فورين بوليسي: السيسي أسوأ من مبارك

الخميس 20 ديسمبر 2018 11:12 ص

أثار الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" الدهشة في الأسابيع القليلة الماضية؛ حيث أدلى بتصريحات يبدو أنها تفوقت على تصريحات "ترامب".

وفي خطاب متلفز، قال "السيسي" بالعامية المصرية: "الحكاية كانت كده، واحنا كنا كده وعلى الرغم من كده، عملنا كده".

وأضاف أن هذه "هي المعجزة" من وجهة نظره.

ومنذ بضعة أيام، وبينما ناشد المصريين أن يعملوا على فقدان الوزن، وأن يمارسوا المزيد من التمارين الرياضية، أضاف "السيسي" قائلا: "حتى في وسائل الإعلام، علينا اختيار الضيوف الذين يعتنون بأجسادهم".

ويجب على المرء أن يتساءل عما إذا كان "السيسي" يئن تحت الضغط الاستثنائي المتمثل في كونه مسؤولا عن بلد تبدو غير قابلة للحكم، ولا شك أنه نجح في تنفيذ بعض السيطرة السياسية منذ وصوله إلى السلطة، ولكن من الصعب أن ندعي أن "السيسي" يحكم فعليا.

وفي الأشهر الـ 6 الماضية، اضطر المصريون إلى تحمل نقص "البطاطس" وندرة المياه، وبدلا من معالجة القضايا الملحة التي أبرزتها مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالحق في السكن مؤخرا، هاجمتها الحكومة وهاجمها الأشخاص الذين أجرت معهم مقابلات في سياق بحثها.

وبمعنى أوضح، يواجه "السيسي" أزمة سلطة، ويبدو أنه غير على استخدام السلطة التي يمتلكها بالفعل، ويتحرك مؤيدوه الآن لحل هذه المشكلة من خلال إعطائه المزيد منها، فهم يريدون تعديل دستور عام 2014، إما لتمديد فترة ولاية الرئيس، أو ربما إلغاء القيود على نمديد فترات الرئاسة بشكل كامل.

وقد تعهد المسؤولون المصريون ومؤيدو "السيسي" سابقا بأن هذا لن يحدث أبدا، وزعموا أن مصر قد تغيرت، لكن أحدا لم يصدقهم، ومن الواضح أن تلك الشكوك كانت مبررة.

ويمهد هؤلاء الآن الطريق أمام بقاء "السيسي" كرئيس، بعد انتهاء فترتي الرئاسة المحددتين دستوريا، وربما يكون هذا هو التطور الأقل مفاجأة في الشرق الأوسط على مدى الأعوام القليلة الماضية.

ومن المغري أن نعلن أن التاريخ يعيد نفسه، وأنه على الرغم من مرور 8 أعوام على الربيع العربي، فإن مصر لم تنحرف في الواقع عن مسارها الاستبدادي.

ويصر أنصار "السيسي" على أن تمديد فترة رئاسته أمر ضروري لتعزيز كل التغييرات الإيجابية التي أجراها منذ وصوله إلى السلطة في يوليو/تموز عام 2013، وهم يدعون أن الاقتصاد يتعافى، وأن تطوير البنية التحتية جارٍ، وأن الاستقرار والوضع الدولي للبلاد في تحسن.

وفي العالم الذي يعيش فيه هؤلاء الناس، أصبح كل ما وعدت به حملة "مصر الجديدة" عام 2014، من "السلام والازدهار والنمو"، حقيقة، أو أنه سيصبح حقيقة ما دام "السيسي" قابضا على مساره الحالي بيد ثابتة.

ويتفق خصومه، في مصر والخارج، على أن البلد قد تغيرت، لكنهم يصورون حقيقة مظلمة للغاية لهذا التغيير والاستقرار الصوري المبني على الخوف من قبل الأجهزة الأمنية التي تعمل ما يحلو لها مع إفلات كامل من العقاب.

ويقولون إن المصريين يكافحون من أجل احتياجاتهم الأساسية، حيث جعل "السيسي" المعيشة أكثر تكلفة.

وتخفي مؤشرات الاقتصاد الكلي الإيجابية، التي تروج لها الحكومة، وخاصة النمو، الديون غير المستدامة التي اعتمدت عليها الحكومة من أجل صناعة صورة رقمية جيدة لاقتصادها.

ويقول نقاد "السيسي" إن مصر صارت قمعية بعمق، وأن حديث أنصار النظام يفتقد المصداقية.

ومع ذلك، يبدو أن كلا المعسكرين على خطأ ما، فمصر لم تتغير في الواقع بقدر ما يرغب الكثيرون في الاعتقاد.

ويمكن للمرء أن يجادل بأن جيش مصر "السيسي" أكثر استقلالية وأكثر تغلغلا في الحياة الاقتصادية والسياسية للبلاد.

