تحقيق استقصائي صادم.. طفل مصري للتبني يقود والده للسجن

الأربعاء 19 ديسمبر 2018 08:12 ص

لم تستطع الصحفيتان اللتان أجريتا ذلك التحقيق الاستقصائي التعامل بسهولة مع فكرة ظروف الوالدين الاقتصادية المتردية، والتي دفعت بهما إلى التخلي عن مولودهما وعرضه للتبني حتى قبل أن يولد، لكنهما قررتا أن يتجاهلا تلك الظروف ويركزا فقط على ما يعتبره القانون المصري "جريمة".

البداية كانت من إعلان على صفحة بموقع "فيسبوك" تحمل اسم "طفل للتبني"، يقول على لسان أم مصرية: "إذا أراد أحدهم تبني طفل سيولد، إن شاء الله، في غضون أسبوعين كحد أقصى،.. وسيتم التبني من خلال والديّ المولود، التواصل على خاص للجادين فقط".

أسئلة كثيرة حول مدى جدية الإعلان والمقصد من ورائه، دفعت "غادة محمد الشريف" و"ولاء نبيل"، الصحفيتين بالنسخة الإنجليزية لصحيفة المصري اليوم Egypt Independent، لإجراء تحقيق استقصائي حول القصة.

 

الخطة

 

حصلت الصحفيتان على هاتف الأم المعلنة، وحاولتا الاتصال بها إلا أن المحاولة لم تنجح سوى بعد وقت طويل، حيث كان هاتف الأم مشغول دائما بتلقي اتصالات أخرى من أشخاص يعبرون عن رغبتهم في تبني الطفل مقابل مبلغ من المال، بعد فقدانهم الأمل في الإنجاب.

قالت الأم المعلنة إنها "أم لفتاة تبلغ من العمر عامين ولم تفكر في الولادة مرة أخرى"، مضيفة أن هذا الحمل "غير مخطط له" وأنها لم تكن قد اكتشفت أنها حامل حتى الشهر الخامس، لذا فقد فات الأوان للإجهاض، وقررت أن تكمل بالحمل، ثم إيجاد شخص يتحمل المسئولية عنها هي والأب، الذي بالكاد يكفي احتياجاتها هي والفتاة.

وتابعت أن "العثور على شخص ما لتبنيه جيدا والعناية به أفضل بكثير من رؤيته يموت من الجوع وعدم القدرة على الحصول على الطعام له، أو القيام بشيء حرام للحصول على الطعام".

من جانبه، قال الأب: "كنت راضيا عن ابنتي لأنها كانت أول فرحة، ولم أفكر أبداً في فقدها أو بيعها، لكنني بصراحة لا أريد هذا الطفل، ومع ذلك، أريده أيضا أن يكون بين عائلة نزيهة تحافظ عليه، ومن ثم لن أكون قلقا أو خائفا بشأنه".

وأكد بصوت حزين: "لا أستطيع رؤيته جائعا بينما لا أستطيع شراء الطعام.. لدي ابنة صغيرة جدا، لذا من غير العدل أن أظلمها".

واستمر تواصل الصحفيتين بالأم التي قالت: "أقسم بالله أن هناك الكثير من الناس الذين يريدونه، لكن محمد (الزوج) لم يقل نعم لعرض أحدهم، نحن لا نريد الكثير من المال"، مضيفة "هناك سمسار يعمل في بيع المباني والشقق والأراضي، ويريد أن يدفع لنا 50 ألف جنيه مصري (نحو 3 آلاف دولار أمريكي)، لكن زوجي محمد لا يطمئن إليه، وحاولت إقناعه أن المبلغ جيد، لكنه طلب مني تجاهل المال والتركيز على معاملة الطفل، لذا قلت له أن يقرر هو من يستحقه".

ولكن يبدو أن محمد لم يكن ذا فراسة عالية في تحديد من سيمنحه طفله القادم، وربما كذلك كان جاهلا بعواقب فعلته وأنه مجرما قانونا، فقد وثق في فريق التحقيق الاستقصائي، ودخل معهم مرحلة التفاوض طالبا 20 ألف جنيها فقط (ألف ومئة دولار تقريبا)، مقابل تسليم الطفل إلى الأشخاص الذين يشعرونهم بالراحة ويوفروا معاملة حسنة لطفلهم.

 

مجرم أم ضحية؟

 

الخطوة التالية، وفق طلب الأب، كانت لقاء الأسرة التي ستتبنى الطفل عند مستشفى الشاطبي بالإسكندرية ليسجلوا كافة بيانات المولود باسمهم منذ البداية، ويتجاوزوا التعقيدات الروتينية للتبني.

طوال فترة انتظار الفحص، جلست الأم تتلمس بطنها بأصابعها الضعيفة من وقت لآخر، وكأنها تقول لجنينها "وداعا"، بينما جلس الأب على أحد الأرصفة في المستشفى.. شاب في أوائل العشرينيات، يرتدي ملابس أنيقة ويدخن سيجارة تلو الأخرى فيما تلعب ابنته بجانبه.

وخلال المحادثة معه، لاحظ الأب أن الهواتف التي كان يحملها فريق التحقيق تسجل، فعلق دون مبالاة: "إذا كنت تريد تسجيل الفيديو، فقم بذلك، إنها ضمانة لك.. فلا فرق في حياتي، هو ابني وأنا حر معه، هذا هو التبني، ويمكنني التنازل عنه في أي مركز شرطة".

لكن الوالد المطحون تحت ضغط الظروف الاقتصادية وربما الجهل بالقانون كذلك، قد أساء التقدير، حيث تم إلقاء القبض عليه، ووضع زوجته ومولوده تحت الحراسة المشددة، بحسب التحقيق الاستقصائي الذي لم يوضح كاتبوه إن كانوا سببا في ذلك أم ماذا حدث بالضبط.

واستعرضتا الصحفيتان بعد ذلك آراء الجهات الحقوقية ومعنيين بشؤون الطفل والأسرة حول فداحة الجريمة التي ارتكبها الأبوين، كونها انتهاكا لحقوق الطفل، ويعتبرها القانون المصري "إتجارا بالبشر" تقتضي السجن من 5 إلى 10 سنوات، فضلا عن الغرامة المالية.

في المقابل علق حساب باسم "دينا جي" على التحقيق المنشور بصفحة الموقع في "فيسبوك"، متسائلا في استنكار: "الأمر محزن نعم..  ولكن هناك وكالات معروفة للتبني تنظم هذه الأمور مقابل مبالغ كبيرة.. فماذا فعل الوالدان سوى أنهما تجاوزا الوسيط (الوكالة)؟!".

وأشار آخر إحصاء رسمي للفقر في مصر، أن نحو 30 مليون نسمة بنسبة 27.8% من السكان كانوا تحت خط الفقر في 2015، بينما يقدر خبراء ارتفاع هذه النسبة إلى نحو 40% في الوقت الراهن، منتقدين حرص السلطات على عدم إعلان أي إحصاءات حديثة حول هذه الظاهرة.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

مصر فقر طفل للتبني تحقيق استقصائي جريمة