السترات الحمراء.. الحراك الاجتماعي يقود السياسة باحتجاجات تونس

الثلاثاء 18 ديسمبر 2018 11:12 ص

"الأوضاع الاقتصادية بالبلاد قد تدفع فئات عديدة إلى الاحتجاج تنديدا بغلاء الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية للطبقات الوسطى والفقراء"..

أجمع خبراء الشأن التونسي على الخلاصة السابقة تزامنا مع احتجاجات أصحاب السترات الحمراء، تزامنا مع تلك التي ينظمها أصحاب السترات الصفراء في فرنسا على ذات الخلفية الاقتصادية والاجتماعية.

وفي هذا الإطار، جاء تصعيد الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في تونس) من لهجته تجاه حكومة "يوسف الشاهد" التي باتت محاصرة بين تصاعد الحراك الاجتماعي وقيادته لصوت المعارضة التونسية، وبين معضلة عجز موازنتها وشروط المؤسسات المالية الدولية للتحكم في كتلة الأجور.

ونفذ الاتحاد، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إضرابا عاما، بدعوة من المركزية العمالية، للمطالبة بالزيادة في أجور العاملين، ثم أصدر قرارا بالدعوة إلى إضراب ثان يوم 17 يناير/كانون الثاني المقبل في حال لم تستجب الحكومة لمطالبه.

وفي السياق، قاد أساتذة التعليم الثانوي والإعدادي تحركات بلغت أوجها، الأربعاء الماضي، عندما نزل الآلاف منهم في شوارع العاصمة وبقية المدن التونسية للمطالبة بالزيادة في الأجور.

كما أعلن مؤسسو حملة "السترات الحمراء" أنهم سينفذون تحركات سلمية في الأيام القادمة؛ احتجاجا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الصعب الذي تعيشه البلاد.

ضغط اجتماعي

وقال "رياض جراد"، وهو أحد مؤسسي الحملة، في مؤتمر صحفي، الجمعة، بالعاصمة تونس، إن "السترات الحمراء ترفع مطالب اقتصادية واجتماعية بالأساس، وجاءت لتعبّر عن المهمّشين والمفقّرين، وأنه لا يقف وراءها أي حزب سياسي أو جمعية أو أي طرف داخلي أو خارجي".

وأضاف: "نعتبر أن الحكومة الحالية والمنظومة السياسية القائمة فاشلة بأكملها".

وإزاء ذلك، نصح أمين العام الاتحاد "نورالدين الطبوبي" الحكومة بأن تبادر بإبرام الاتفاق المتعلق بالوظيفة العمومية (الحكومية) في الساعات القادمة، معتبرا إياه الحل من أجل الاستقرار؛ "لأن الوضع الاجتماعي لم يعد يطاق وينبئ بكل المخاطر وهي مخاطر حقيقية" وفقا لما نقلته وكالة الأناضول.

ولوّح "الطبوبي" بتصعيد قيادة اتحاد الشغل للاحتجاجات قائلا: "نحن لا نضمن نفس التنظيم في إضراب 17 يناير(كانون الثاني)"، في إشارة إلى الأجواء السلمية التي رافقت إضراب يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

واعتبر أمين عام الاتحاد ما حدث من أصحاب السترات الصفراء في فرنسا ونظرائهم في تونس، يؤكد أن الوضع لا يمكن التحكم فيه، "خاصة في ظل التجاذبات السياسية وقانون المالية الجديد"، حسب قوله.

إخفاق حكومي

ويرى  رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية "مسعود الرمضاني"، أن حكومة "الشاهد، والحكومات التي سبقتها منذ الثورة (يناير/كانون الثاني 2011)، لم تستطع حلّ القضية الاجتماعية، والناس في حاجة إلى تحسين وضعهم الاجتماعي، مشيرا إلى أن "المنوال التنموي الذي كان سائدا قبل الثورة لم يتغيّر".

واتفق معه أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية "منير السعيداني"، الذي أشار إلى أن السياسات الاقتصادية للحكومة هي محرك الاحتجاجات الأول؛ خاصة ما يتعلق بانحيازاتها بالميزانية، التي تدل على سياساتها وتوجهاتها التنموية.

وحذر "السعيداني" من أن "تونس دخلت دورة احتجاج اجتماعي واسع نسبيا، بمشاركة هيئات اجتماعية لا تتحرك عادة إلا عندما يكون الضرر كبيرا"، في إشارة إلى اتحاد الشغل.

ولفت الخبير التونسي إلى أن الاتحاد غير راض عن الأوضاع في الشركات والقطاعات الحكومية، وعن السياسات الاجتماعية بصفة عامة.

كتلة الأجور

وفي المقابل، يرى "الشاهد" أن حكومته تمكّنت منذ توليها الحكم (2016) من تحسين عدد من المؤشرات الاقتصادية، منها زيادة نسبة النمو وخفض في نسبة العجز.

 واعتبر رئيس الحكومة التونسية، وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أنه "كان من الممكن تحقيق نتائج أفضل لو لقيت الحكومة دعما سياسيا حقيقيا".

أما "الصحبي بن فرج"، العضو البارز في كتلة الائتلاف الوطني بمجلس نواب الشعب، القريبة من "الشاهد" فأقر بصعوبة الأوضاع الاجتماعية، لكنه أكد أن "الحكومة الحالية وجدت المالية العامة في أتعس حالاتها وقامت ببعض الإصلاحات".

وأضاف أن تحسّن المؤشرات الاقتصادية جاء على حساب المواطن وارتفاع التضخم، مشيرا إلى  الاتفاقات التي أبرمت مع صندوق النقد الدولي جرت منذ 2016، أي قبل مجيء حكومة "الشاهد"، وتفرض تحديد كتلة الأجور في مستوى معين.

وتقدّر كلفة أجور القطاع الحكومي بتونس بنحو 16.485 مليار دينار (5.887 مليار دولار)، أي ما يعادل 14.1% من الناتج المحلي الإجمالي.

وحذر "بن فرج" من أن "هناك من يستثمر الاحتجاجات، ويقوم بتجييش الرأي العام بالكذب أحيانا وبالحق الذي يراد منه باطلا"، مضيفا: "هؤلاء يحلمون بأن تكون الاحتجاجات قاصمة للحكومة، وربما قاصمة حتى للتجربة الديمقراطية"، في إشارة إلى الانتقادات التي وجهها حزب نداء تونس، الذي يقوده الرئيس "الباجي قائد السبسي"، لمشروع موازنة 2019.

لكن "بن فرج" أبدى ثقته في أن يكون الغاضبون من الميزانية ومن الاجراءات الأخيرة وسياسة الحكومة، على درجة من الوعي تمكنهم من عدم الانجرار وراء دعوات العنف.

وعلق النائب التونسي على تغير خطاب نداء تونس، قائلا: "التحول من الحكم إلى المعارضة يُحدِثُ أحيانا انتقالا ذهنيا وإيديولوجيا وأخلاقيا في صفوف البعض، فيصبحون من أباطرة اليسار ودعاة الاقتصاد الاشتراكي ودكتاتورية البروليتاريا".

وأشار "بن فرج" إلى أن "أوراق هؤلاء مكشوفة"، متوقعا ألا ينجحوا في "خداع الشعب التونسي"، حسب تعبيره.

المصدر | الخليج الجديد - الأناضول

  كلمات مفتاحية

تونس الاتحاد العام التونسي للشغل فرنسا السترات الصفراء السترات الحمراء يوسف الشاهد نداء تونس حركة النهضة