كيف تتلاعب الإمارات بالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؟

الاثنين 24 ديسمبر 2018 12:12 م

بعد القتل الوحشي لـ "جمال خاشقجي"، خضعت جهود اللوبي السعودي لكسب النفوذ في واشنطن لرقابة أكبر.

ومع ذلك، لم تكن المملكة العربية السعودية البلد الوحيد المقرب من إدارة "ترامب" الذي سعى إلى التلاعب بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة. وهناك لاعب رئيسي آخر في هذا الصراع المستمر من أجل النفوذ، ويرتبط ارتباطا وثيقا بالمملكة، ألا وهو الإمارات العربية المتحدة.

وتتمتع كل من السعودية والإمارات بعلاقات ودية مع حكومة الولايات المتحدة، تحميها المساهمات السياسية والوعود بعروض الأسلحة باهظة الثمن. وكما هو الحال مع السعودية، فإن حملة الإمارات من أجل النفوذ، التي تركزت إلى حد كبير على العلاقات العامة، قد تغلغلت في واشنطن.

ووفقا للوثائق المودعة لدى وزارة العدل، فإن الشركات المسجلة لصالح الإمارات أنفقت ما يقرب من 20 مليون دولار من أجل كسب التأييد لصالح المصالح الإماراتية في عام 2017 وحده.

وشملت الدعاية الإمارتية نشر سرديات تشوه قطر، وتدعم الحرب في اليمن، وتصور القيادة الإماراتية كحليف أمريكي تقدمي. ورغم أن جهود السعودية للتأثير على السياسة الأمريكية أصبحت أكثر وضوحا في أعقاب مأساة "خاشقجي"، فمن الأهمية بمكان أن ندقق في عمل اللوبي الإماراتي أيضا، لأنه يعمل جنبا إلى جنب مع نظيره السعودي.

النفوذ السياسي

ومن أجل دفع أجندتها، وظفت الإمارات طيفا واسعا من جماعات الضغط، وصممت حملة علاقات عامة مكثفة، حيث عمل سفير الإمارات "يوسف العتيبة" كمهندس أساسي للحملة. ولأعوام، اكتسب "العتيبة" سمعة مرموقة في واشنطن، وكان قد تقارب جيدا مع الإدارة الحالية، وعلى وجه التحديد مع المستشار الأكبر للرئيس "ترامب"، وصهره، "جاريد كوشنر".

ومنذ اجتماعهم منذ أكثر من عام، أصبح "كوشنر" حلقة الوصل الرئيسية لـ "العتيبة" في البيت الأبيض. ويصف "جودي كانتور"، من صحيفة "نيويورك تايمز" باقتدار العلاقة بينهما كالعلاقة بين الطالب والمعلم، مع لعب "كوشنر" دور الطالب، حيث طلب من "العتيبة" انطباعاته عن تحولات القوى في الشرق الأوسط، وسوريا، وإيران، والتطرف، وغيرها من الأمور.

ومثلما كان "كوشنر" هو رابط "العتيبة" للبيت الأبيض، أثبت "العتيبة" أنه رابط "كوشنر" مع ولي العهد الإماراتي "محمد بن زايد".

وتشير التقارير إلى أن "كوشنر" قد تحدث مع "بن زايد"، وكذلك ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" عن طريق "واتس آب"، في خرق واضح للمعايير الحكومية، وهو ما أثار مخاوف أمنية بين كبار المسؤولين في الإدارة.

والأكثر من ذلك، لم تقتصر هذه المحادثات الخلفية والمشاورات غير الرسمية على "العتيبة" و"كوشنر".

بل ضمت كبير المستشارين السياسيين لدولة الإمارات "جورج نادر"، ونائب رئيس مجلس إدارة اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري "إليوت برويدي"، وهما أيضا لاعبان رئيسيان يتوسطان في التأثير نيابة عن الإمارات.

ووفقا لسلسلة من رسائل البريد الإلكتروني المسربة، اجتمع "برويدي" مع "ترامب"، وعقد عدة اجتماعات في البيت الأبيض مع "كوشنر" و"ستيف بانون".

