فلسطين تستقبل 2019 بمصالحة بعيدة ومقاومة متعددة اللغات

الأربعاء 26 ديسمبر 2018 09:12 ص

يبدو المشهد الفلسطيني في ختام 2018 مركبا، بما يتناسب مع تعدد أصعدة الاشتباك الداخلية والخارجية لطرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

فعلى صعيد مقاومة الاحتلال صكت غزة لغة جديدة، تمثلث في مسيرات العودة الكبرى، إلا أنها لم تغن عن لغة المواجهة المسلحة التي شهدت حالات صعود وهبوط، تختتم 2018 بملامح تهدئة طويلة الأمد بين فصائل المقاومة في القطاع المحاصر وحكومة الاحتلال، قد يشهدها العام الجديد 2019.

أما الضفة الغربية فقد ازدادات وتيرة عمليات المقاومة لتبلغ ذروتها في الشهرين الأخيرين، منذرة بمزيد من التصعيد، خاصة مع تشديد الإجراءات العقابية الجماعية التي يفرضها الاحتلال، والموقف الأمريكي المنحاز بنقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس المحتلة، كنوع من الاعتراف بكونها عاصمة لدولة الاحتلال، في خطوة تعتبر تصفية لأحد الأركان الرئيسية في القضية الفلسطينية.

وعلى الصعيد الداخلي لدى طرفي الصراع، تشهد الحالة الفلسطينية مزيدا من الانقسام مع قرار الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" حل المجلس التشريعي الفلسطيني، قبل أيام، وهو ما اعتبرته حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ومراقبون بمثابة قنبلة توشك أن تطيح بملف المصالحة، على أعتاب العام المقبل.

أما الجانب الإسرائيلي، فيشهد تداعيات على المستوى السياسي، سواء تحت ضغط التفاعل الداخلي أو عمليات وأداء المقاومة، حيث صادق البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، مؤخرا، على حل نفسه تمهيدا لإجراء انتخابات مبكرة في أبريل/نيسان 2019، كما اضطر وزير الدفاع في جيش الاحتلال "أفغيدور ليبرمان" إلى الاستقالة احتجاجا على توقيع الهدنة مع غزة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فيما تزداد الاتهامات الموجهة لرئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" وزوجته بالتورط في قضايا فساد.

مسيرات العودة الكبرى.. تحدي السلمية في 2018

بالرغم مما اشتهر به قطاع غزة، باعتباره معقل المقاومة الفلسطينية المسلحة، شهد العام الجاري 2018 انطلاق مسيرات العودة الكبرى في 30 مارس/آذار، الموافق للاحتفال بيوم الأرض، كوسيلة للمقاومة الشعبية غير المسلحة، لتستمر بعد ذلك في كل جمعة على مدار العام، للمطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجروا منها منذ عام 1948، وكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ منتصف عام 2007.

وبلغت مسيرات العودة الكبرى ذروتها مع ذكرى النكبة في منتصف مايو/أيار، كما شهدت تطويرا لفعالياتها أربك الاحتلال الإسرائيلي، مثل الحرائق التي سببها الكاوتشوك المشتعل والطائرات الورقية المشتعلة، وجسارة الشبان الفلسطينيين في اقتحام السلك الشائك الحدودي بين المناطق الشرقية في قطاع غزة وجنوب (إسرائيل)، وهي المناطق التي هجر منها الفلسطينيون مع بداية الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، وتستهدف المسيرات ترسيخ أحقية العودة إليها في وجدان الأجيال الفلسطينية الجديدة والعالم أجمع، بحسب اللجنة التنسيقية لمسيرة العودة الكبرى المدعومة من كافة الفصائل والقوى الفلسطينية.

في المقابل، فإن سلمية المسيرات لم تمنع الاحتلال الإسرائيلي من استهداف المتظاهرين، حيث استشهد 253 فلسطينيا بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي ما زال يحتجز جثامين 11 منهم، وذلك منذ انطلاق مسيرات العودة وحتى 22 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بحسب تقرير أصدره، مركز "عبدالله الحوراني للدراسات والتوثيق".

وبلغ عدد الشهداء من الأطفال 45 شهيدا، بينهم طفلتان، ولا يزال الاحتلال يحتجز جثامين 3 شهداء منهم، وسجلت الشهيدة "بيان أبو خماش" كأصغر شهيدة من الأطفال حيث يبلغ عمرها عاما ونصف، ومن بين 25 ألفا و477 جريحا، أصيب 4 آلاف و379 طفلا بجروح مختلفة، ما يزيد عن نصفهم أصيبوا نتيجة إطلاق الرصاص الحي، والمعدني، وشظايا القصف الجوي، والمدفعي، على مناطق القطاع.

المرأة لم تكن بمنأى عن رصاص الاحتلال، حيث استشهدت سيدتان هما "إيناس أبو خماش"، وكانت حاملا في شهرها التاسع، نتيجة القصف المدفعي على بيتها، والمسعفة "رزان النجار"، فيما أصيبت نحو ألفين و50 امرأة بجروح مختلفة.