وقد يكون ذلك صحيحا إذا كان أساس المقارنة هو رئاسة "أنور السادات" أو "حسني مبارك"، لكن هناك سابقة للدور الحالي للجيش في الأعوام بين 1954 و1967، عندما لعبت القوات المسلحة أيضا دورا كبيرا في السياسة والاقتصاد.

الفارق الحقيقي

وبدلا من ذلك، فإن الفارق الهام من الناحية التحليلية بين عصر "السيسي" وتلك العصور التي سبقته، هو مدى استخدام السلطات للقوة ضد شعبها.

ونظرا لفشله في تقديم رؤية إيجابية، وفي تنفيذ الوعود التي أطلقها، فإن "السيسي" لا يكسب ولاء المصريين، واضطر الرئيس وجهازه إلى الاعتماد بشكل شبه حصري على الاعتقالات والتخويف والعنف، وحتى القتل، في محاولة لثني مصر، وفق إرادتهم.

كان لدى "جمال عبد الناصر" رؤية، وكان محبوبا على نطاق واسع، وكافح "السادات" لإقناع المصريين بـ "دولة المؤسسات"، والتحول إلى اقتصاد تجاري، لكنه كان "بطل العبور" عام 1973، ما منحه الشرعية على الأقل لفترة من الوقت، ولم يكن لدى "مبارك" أي رؤية، لكن بمرور الوقت، تعلم كيف يدير مصر.

وكان هناك بالطبع قمع فظيع خلال عصور "ناصر" و"السادات" و"مبارك"، لكنه لم يكن مثل القسوة المستمرة التي ميزت فترة "السيسي" حتى الآن.

ويدافع أنصار الحكومة عن الرئيس والحكومة من خلال الادعاء بأنهم يحمون البلاد من جماعة "الإخوان المسلمين" والتطرف، لكن الحقيقة أن القبضة الأمنية تستهدف الجميع.

ولكن قمع مصر "السيسي" للطلاب والصحفيين والناشطين والأجانب، وكذلك أعضاء جماعة الإخوان، لا يختلف عن القمع في مصر في العصور السابقة، مع اختلاف درجة القمع فقط.

وكما قال أحد المعارضين: "السيسي مجرد مبارك آخر تناول بعض المنشطات". 

ويمتد هذا التشبيه إلى ما وراء عصر "مبارك".

ويعد "السيسي" الامتداد المنطقي للنظام الذي كان قائما منذ أن أعلن الضباط الأحرار عام 1953 إلغاء الملكية وإنشاء الجمهورية مكانها.

ولقد نجح هذا النظام في تجديد نفسه بعد تحديات هائلة، من هزيمة يونيو/حزيران 1967 (النكسة)، وموت "ناصر"، واغتيال "السادات"، والانتفاضة التي أطاحت بـ "مبارك". وبعد كل هذه اللحظات، عادت مصر في كل مرة إلى وضعها الاستبدادي الاعتيادي.

ولا يرجع ذلك إلى كون القادة المصريين يتشاركون رؤية واحدة عن السياسية، لكن السبب الحقيقي يكمن في أن مصر تتميز بوجود جموعة من المؤسسات السياسية التي تعزز نفسها وتعكس النظام الاجتماعي السائد. وعلى الرغم من تغير القادة وتذبذب درجة القمع، ظل نمط السياسة في مصر متشابها بشكل ملحوظ على مدار 65 عاما.

ولا يعني هذا أن "السيسي" ليس عرضة للخطر كرئيس.

وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجراها مركز "جيمس زغبي" إلى أن المصريين غير راضين إلى حد كبير عن وضعهم، وأن الجيش لم يعد موثوقا به كما كان في السابق.

لكن هذا لا يعني أن التغيير آت، أو أنه إذا جاء سيكون ذلك النوع الذي يطيح بالنظم السياسية والاجتماعية التي تعزز نفسها.

بعبارة أخرى، لن تكون هناك ثورة، فهي ظاهرة نادرة للغاية.

وبالطبع، قد يحدث التغيير ذي المغزى بطرق أخرى أقل دراماتيكية، لكن النظام في مصر يعمل على تقويض أي جهد في هذا المسار.

وفي غضون أسابيع قليلة، تأتي الذكرى السنوية لانتفاضة 25 يناير/كانون الثاني التاريخية، ولا شك أنها سوف تحضر في شكلين متناقضين، الرثاء الحالم للأماني الضائعة، أوالاحتفال بما تم إنجازه.

وبالنظر إلى الشعار الرئيسي الذي شكل هوية تلك الانتفاضة، "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"، فإن أيا من تلك المطالب لم يتحقق بشكل حقيقي، ولم تعرف مصر سوى تصريحات التقدم والإنجاز التي يطلقها "السيسي" والمبنية على السلطوية وحدها بلا أي شيء آخر.

المصدر | ستيفن كوك - واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

نظام السيسي جيش السيسي النظام الاقتصادي تعديل الدستور القمع