وتم اكتشاف أن "برويدي" أرسل مذكرة لحث الرئيس على إقامة اجتماع غير رسمي مع "بن زايد" لدعم سياسات الإمارات المتشددة في المنطقة، ودفعه لإقالة وزير الخارجية آنذاك "ريكس تيلرسون".

وتم تداول أنباء حول قيام "ناد" بتوصيل مبلغ 2.5 مليون دولار إلى "برويدي" من أجل تمويل الجهود الهادفة للتأثير على سياسة الولايات المتحدة تجاه قطر.

ووفقا لهذه الرسائل، قدم "برويدي" 600 ألف دولار في صورة تبرعات سياسية لأعضاء الكونغرس لدعم سياسات مناهضة لقطر، وأرسل لهم جدول للخطوط العريضة لحملة شاملة للعلاقات العامة ضد كل من قطر والإخوان المسلمين. وبلغت التكلفة التقديرية للحملة 12.7 مليون دولار.

ويبدو أن الإمارات أنفقت الملايين، وهي مستعدة لإنفاق ملايين أخرى، لممارسة كل نفوذ ممكن، مما يدل على أن جهودها لتوجيه السياسة الخارجية ليست مقتصرة على البيت الأبيض فقط. واستخدمت الإمارات فعاليات جمع التبرعات الباهظة والتبرعات الدورية للمراكز الفكرية والمؤسسات الأخرى كأوراق مساومة ناجحة للحصول على التأثير السياسي كذلك.

مراكز البحوث

ووفقا لتقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، وكجزء من حملة العلاقات العامة التي بلغت قيمتها 12.7 مليون دولار، أعطى "نادر" و"برويدي" مبالغ كبيرة لمعاهد الأبحاث في واشنطن نيابة عن الإمارات. وفي عام 2017، دفع "نادر" مبلغ 2.5 مليون دولار إلى "برويدي" مقابل "خدمات استشارية وتسويقية وخدمات أخرى".

وكان الغرض من هذه الدفعة جزئيا توفير التمويل للمؤتمرات في معهد "هدسون" ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤتمرات أثبتت أنها ناقدة للغاية لدولة قطر.

وتتصل شركات الضغط التي تعمل لصالح الإمارات باستمرار بمؤسسات الفكر والرأي، بما في ذلك المجلس الأطلسي، الذي يتلقى تمويلا من الإمارات، ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومعهد أميركان إنتربرايز، ومركز التقدم الأمريكي. كما ساهمت الإمارات بأكثر من 500 ألف دولار لكل من "بروكنجز" ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

واعتبارا من العام الماضي، تبرعت الإمارات بنحو 20 مليون دولار لمعهد الشرق الأوسط؛ لتعزيز السياسات تجاه قطر.

ووفقا لتقرير صادر عن معهد الخليج، يتبادل كل من "العتيبة" ورئيس مجلس إدارة "معهد الشرق الأوسط"، "ريتشارد كلارك"، رسائل البريد الإلكتروني بشأن التبرعات، مبينا أن الأموال جاءت مباشرة من "محمد بن زايد" نفسه. كما أقام "العتيبة" علاقة وثيقة مع مركز الأمن الأمريكي الجديد.

وتكشف سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني المخترقة أنه في أوائل عام 2017، دفع "العتيبة" المركز إلى كتابة تقرير يتوافق مع مصالح دولة الإمارات.

كما تظهر رسائل البريد الإلكتروني أن المركز تعاون مع مجموعة "هاربور"، وهي إحدى أكبر الشركات العاملة لصالح الإمارات، والتي حصلت على 4.8 مليون دولار تقريبا من الإماراتيين في عام 2017، لتنظيم جولة دراسية في الإمارات لعدد من مراكز الأبحاث في واشنطن، من أجل تعزيز تصوراتهم حول المنطقة بما يتوافق مع الرؤية الإماراتية.

