هل تعيد العملية التركية شرق الفرات تشكيل المنطقة؟

الأربعاء 19 ديسمبر 2018 03:12 ص

إن تشكيل دويلة تابعة لوحدات الحماية الكردية (YPG) في شمال شرق سوريا سيكون كابوسا للأمن والسياسة الخارجية لأنقرة

وبينما أصبحت عبارة "الخط الأحمر" شائعة في لغة زعماء العالم، عند الإشارة إلى إجراءات أو سياسات غير مقبولة، فبالنسبة لتركيا فإن وجود وحدات حماية الشعب (YPG) على طول حدودها مع سوريا هو أمر يتعلق بالأمن القومي، وهو أمر يكون ملونا باللون القرمزي الداكن.

في الوقت الذي تعتبر فيه الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب العمود الفقري لشريكها في التحالف، قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، ترى تركيا أنها الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني الانفصالي (PKK)، الذي أدرجته واشنطن وأنقرة كمجموعة إرهابية.

شنت تركيا حربا داخلية استمرت أربعة عقود على الإرهاب ضد حزب العمال الكردستاني، وقد قتل أكثر من 40 ألف شخص في الصراع. الآن، وبعد أشهر من الإعراب عن مخاوف أمنية إلى نظيره الأمريكي، أعلن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" أخيرا أن الاستعدادات كاملة لعملية عسكرية شرق الفرات مستهدفة وحدات حماية الشعب.

فراغ السلطة

لطالما كانت تركيا حذرة من التطورات على طول حدودها، وتراقب حزب العمال الكردستاني وفروعه عن كثب. إن تشكيل دويلة تابعة لـ(YPG) على طول حدودها مع سوريا في شمال شرق سوريا سيكون كابوسا للأمن والسياسة الخارجية لأنقرة.

لكن هل الأتراك مصابون بجنون الارتياب فقط، أم هل لديهم سبب للقلق؟ تخلق الفراغات أوضاعا مثالية للاعبين من غير الدول للازدهار. إن الظروف في سوريا اليوم تذكرنا بما حدث في شمال العراق خلال أواخر التسعينيات وأوائل الألفية، مما أدى إلى الاعتراف بمنطقة حكم ذاتي تديرها حكومة إقليم كردستان في عام 2005.

قوات حماية الشعب هي مجموعة تتبني أيديولوجية "عبدالله أوجلان"، وعلى هذا النحو قد تجد نفسها قريبا في مرمى الجيش التركي.

يمكن للمرء أن يستخلص المقارنات بين "منطقة حظر الطيران" في عام 1991 في شمال العراق، الأمر الذي سمح للبيشمركة الكردية بتأسيس أنفسهم في المنطقة، وخط الفصل في شمال شرق سوريا، الذي أعطى وحدات حماية الشعب فرصة للاستقرار في المنطقة. تم تدريب كل من البيشمركة ووحدات حماية الشعب وتجهيزها من قبل الولايات المتحدة كدعاة لمحاربة "صدام حسين" و"الدولة الإسلامية"، على التوالي.

ومع ذلك، تمكن الأكراد في شمال العراق من تحقيق الحكم الذاتي دبلوماسيا دون إثارة رد فعل تركي قوي من خلال النجاح في الابتعاد عن حزب العمال الكردستاني - حتى أصبحوا شريكا تجاريا هاما لأنقرة. لكن وحدات حماية الشعب، التي يعترف بها العديد من المسؤولين الأمريكيين هي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وتواصل تبني أيديولوجية مؤسس المجموعة "عبدالله أوجلان"، وقد تجد نفسها قريبا في مرمى الجيش التركي.

خارطة الطريق مسدود؟

في وقت سابق من هذا العام، اتفق حلفاء الناتو والولايات المتحدة وتركيا على خارطة طريق لمعالجة المخاوف الأمنية الأخيرة فيما يتعلق بحضور قوات حماية الشعب إلى الغرب من الفرات، في مدينة منبج. وأعطى الاتفاق أنقرة الأمل في حل دبلوماسي لمشاكلها شرق النهر لتجنب عملية عسكرية.

