السعودية 2019.. التركيز على إيران ومزيد من التعاون مع إسرائيل

الأربعاء 19 ديسمبر 2018 01:12 ص

من بين جميع قوى الشرق الأوسط التي تشكل وتؤثر في المنطقة، ربما تكون السعودية هي الأكثر أهمية. ومنذ تربع الملك "سلمان" على العرش عام 2015، تحولت ثقافة البلد وأولوياتها، داخليا وخارجيا. وبالنسبة للسياسة الخارجية للبلاد، يعني هذا أن القرارات لم تعد تتسم بالمداولات بطيئة الحركة، مثل جوانب أخرى من صنع القرار في المملكة، ولكنها أصبحت أكثر ديناميكية وأقل انتظاما تحت رعاية "محمد بن سلمان"، ابن الملك وولي العهد، الذي أصبح وجه المملكة العربية السعودية أمام العالم.

ومن الأسئلة حول الحرب التي تخوضها المملكة في اليمن، إلى تداعيات مقتل الصحفي المعارض "جمال خاشقجي"، اجتذبت السياسة الخارجية السعودية نصيبها من النقد في عام 2018. وسوف يتطلع قادة المملكة إلى عام أكثر هدوءا في السياسة الخارجية لعام 2019، في حين تبقي عيونهم مركزة على الهدف الرئيسي للسياسة الخارجية للبلاد، وهو مواجهة التأثير الإقليمي لإيران.

وعلى الرغم من نزوات ولي العهد، إلا أن متطلبات السياسة الخارجية السعودية لم تتغير. وفي جوهرها، لا تزال المملكة عازمة على تأمين نفسها في منطقة معرضة للتهديدات من تهديدات الأمن الداخلي، مثل الجهاد، والمشاعر المناهضة للحكومة، والتهديدات الأمنية الخارجية القادمة من إيران. بالإضافة إلى ذلك، تسعى البلاد إلى جعل نفسها أكثر فاعلية استراتيجيا في الشرق الأوسط، للدرجة التي يمكنها من خلالها تحدي منافسيها، بشكل رئيسي إيران وتركيا، عبر مراكمة القوة الناعمة والقاسية ضدهم، حتى وإن كانت تعمل بشكل عملي معهم عند الضرورة. 

ومن أجل تحقيق ذلك، فإن المملكة عازمة على الحفاظ على نفسها تحت المظلة الأمنية للولايات المتحدة، بينما تقوم بتنويع مجموعتها من الشركاء الاقتصاديين والأمنيين لضمان ألا تعتمد بشكل مفرط على واشنطن. وفي نهاية المطاف، وبعد الأحداث الأخيرة التي وضعت ضغوطا على سياستها الخارجية، تتطلع المملكة العربية السعودية في عام 2019 أن تؤمن نفسها من تهديد دول مثل إيران، وإن كان ذلك بأقل قدر من الصخب مقارنة بعامي 2017 و2018.

عامان من التوتر

أصبح دور ولي العهد كوجه عام للمملكة يحمل في جنباته مسؤولية متزايدة. وفي عام 2017، قادت السعودية الحصار المفروض على دولة قطر المجاورة، واحتجزت رئيس وزراء لبنان مؤقتا، وقطعت بعض العلاقات الاستثمارية مع ألمانيا. وكان لبعض القضايا التي نظرت إليها المملكة باعتبارها مسائل داخلية بحتة تأثير عميق على العلاقات الخارجية للمملكة. وكانت إحدى تلك القضايا هي حملة مكافحة الفساد، التي بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، حيث اعتقلت السلطات السعودية عددا من قادة الأعمال، مما خلق مخاوف بشأن سيادة القانون بين المستثمرين الأجانب.

وفي عام 2018، دخلت المملكة في خلاف دبلوماسي مع كندا حول تغريدة غير ضارة نسبيا عن سياسات الرياض في مجال حقوق الإنسان. ثم، بالطبع، كان هناك غضب هائل بشأن مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

ولكن في إطار محاولاتها للحد من الأضرار الناجمة عن قضية "خاشقجي"، سعت المملكة هذا العام أيضا إلى تهدئة بعض الزلازل التي تسببت بها عام 2017. وفي بلاد الشام، فتحت المملكة خزائنها لتوفير مبلغ كبير من المال للاستثمار في الأردن، بعد عام واحد من رفض تجديد حزمة المساعدات إلى عمان. كما عرضت تطمينات سياسية واقتصادية للبنان بعد الاضطرابات التي شهدتها العلاقات الثنائية بين البلدين في عام 2017.

ولا تزال السعودية ترغب في ممارسة السيطرة على قطر، كما يتضح من استمرار الحصار ضد البلاد. لكن قرار الرياض الأخير باستضافة قمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة على أعلى مستوى تمثيلي، حتى مع اختيار قطر إرسال تمثيل على مستوى أدنى، يشير إلى جهود المملكة لاستعادة الدوحة إلى الحظيرة الإقليمية.

وفي حين لن تتردد السعودية في استخدام المزيد من القوة العسكرية في اليمن ضد "الحوثيين" المدعومين من إيران إذا شعرت أنها لن تعاني من أي عواقب دبلوماسية من الحلفاء الغربيين، ألا أن أهوال الحرب الأهلية قد خلقت درجة كافية من الضغط الدولي لكي تنضم الرياض إلى محادثات السلام الأخيرة، التي فتحت إمكانية التوصل إلى حل سياسي للصراع الذي طال أمده.