الأوساط الأكاديمية

كما مارست الإمارات نفوذها في الولايات المتحدة عبر الأوساط الأكاديمية. وكانت هناك العديد من التقارير حول تقديم الإمارات تبرعات كبيرة لعدد من الجامعات الأمريكية.

ووفقا لتقرير وزارة الخارجية عن الهدايا الأجنبية لعام 2017، تبرعت الإمارات العربية المتحدة بأكثر من 6 ملايين دولار لجامعات بارزة، بما في ذلك جامعة جورج واشنطن، وجون هوبكنز، وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس.

وكانت جامعة نيويورك المتلقي الأكبر لأموال الإمارات، مع تبرعات بقيمة 2 مليون دولار تقريبا في عام 2017، وأكثر من 4 ملايين دولار في عام 2016.

وتماشيا مع استراتيجية اللوبي السعودي، تستخدم الإمارات المساهمات النقدية بفاعلية كأداة للاستفادة من المؤثرين الرئيسيين في السياسة في واشنطن.

اليمن

وتلقت العلاقات العسكرية الإماراتية الأمريكية القليل من الاهتمام في الكونغرس أو وسائل الإعلام أو الجمهور. ويميل الإعلام إلى التركيز مع السعودية، جزئيا بسبب استخدام أسلحة الولايات المتحدة في حملة القصف الوحشي في اليمن. وتم توثيق قصف السعودية لأهداف مدنية، بما في ذلك حافلة مليئة بأطفال المدارس وعرس. ومع ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تشعر بالقلق إزاء الأنشطة الإماراتية في المنطقة أيضا.

وفي عام 2017، وفق تحقيق أجرته وكالة "أسوشيتد برس"، عُثر على 18 على الأقل من المعتقلات السرية التي تديرها الإمارات في اليمن؛ حيث تم استخدام أساليب استجواب غير شرعية شملت التعذيب، بما في ذلك ربط الضحية في شبكة حديدية تشبه المشواة داخل دائرة من النار. ونفى مسؤولون أمريكيون حدوث أي سوء معاملة عندما كانت القوات الأمريكية موجودة في هذه المنشآت.

كما تتحمل الإمارات مسؤولية تورط المرتزقة في الحرب في اليمن. ومولت الإمارات 1000 مرتزق سوداني للسفر إلى اليمن، ووفرت لهم الخدمات اللوجيستية. ويقال إن هذا يشمل أعضاء في ميليشيات "الجنجويد"، الذين يخضعون للعقوبات الأمريكية والدولية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب.

واستخدمت الإمارات سفنها للحصار البحري الذي جعل من الصعب الحصول على مساعدات إنسانية في اليمن. وتمنع السفن التابعة للتحالف الإمدادات الضرورية من دخول اليمن، حتى عندما لا تحمل السفن أسلحة، مما أدى إلى تفاقم المجاعة وتفشي الكوليرا التي دمرت البلاد بالفعل.

العلاقات العامة

ولكي نكون منصفين، تملك الإمارات شبكة كبيرة من الأعمال الخيرية في جميع أنحاء العالم.

ووفقا لتقرير جديد صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كانت الإمارات أكبر مانح للمساعدات التنموية نسبة إلى الدخل القومي في عام 2017.

وحتى في الولايات المتحدة، فإن الإمارات سخية للغاية فيما يتعلق بالإغاثة في حالات الكوارث.

وتعهدت الإمارات بتقديم 10 ملايين دولار في أعقاب إعصاري "هارفي" و"إيرما"، إلى تكساس وفلوريدا، للمساعدة في جهود الإنعاش الحكومية والمحلية، وقدمت 100 مليون دولار في جهود الإغاثة من الكوارث في أعقاب إعصار "كاترينا".

وتعاونت الإمارات مع مؤسسة "بيل وميليندا غيتس" للقضاء على شلل الأطفال. وفي عام 2017، شاركت سفارة الإمارات مع جمعية السرطان الأمريكية للاحتفال باطلاق أطلس للسرطان باللغة العربية، وهي الأداة التي تستخدم من قبل الجمهور والخبراء على حد سواء.