واستشهد 7 من ذوي الاحتياجات الخاصة أثناء مشاركتهم في المسيرات السلمية، و3 من الطواقم الطبية، فيما أصيب نحو 470 من الطواقم الطبية المختلفة، على الرغم من أن النقاط الطبية التي يتم استهدافها تبعد عن السلك الفاصل مسافة تزيد عن 500 متر، كما تضررت 84 سيارة إسعاف، ومركبة طبية، نتيجة إطلاق الرصاص المباشر نحوها، أو استهدافها بقنابل الغاز بشكل مباشر.

واستشهد صحفيان، برصاص الاحتلال فيما أصيب نحو 263 صحفيا بجروح مختلفة، 140 منهم نتيجة الإصابة بالرصاص الحي والمعدني.

الضفة تقود زمام المواجهة في 2018

وعلى صعيد مواز، شهد عام 2018 منذ بدايته وحتى تاريخ آخر عملية في 13 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أكثر من 4 آلاف و367 عملا مقاوما، أوقعت 14 قتيلاً إسرائيلياً وأصابت أكثر من 170 آخرين، في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، بحسب "مركز القدس للدراسات"، ووسائل إعلام عبرية.

وشملت هذه الأعمال 42 عملية إطلاق نار، و34 عملية طعن ومحاولة طعن، و15 عملية دهس ومحاولة دهس، و53 عملية إلقاء أو زرع عبوات ناسفة، و262 عملية إلقاء زجاجات حارقة صوب آليات ومواقع الاحتلال العسكرية وصوب مستوطنيه.

ووقعت أحدث هذه العمليات في 13 ديسمبر/كانون الأول الجاري، حيث قتل 3 جنود إسرائيليين بعدما أطلق فلسطيني النار صوبهم قرب مدينة رام الله، عقب إعلان جيش الاحتلال اغتيال الشهيدين "صالح عمر البرغوثي" و"أشرف نعالوة" منفذي عمليتي عوفرا وبركان.

تهدئة بدأت في 2018.. هل تستمر في 2019؟

أخطر محطة في 2018 بين المقاومة والاحتلال كانت في نوفمبر/تشرين الثاني، والذي شهد عملية توغل لعناصر من الاحتلال في خان يونس، بقطاع غزة المحاصر، أسفرت عن اغتيال 6 مقاومين، وردت المقاومة باستهداف حافلة تبعها عمليات قصف متبادل، لمدة يومين، ما لبثت أن انتهت بهدنة مؤقتة، وبدء محادثات هدنة طويلة الأمد بين الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية، تهدف إلى إنهاء الحصار، بوساطة مصرية.

وإثر كشف عملية التوغل، وما اعتبر فشلا استخباراتيا، حيث تمكنت حركة "حماس" من تحديد هوية المتسللين، اضطر وزير دفاع جيش الاحتلال، اليميني المتشدد "أفغيدور ليبرمان" إلى تقديم استقالته، كما أبدى اعتراضه على مباحثات التهدئة الدائمة، والتي ضمت كذلك حركة "الجهاد الإسلامي"، وليس "حماس" وحدها.

وفي ظل الدعوة لانتخابات مبكرة في أبريل/ يسان المقبل، فإن الوضع الإسرائيلي الداخلي يجعل إتمام التهدئة هو الأقرب للتحقق، بحسب مراقبين.

مصالحة بعيدة المنال

أبرز الأحداث السياسية في 2018، كانت قرار الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" حل المجلس التشريعي، الأمر الذي ينبئ بتضرر الحياة السياسية مع تواصل الانقسام، حيث أكدت حركة "حماس" في بيان رسمي، أن المجلس التشريعي سيّد نفسه، فيما اعتبرت فصائل فلسطينية أخرى، بأن القرار سيعرقل جهود المصالحة التي تقوم بها مصر.

وأشار القيادي في الحركة "خليل الحية" إلى أن "عباس" اتخذ "خطوات تعصف بالحالة الوطنية، وتدمر كل المؤسسات الشرعية".

ووصف النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني "قيس أبو ليلى"، قرار حل المجلس، بأنه "مخالف لنص القانون الأساسي، وضربة لاتفاق المصالحة، الذي ينص على ضرورة تفعيل المجلس، لا حله".

ويتكون المجلس التشريعي من 132 مقعدا حازت حركة "حماس" 76 مقعدا منها مقابل 43 مقعدا لحركة "فتح" و13 مقعدا لأحزاب اليسار والمستقلين.‎

وتعطل عمل التشريعي بعد أحداث الانقسام الفلسطيني عام 2007، عندما سيطرت "حماس" على قطاع غزة، بعد حالة من الانفلات الأمني، قادتها قوى أمنية مرتبطة بحركة "فتح" في القطاع، عقب فوز "حماس" باكتساح لانتخابات يناير/كانون الثاني 2006.

إلا أن الانقسام الذي بدأ قبل نحو 11 عاما، وشهد عدة محاولات لرأب صدعه، من بينها حكومة التوافق الوطني، التي وافقت "حماس" مؤخرا على تسليمها مقاليد الأمور في القطاع، لتوحيد الضفة وغزة تحت إدارة حكومة واحدة، يبدو أنه قد يستمر كذلك خلال 2019، بل وربما يتفاقم في ظل مصالحة باتت بعيدة المنال.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فلسطين غزة الضفة القدس إسرائيل الاحتلال المصالحة التهدئة