2018 بالجزائر.. عام سياسي طويل لم يكشف كل أسراره بعد

الاثنين 17 ديسمبر 2018 08:12 ص

كان عام 2018 الأطول على المسؤولين السياسيين والعسكريين في الجزائر، بعد موجة إقالات غير مسبوقة شهدتها البلاد، صاحبها إشاعات وتضارب أنباء وغموض في مرحلة حساسة تزامنت مع بداية العد التنازلي لانتخابات الرئاسة المقررة ربيع العام المقبل.

البداية كانت في يونيو/ حزيران الماضي، عندما أعلنت الرئاسة الجزائرية فجأة إنهاء مهام مدير إدارة الأمن الوطني (الشرطة) الجنرال "عبدالغني هامل"، بعد قرابة عشر سنوات قضاها في المنصب، وكان يوصف بأحد رجال ثقة الرئيس "عبدالعزيز بوتفليقة".

وفور تسلمه منصب قيادة الشرطة باشر العقيد "مصطفى لهبيري"، موجة تغييرات وإقالات في صفوف قيادات الأمن الوطني استمرت لأسابيع، وفسرت إعلاميا على أنها في إطار توجه جديد لإبعاد رجال القائد السابق للمؤسسة.

تغييرات عسكرية تحت عنوان "مبدأ التداول"

 

وتواصلت موجة الإقالات لتطال اللواء "مناد نوبة"، قائد سلاح الدرك الوطني وهو قوة رديفة للجيش شديدة التنظيم تتبع وزارة الدفاع الوطني، وتضم مئات الآلاف من العناصر المكلفين بحفظ الأمن خارج المدن الكبرى.

وفي أغسطس/ آب الماضي بدأت موجة إقالات أخرى غير مسبوقة في قيادة الجيش، استمرت لأسابيع وشملت قادة نواحي، ومدير أمن الجيش (أقوى جهاز مخابرات في البلاد) وقائدي القوات البرية والجوية الذين أحيلا على التقاعد.

ولم تقدم البيانات الرسمية تفسيرات لذلك، كما أن أغلب قرارات التنحية وردت في وسائل إعلام محلية قبل أن تقوم وزارة الدفاع بتأكيدها لاحقا.

وفسرت وزارة الدفاع تلك التغييرات من خلال مقالات في "مجلة الجيش"، التابعة للمؤسسة العسكرية، على أنها "تكريس لمبدأ التداول" في الوظائف العليا واعتبرتها موجة عادية لتجديد الدماء في صفوف المؤسسة.

وصاحب هذه التغييرات كم كبير من الإشاعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعضها تأكدت صحته فيما كان أغلبها مجرد تكهنات، وسط صمت رسمي جعل الغموض سيد الموقف.

السجن يستقبل ضيوفا كبارا

 

وفي 14 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، نقلت وسائل إعلام محلية أيضا أن قاضي التحقيق العسكري بالبليدة (محكمة عسكرية جنوب العاصمة)، أمر بإيداع خمسة جنرالات، الحبس المؤقت في شبهات فساد، بعد أسابيع من تنحيتهم.

ويتعلق الأمر باللواء "نوبة مناد"، قائد قائد سلاح الدرك الوطني سابقا، واللواء "السعيد باي"، قائد المنطقة العسكرية الثانية سابقا، و"عبدالرزاق شريف"، قائد المنطقة العسكرية الرابعة سابقا، واللواء "حبيب شنتوف"، قائد المنطقة العسكرية الأولى وكذلك مدير المالية بوزارة الدفاع سابقا اللواء "بوجمعة بودواور".

وكان القرار بمثابة زلزال سياسي، كون الزج بهذا العدد من الجنرالات في السجن دفعة واحدة لم يسبق أن شهدته البلاد من قبل، ليفتح المجال أمام تأويلات أطلقتها أحزاب وشخصيات معارضة حول وجود ما أسمته صراع أجنحة في هرم السلطة.