ومع ذلك، فإن التأخير المستمر في تنفيذ الدوريات المشتركة بين الولايات المتحدة وتركيا المتفق عليها، إلى جانب استمرار وجود وحدات حماية الشعب في منبج والأخبار التي تشير إلى قيام واشنطن بإنشاء مراكز مراقبة على طول الحدود بين تركيا وسوريا، زادت القناعات كثيرا لدى إدارة "أردوغان" أن خارطة الطريق تؤدي إلى طريق مسدود.

ومن الأسباب الأخرى التي دفعت تركيا إلى تأخير توغلها في شمال شرق سوريا، حقيقة أن وحدات حماية الشعب، باعتبارها عنصرا رئيسيا في القوات السورية الديمقراطية، كانت تقاتل "الدولة الإسلامية" وأن أنقرة لم ترغب في إعاقة جهود التحالف الأمريكي لتحييد المنظمة الإرهابية.

ولكن الآن، مع الأمل في نجاح تعاون أمريكي تركي في منبج، ومع إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أن "الدولة الإسلامية" قد هُزمت، تعتقد أنقرة أن التوقيت مناسب للتعامل مع أكثر مخاوفها الأمنية إلحاحا.

إن التعاون الأمريكي في سوريا مع وحدات حماية الشعب هو قرار يعود إلى إدارة "أوباما"؛ لقد استثمرت واشنطن بكثافة على مر السنين في تجهيز وتدريب المجموعة، التي أصبحت محورا في الحملة الأمريكية ضد "الدولة الإسلامية"، كما تشير التصريحات الأخيرة الصادرة عن مسؤولين أمريكيين إلى خطط لاستخدام قوات الدفاع الذاتي كقوة لاحتواء المليشيات الشيعية المدعومة من إيران العاملة في سوريا.

السيناريو الأسوأ

الآن، في حال حدوث صدام بين حليفتها في حلف شمال الأطلسي وشريكها في التحالف السوري، سيواجه البيت الأبيض قرارا صارما بشأن السياسة الخارجية. هل سيقف "ترامب" مع "أردوغان" ويسمح لتركيا بتحييد العناصر التي تعتبرها تهديدا أمنيا، أم أنه سيحمي وحدات حماية الشعب ويخلق عقبة هائلة لتركيا، والتي قد تؤدي إلى انقطاع لا يمكن إصلاحه في العلاقات الثنائية؟

قال "أردوغان" يوم الإثنين إن "ترامب" كان أكثر تقبلا للخطط التركية للتحرك شرق نهر الفرات من وزارة الدفاع الأمريكية. وقال "أردوغان" في خطاب ألقاه في إقليم قونية بوسط البلاد "أعلننا رسميا أننا سنبدأ عملية عسكرية في شرق نهر الفرات". "لقد ناقشنا ذلك مع السيد ترامب وقدم ردا إيجابيا".

يشكل الوجود الأمريكي في المنطقة تعقيدات بالنسبة لتركيا. مع وجود حوالي 2000 جندي أمريكي و 20 قاعدة عسكرية في المنطقة، فإن عملية عسكرية واسعة تواجه خطر مواجهة عرضية بين القوات الأمريكية والتركية - وهو السيناريو الأسوأ الذي تريد كل من واشنطن وأنقرة تجنبه بأي ثمن.

كما ستواجه تركيا قوة أكبر بكثير من قوات حماية الشعب الكردية أكثر مما فعلت في العملية العسكرية السابقة في عفرين، حيث يوجد حوالي 40.000 مقاتل في المنطقة. ولكن عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي لتركيا، فإن منع حزب العمال الكردستاني وفروعه من إقامة معقل على طول حدوده كان دائما خطا أحمر.

وضع "أردوغان" العد التنازلي في الحركة، والكرة الآن في ملعب "ترامب": رد واشنطن قد لا يشكل فقط مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، ولكن أيضا التركيبة الإقليمية والتركيبة السكانية للمنطقة لعقود.

  كلمات مفتاحية

سوريا العراق تركيا الولايات المتحدة أردوغان ترامب وحدات حماية الشعب الكردية حزب العمال الكردستاني

الجيش التركي يعزز تواجده بالحدود السورية استعدادا لشرق الفرات