السياق الجيوسياسي لانسحاب قطر من أوبك

الاثنين 17 ديسمبر 2018 07:12 ص

يستدعي المحللون المختصون بشؤون قطر الذكريات؛ حيث تشارك الدولة في سياسات لم نشهدها منذ منتصف أواسط العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما كانت قطر في أجواء إقليمية متوترة.

أولا، في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن أمير قطر "تميم بن حمد آل ثاني" عن تعديل وزاري منح بموجبه وزير الخارجية "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني" دورا إضافيا كرئيس لهيئة الاستثمار القطرية، صندوق الثروة السيادية للدولة، كما تم تعيين "عبدالله بن حمد آل ثاني"، نائب الأمير وشقيقه، رئيسا لشركة "قطر للبترول"، التي من المتوقع أن توسع بشكل كبير من صادرات قطر من الغاز على مدى الأعوام القليلة المقبلة. وتمت ترقية الرئيس السابق لشركة قطر للبترول "سعد الكعبي" إلى منصب وزير شؤون الطاقة. وبعد ذلك، في أوائل ديسمبر/كانون الأول، أعلنت قطر عن انسحابها من منظمة "أوبك"، ووفقا لـ "الكعبي"، كان هذا الانسحاب يهدف إلى تمكين قطر من التركيز أكثر على أعمالها في مجال الغاز.

ما وراء التغيير

وعلى الرغم من الصورة التي تعكسها هذه القرارات إلا أنه من غير المحتمل أن تبشر بتغيير استراتيجي في اتجاه قطر. ومع ذلك، يؤدي توحيد قيادة الشؤون الخارجية مع هيئة الاستثمار القطرية إلى تعزيز عملية الانتقال التي حدثت خلال العامين الماضيين. ومنذ أن أصبح "تميم" أميرا للبلاد، حولت الحكومة القطرية تركيزها أكثر إلى الأمور الداخلية، وهو تغيير عن حكم والده وسلفه "حمد بن خليفة آل ثاني". لكن الأحداث الدولية الأخيرة التي بلغت ذروتها بمقاطعة قطر عام 2017 قد ذكّرت "تميم" بأن الأمن في قطر يعتمد في واقع الأمر على علاقاتها الدولية. وبالتالي، يعد جمع شمل صندوق الثروة السيادية وحافظة الشؤون الخارجية في يد رجل واحد وسيلة تمكّن قطر من تنسيق عملية نشر أصولها الرئيسية بسهولة كجزء من سياستها الخارجية لتأمين الدولة.

وفي الوقت نفسه، لن يسبب ترك "أوبك" أي تأثير عملي واضح على قطر. وتعد صادرات قطر النفطية ضئيلة، أقل من 2% من إجمالي صادرات أوبك، وفي الواقع، لا علاقة لتوسيع قطر لصادراتها من الغاز بمنظمة أوبك. لذا فإن قرار الانسحاب يمكن اعتباره رسالة سياسية بالأساس. وبالنسبة للجمهور المحلي، فهي قرارات تحظى بشعبية، وتعزز فكرة أن قطر دولة مستقلة، تدين لنفسها فقط. وخارجيا، عادت الدوحة إلى الأيام القديمة الجيدة عندما كانت تنتهج سياسات فردية غير آبهة بالتفضيلات الإقليمية الأوسع أو مخاوف الوضع الراهن.

التركيز الخارجي لـ"حمد"

وكان والد "تميم"، "حمد بن خليفة آل ثاني"، قد تولى السلطة عام 1995، وحكم بمشاركة صديقه المقرب منذ فترة طويلة، "حمد بن جاسم آل ثاني"، الذي تولى العديد من الحقائب الوزارية على مر السنين، بما في ذلك وزير شؤون المحليات، ووزير الخارجية، ورئيس الوزراء، وكذلك رئاسة هيئة قطر للاستثمار، وشركة الخطوط الجوية القطرية.