بدورها، فسرت وسائل إعلام مقربة من النظام الحاكم ذلك بأنه في سياق تنفيذ تعليمات للرئيس "بوتفليقة"، بالتعامل بحزم مع أي ملف فساد في البلاد.

وبعد أكثر من أسبوعين من الحادثة نشرت صحف محلية خبرا جديدا مفاده أن الرئيس "بوتفليقة"، أمر بـ"الإفراج المؤقت" عن الجنرالات المسجونين دون أن تقدم الجهات الرسمية تفسيرا للقضية.

البرلمان والحزب الحاكم في عين العاصفة

 

وفي الشق المدني، طالت التغييرات في سبتمبر/ أيلول الماضي، محافظي 18 ولاية (من أصل 48) لتصل إلى الأمناء العامين للولايات، وبعدهم رؤساء الدوائر، وهي مناصب إدارية بحتة، لمسؤولين يشرفون على تسيير أقاليم البلاد.

ووسط هذه الموجة من التغييرات اندلعت أزمة مفاجئة داخل البرلمان، نهاية الشهر ذاته، بإعلان نواب الموالاة بالمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) سحب الثقة من رئيسه "السعيد بوحجة".

وشلت هذه الأزمة أعمال البرلمان لأسابيع، انتهت أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بانتخاب رئيس الكتلة النيابية لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم "معاذ بوشارب"، خلفا لـ"بوحجة"، وسط جدل حول قانونية القرار، لأن سلفه لم يقدم استقالته.

وما إن هدأت أزمة البرلمان حتى انتقلت الشرارة إلى حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، عندما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية وبشكل مفاجئ استقالة أمينه العام "جمال ولد عباس"، لأسباب صحية.

وزاد الغموض حول القضية بعد إصدار "ولد عباس"، ومكتبه التنفيذي بيانا بعد أيام، يؤكد فيه أنه مازال في منصبه وأنه فقط يقضي فترة نقاهة بسبب وعكة صحية.

ورغم رفض الأمين العام التنحي، تم في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني، تنصيب قيادة جماعية للحزب برئاسة "معاذ بوشارب"، رئيس البرلمان الجديد، والذي صرح أن القرار اتخذه الرئيس "بوتفليقة"، الذي يرأس الحزب أيضا بهدف لمّ شمل القيادات وتنظيم مؤتمر جديد استثنائي.

ويسود الغموض حاليا موعد المؤتمر، في وقت لمح "بوشارب"، في تصريحات إعلامية إلى إمكانية عقده بعد انتخابات الرئاسة المقررة ربيع العام المقبل لضيق الوقت.

وفي سياق التغييرات التي شهدتها الجزائر خلال النصف الثاني من 2018، أعلن "عبدالمجيد سيدي سعيد"، أمين عام الاتحاد العام للعمال (أكبر نقابة موالية في البلاد) منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، عزمه التنحي بسبب المرض.

ويقود "سيدي سعيد"، النقابة التي تضم عشرات الاتحادات الفرعية للعمال في الإدارات والشركات الخاصة والعامة منذ أكثر من عقدين، حيث وصل المنصب في 1997، وتُحضر النقابة حاليا لمؤتمر جديد لانتخاب خليفة له.

إعادة توزيع أدوار

 

ويرى الإعلامي الجزائري "أحسن خلاص"، حول أبعاد هذه التغييرات المتتالية أن "التجارب السابقة بينت أن كل تغيير في النظام يهدف أساسا إلى ضمان استمراريته بواجهات جديدة قديمة".

وأوضح "خلاص": "المعروف أن التغييرات لم تنفتح على المجتمع، ولم تفتح النظام على عناصر جديدة، إنما هي إعادة توزيع أدوار داخل النظام ذاته".