ماذا نتوقع في عام 2019؟

في عام 2019، ستواصل المملكة العربية السعودية التأكيد على علاقاتها الوثيقة مع حلفائها في الشرق الأوسط كحائط صد ضد إيران. وعلى الرغم من أن أولوية المملكة هي إقامة روابط مع دول عربية أخرى قلقة من نفوذ طهران في المنطقة، فسوف تظهر جهود العلاقات غير التقليدية إلى الواجهة في المستقبل على المدى القريب. ولا شك أن العلاقة التي تجذب أكبر قدر من الاهتمام في عام 2019 هي العلاقة بين المملكة العربية السعودية و(إسرائيل). وكانت هناك علاقة عدائية بين البلدين، لكنها تتحول بنشاط، لأن كلاهما يعترف بأسباب الآخر الخاصة في الرغبة في احتواء إيران في المنطقة.

والأكثر من ذلك، تمتلك (إسرائيل) التكنولوجيا والاستثمار اللذين تتطلع إليهما الرياض. وفي خطبهم، أثبت المسؤولون الإسرائيليون، وشركات القطاع الخاص رغبتهم في تحسن العلاقات مع السعودية في حين لا تزال القنوات الرسمية وغير الرسمية في المملكة مترددة في الاعتراف بالعلاقات المتنامية مع (إسرائيل). ومع ذلك، إذا اندلع صراع بين إيران والسعودية أو (إسرائيل)، قد ينخرط الأخيران في تعاون أكثر علانية.

ويعد تحالف البحر الأحمر الغامض المعلن عنه حديثا مثالا ممتازا على رغبة المملكة في جمع الأصدقاء والحلفاء والجيران معا في تكتلات إقليمية. وعلى الرغم من أن مجلس التعاون الخليجي لم يعمل أبدا كأداة ذات كفاءة عالية للسياسة السعودية، كما يتضح من حصار قطر الذي بدأ عام 2017، إلا أن المملكة ما زالت تقدر القيمة الاستراتيجية لهذه الكتل الجغرافية. ويعد الإعلان عن التحالف إدراكا من الرياض للمنافسة العميقة بين الصين وروسيا والولايات المتحدة ودول إقليمية أخرى، بما في ذلك تركيا وإيران، في أماكن ذات أهمية استراتيجية مثل البحر الأحمر. وفي الوقت نفسه، ستشتعل المنافسات أيضا خارج الساحل الغربي للبحر الأحمر، حيث تتنافس السعودية وجيرانها في الخليج، بالإضافة إلى تركيا وإيران والصين وروسيا، على الاستثمار في أفريقيا المتعطشة للتنمية.

وبالنظر إلى استمرار حالة عدم اليقين بشأن أسعار النفط، ستواصل روسيا والمملكة العربية السعودية التنسيق في العام المقبل، خاصة وأن موسكو والرياض مهمتان لنجاح أي قرار بخفض إنتاج النفط بين أوبك والبلدان غير الأعضاء في منظمة أوبك. وأبعد من الطاقة، تدرك الرياض أنه يجب عليها أن تقيم علاقات وثيقة مع موسكو، خاصة وأن الأخيرة تسعى إلى زيادة انتشارها ومكانتها في الشرق الأوسط.

العودة إلى السياسة التقليدية

وخارج المنطقة المباشرة، تواصل المملكة اتباع أسلوبها البائس المتمثل في التدخل وجني التأثير السياسي في دول مثل باكستان، وهو أمر من غير المحتمل أن يتغير في عام 2019. وعلى الرغم من أن "إسلام أباد" لم تعرض على الرياض أي تنازلات سياسية أو التزامات أمنية، إلا أنها وفي مقابل قرض سعودي بمليارات الدولارات في أكتوبر/تشرين الأول، سارعت باكستان للمشاركة في مبادرة الاستثمار المستقبلي لهذا العام، وهو حدث انسحبت منه العديد من الشركات الدولية إثر قتل "خاشقجي".

وبالنظر إلى الشرق، فسوف تتناغم أهداف السياسة الخارجية للمملكة بشكل وثيق مع أهداف الإصلاح الاقتصادي. وفي آسيا، تخطط الرياض لزيادة الاستثمار بشكل كبير في المشاريع المشتركة، بما في ذلك خطط "أرامكو" السعودية لاستثمار 500 مليون دولار إلى جانب شركة بترول أبوظبي الوطنية في مصفاة هندية. وفي الوقت نفسه، يعتبر الاستثمار الآسيوي في المشاريع السعودية مهما أيضا لنجاح خطط الإصلاح الاقتصادي في الرياض.

وسواء كانت تسعى إلى إقامة علاقات خارجية تقليدية مع دول مثل باكستان، أو إلى التفرغ لتعزيز علاقات جديدة أو أقوى مع دول مثل (إسرائيل) وروسيا ودول البحر الأحمر، فسوف تظل المملكة نشطة على الدوام على الصعيد الدولي في عام 2019. لكن بعد الاضطرابات التي أوجدها ولي العهد المتهور "محمد بن سلمان" على المسرح العالمي في عامي 2017 و2018، سوف تأمل الرياض في عام أكثر هدوءا في 2019.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

توقعات ستراتفور السياسة الخارجية السعودية محمد بن سلمان حرب اليمن