية وديان كارنيغي الجيش المصري تعديل الدستور 25 يناير 2011