وأردف "نلاحظ أن التغييرات في الشق العسكري جاءت بعد ما يقرب من 14 عاما (من تغييرات أخرى حدثت بعد الولاية الأولى لبوتفليقة في 2004) بينما التغييرات في الشق السياسي أكثر مرونة وأكثر قابلية للتدوير على مسافة زمنية لا تتعدى 5 أعوام على أكثر تقدير".

وأضاف "إن التغييرات في (قيادة) حزب جبهة التحرير الوطني، حدثت في 2013 و2015، وبالتالي فهذه التغييرات دورية بمناسبة كل ولاية جديدة (لبوتفليقة) أي أنه لكل عهدة موظفوها السياسيون وإطاراتها العسكرية".

تغير في المواقف أيضا

 

ولم تقتصر موجة التغييرات المسبوقة في الجزائر في 2018، على الوجوه والمسؤولين بل طالت أيضا المواقف السياسية خاصة لدى أحزاب الموالاة.

وبعد أشهر من إطلاق دعوات لترشح الرئيس "بوتفليقة"، لولاية رئاسية خامسة، في انتخابات ربيع العام المقبل، تحولت نبرة خطاب أحزاب الموالاة خلال الأسابيع الأخيرة إلى مطلب دعم الاستمرارية.

ويكاد المعارض الإسلامي "عبدالرزاق مقري"، رئيس حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في الجزائر) يجزم في عدة تصريحات إعلامية أن "بوتفليقة لن يترشح لولاية خامسة".

ويرجع "مقري"، ذلك إلى عدم وجود توافق بين أحزاب الموالاة بشأن القضية، ويعتبر أن البلاد تحتاج حاليا إلى توافق بين مختلف الأطياف من أجل اختيار رئيس توافقي، يقوم بإصلاحات جذرية في مختلف المجالات.

ويطالب "مقري"، بتأجيل انتخابات الرئاسة المقررة ربيع العام المقبل، لعام آخر، من أجل إتاحة المجال للتوافق، وحذر من أن الخيار البديل، هو فرض النظام لمرشح من داخله.

وبشكل مفاجئ خرج وزير النقل السابق "عمر غول"، وهو رئيس تجمع أمل الجزائر (موالاة)، قبل أيام وأطلق دعوة لعقد مؤتمر للتوافق برئاسة "بوتفليقة"، قبل انعقاد انتخابات الرئاسة.

ولم يقدم "غول"، تفاصيل أكثر حول مبادرته، التي قال إنها من أجل وضع إصلاحات في مختلف المجالات تكرس ما تحقق من مكتسبات.

وأعلنت عدة أحزاب موالية انفتاحها على أي مبادرة سياسية في الساحة من أجل التوافق وهو ما يؤكد أن هذه الأشهر التي تسبق موعد انتخابات الرئاسة قد تشهد تطورات غير منتظرة في حال قبل النظام الحاكم عقد مؤتمر للتوافق.

مشهد جديد في الأفق

 

من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر العاصمة "توفيق بوقاعدة"، "أعتقد أن التغييرات التي وقعت في الفترة الأخيرة تعد بمثابة تحضيرات أولية لنسج خيوط إخراج المشهد في المرحلة المقبلة" دون توضيح طبيعته.

وأوضح أنه "تبين بعد مرض بوتفليقة (في 2013) وغيابه عن المشهد السياسي وجود طروحات ورؤى متناقضة للكثير من القضايا الوطنية والدولية داخل بيت السلطة ولهذا فالطرف الغالب (داخل السلطة) يسعى لإزاحة كل العراقيل أمامه من أجل استمراره في إدارة البلاد للمرحلة المقبلة".

وتابع "كما تسعى المجموعة الحاكمة إلى تجديد أدوات حكمها بعد انتشار رائحة الفساد في كل القطاعات، وتحاول تبرير ذلك تارة بالتشبيب وتارة أخرى بمحاربة الفساد".

  كلمات مفتاحية

الجزائر حصاد 2018 سياسة رئاسة بوتفليقة