وكان كلا الرجلين مهتمين أساسا بالسياسة الخارجية، وأرادا أن يلعبا دورا في تشكيل السياسة الإقليمية؛ لأنهما كانا يعتقدان أن هذا أمر حاسم لبقاء قطر. وكدولة تضم عددا قليلا من السكان الأصليين، نحو 300 ألف مواطن قطري، كان من المستحيل على قطر أن تحمي نفسها بقوة السلاح. وكانت هناك تهديدات حقيقية في المنطقة، وفي الذاكرة الحية كان غزو الكويت وتدميرها حاضرا كنموذج على ما قد يحدث للدول الصغيرة الغنية التي لا حول لها ولا قوة.

وكان رد "حمد بن خليفة" و"حمد بن جاسم" على ذلك عبر ثلاثة مسارات. أولا، لكي تحصل قطر على رادع، دعت قطر الولايات المتحدة، أكبر قوة عسكرية في العالم، إلى إقامة تواجد ذي مغزى في قاعدة جوية بالقرب من القصر الأميري في الدوحة. ثانيا، سعى الرجلان لجعل الدوحة مركزا للدبلوماسية الدولية البارزة، وقد عزز ذلك صورة قطر على الصعيد الدولي، من خلال ربط الدولة بجهود الوساطة الإقليمية والدولية. وللمرة الأولى في تاريخ الدولة، كان لها دور حاسم في الأحداث السياسية الإقليمية الهامة. ثالثا، تجاهل الأميران الجيش القطري، ويرجع ذلك لأنهما لم يتمكنا من رؤية المنطق في ضخ عشرات المليارات من الدولارات إلى قوة مسلحة ربما لن تتمكن من الدفاع عن الدولة، ولم تكن هناك حاجة إليها بسبب وجود مثل هذه القوات الأمريكية المهمة في الدوحة. ومن خلال الحد من القوة العسكرية لقطر بحيث لا تشكل تهديدا عسكريا لأحد، سعت الدوحة لإبراز دورها الإقليمي بشكل غير مباشر.

وبحلول أواخر العقد الأول من القرن الحالي، بدأ "تميم" في زيادة عدد المحافظ التي تولاها في مجالات مهنية مؤهلة للحصول على المنصب العالي الذي كان من المقرر أن يحوزه في نهاية المطاف. وقد بدأ من خلال الاستثمار في عالم الرياضة، قبل أن يتولى حقيبة الدفاع. وقد أصبح دور "تميم"، بصفته صانع القرار في الدفاع، أكثر وضوحا بحلول عام 2008، حيث تم إنفاق الكثير من المال على القوات المسلحة القطرية، لا سيما الطائرات. وقد عكس "تميم" نهجا أكثر تقليدية في المسائل العسكرية، واعتبر أن قطر لا يمكنها أن تظل ضعيفة جوهريا في مجال الدفاع.

"تميم" يركز على الجبهة الداخلية

وتبع ذلك صعود الأمير "تميم" إلى العرش في صيف عام 2013 في خضم تحول مضطرب في السياسات الإقليمية، حيث تمت الإطاحة بالحكومة المصرية المنتخبة بقيادة "الإخوان المسلمون" في مصر من قبل الجيش المصري. وفي ظل حكم "تميم"، لم يتوقف دعم قطر للجماعات الإسلامية في المنطقة، ولكن كان هناك انخفاض تدريجي في التدخل القطري وبدا أن هناك تغيير فوري، ورفض من الأمير الجديد لمقاربة والده. وعلى الرغم من أن بعض القطريين ربما يكونون قد سألوا على وجه الخصوص عن الحكمة من الانخراط بعمق في الثورات الشعبية في سوريا وليبيا، إلا أن "حمد بن خليفة" ظل زعيما يتمتع بشعبية كبيرة، بعد أن حول دولة قطر من دولة صغيرة وغير ذات صلة إلى دولة ذات أهمية جيوسياسية.