وترغب الإمارات في أن تثبت للولايات المتحدة والعالم أنها تتأقلم مع النظام العالمي الليبرالي، وتحاول المساهمة في مستقبل أفضل. وقد يكون التبرع بالملايين في المساعدات الدولية والرعاية الصحية أحد الطرق التي تحاول الإمارات القيام بها لإثبات ذلك.

السيطرة على وسائل الإعلام

وكان اسم "يوسف العتيبة" قد ظهر في وسائل الإعلام منذ أن أصبح سفيرا لدولة الإمارات العربية المتحدة عام 2008. وكتب "العتيبة" مقالات في صحيفة "واشنطن بوست" وصحيفة "وول ستريت جورنال". 

وفي مقالاته، يدافع "العتيبة" بلا هوادة عن وجود الإمارات في اليمن كضرورة لمواجهة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والحوثيين المدعومين من إيران، قائلا "إنه عمل صعب ومميت، لكن الإمارات، والولايات المتحدة، والمجتمع الدولي، يكونون أكثر أمانا بسبب ذلك". كما يؤكد "العتيبة" أن قطر لاعب سيء. ومنذ عام 2017، قطعت الإمارات والسعودية ودول أخرى علاقاتها الدبلوماسية مع قطر بسبب صلاتها المزعومة بـ"الإرهاب" الإسلامي وإيران. 

وفي الختام، فإن الإمارات، رغم صغرها، لديها أجندة عدوانية وبعيدة المدى في العاصمة الأمريكية.

وتريد الإمارات أن يُنظر إليها على أنها حليف الولايات المتحدة الذي لا غنى عنه في الشرق الأوسط، وهي الشريك الأنسب في الحرب على الإرهاب، وأنها مساهمة في عالم أفضل. ويمكن ملاحظة ذلك في الموقف القوي لدولة الإمارات بشأن إيران والقاعدة، سواء في اليمن أو في أي مكان آخر، وفي تحويل الإمارات الملايين من الدولارات للمساعدات التنموية الدولية.

وللترويج لهذا السرد، تستخدم الإمارات عددا لا يحصى من شركات كسب التأييد لتعزيز مصالحها السياسية، وتمول أعدادا كبيرة من أبرز المؤسسات البحثية الأمريكية والجامعات، وتوجه "يوسف العتيبة" لجذب الجميع في الوسائط الإعلامية.

ويبدو محاربة "المتشددين" الإسلاميين ومنح الملايين من المساعدات التنموية أمرا جيدا، فعندما يكون لديك المليارات التي تنفقها على التسويق والعلاقات العامة، يمكنك إبراز أي شيء كحركة إيجابية. ولكن في الوقت الذي تركز فيه الولايات المتحدة على دولة الإمارات التي تحد من نفوذ إيران والمجموعات المسلحة، فإنها لا ترى الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في السجون تحت الأرض وآلاف الأطفال الجائعين في اليمن. وبينما تنفق الإمارات ببذخ على المساعدات الدولية، فإنها تنفق ملايين الدولارات على جماعات الضغط، والمراكز البحثية، والجامعات، والسياسيين في العاصمة الأمريكية، من أجل النفوذ.

ومنذ بدء التدخل في اليمن عام 2015، قدمت الولايات المتحدة ما يقرب من 4 مليارات دولار من مبيعات الأسلحة إلى الإمارات. وهي تنفق نحو 20 مليون دولار على ممارسة الضغط في الولايات المتحدة سنويا.

وإذا كانت الولايات المتحدة لا تزال تقدم نفسها كزعيم لعالم ديمقراطي حر فإن عليها أن تتأكد أن المال الخليجي لن يقوض السياسة الخارجية الأمريكية. وإذا كانت سياسات دولة الإمارات لا تتوافق مع المثل والقيم الأمريكية، فقد آن الأوان لإعادة تقييم العلاقات معها.

المصدر | لوب لوج

  كلمات مفتاحية

العلاقات العامة جماعات الضغط يوسف العتيبة حرب اليمن العلاقات الإماراتية الأمريكية