وقد أشار "تميم" إلى تفضيله لدولة أكثر تركيزا على الجبهة الداخلية في تعييناته الوزارية. وفي عهد "حمد بن خليفة"، تم تعزيز سلطة وزير الخارجية، من خلال حصوله في نفس الوقت على حقيبة رئيس الوزراء، والعمل كرئيس لهيئة الاستثمار القطرية. أما في عهد "تميم"، كان وزير الداخلية هو من تعززت قوته، عبر توليه رئاسة الوزراء في الوقت نفسه. كما فصل "تميم" دور وزير الخارجية ورئاسة هيئة قطر للاستثمار.

ولكن "تميم" لم يحصل على الفرصة للتركيز على الشأن الداخلي. وفي غضون أشهر من توليه السلطة، كان "تميم" يعاني من أزمة دولية حيث سحبت الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمملكة العربية السعودية سفراءها من الدوحة لوقت طويل خلال عام 2014. وكانوا يأملون أن يضغطوا على "تميم" في وقت مبكر من عهده، حتى يتمكنوا من إجباره على التخلي عن دعم قطر للجماعات الإسلامية، واستراتيجيات قناة "الجزيرة" الفضائية ضد مصر وجيران الخليج. وقد أبدى "تميم" مرونة بحلول نهاية عام 2014، بما شمل، على سبيل المثال، طرد بعض أعضاء جماعة "الإخوان المسلمون" من قطر، وتخفيف حدة تغطية قناة "الجزيرة".

العودة إلى المستقبل

وقد انتهت الفترة غير المستقرة بنهاية عام 2014، ولكنها عاودت الظهور كأزمة أكثر خطورة عام 2017، عندما قادت الدول الـ3 المجاورة لقطر، إلى جانب مصر، مقاطعة قطر لكثير من الأسباب نفسها. وكان الجزء الأكبر من رد الفعل القطري هو النظر إلى الحلفاء الدوليين، حيث عاد "تميم" إلى نهج أكثر تشبها بوالده في السياسة الخارجية. وزادت قطر مشترياتها من الصناعات الدفاعية لثلاثة من حلفائها الأكثر أهمية، حيث اشترت الطائرات السريعة الأمريكية والبريطانية والفرنسية. وفي مواجهة الأزمة، أراد "تميم" استخدام نفوذ قطر المالي في علاقاتها الدولية، من خلال بناء علاقات دفاعية وثيقة مع الحلفاء الرئيسيين، في الوقت الذي رد فيه بنشاط من خلال حملة علاقات عامة منسقة بشكل جيد.

وفي هذا التعديل الوزاري الأخير، قام "تميم" مرة أخرى بربط وزارة الخارجية مع هيئة الاستثمار القطرية، مما سمح بإدماج أسرع وأكثر سلاسة لواحدة من أدوات القوة الرئيسية في قطر، المال، في سياسة الدولة الخارجية.

ويعد الانسحاب من "أوبك" مناورة "قديمة" كلاسيكية في قطر، مما يدل على أن قطر تسعى من جديد لمصالحها الإقليمية الخاصة. ومن الناحية العملية، لا يؤثر هذا على قطر كمنتج للنفط. فصادراتها النفطية صغيرة، وحقول قطر قديمة، ولا تستطيع ضخ المزيد. بل إن السبب الرئيسي المقترح وهو التركيز على صناعة الغاز لديها لا معنى له؛ لأن أوبك لا تشكل عائقا ملموسا لإنتاج قطر من الغاز.

وبدلا من ذلك، كان هذا القرار رمزيا من الناحية السياسية. إنه بيان عام للثقة بالنفس بالنسبة لقطر، التي على الرغم من أنها لا تزال تخضع لمقاطعة غير مسبوقة، إلا أنها تستطيع أن تتخلى طوعا عن منظمة رفيعة المستوى كانت عضوا فيها منذ ما يقرب من 60 عاما.

المصدر | دافيد روبرتس - معهد دول الخليج العربي في واشنطن

  كلمات مفتاحية

قطر للاستثمار حصار قطر انسحاب قطر من أوبك تميم بن حمد