توقعات 2019.. تركيا تعزز زعامتها الإقليمية وإسرائيل تهاجم حزب الله

الخميس 27 ديسمبر 2018 07:12 ص

كان المحرك الأساسي في الشرق الأوسط، خلال عامي 2016 و2017، يدور حول صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" وسقوطها. وفي عام 2018، حاولت إيران ملء فراغ السلطة الذي خلفه انهيار الجماعة المتشددة، ولاحقا ظهرت بوادر تشكيل تحالف ضمني لدحر إيران. وفي 2019، سيكون المحرك الرئيسي هو جهود التحالف لتحقيق هذه الغاية. وتعد تركيا البلد الأفضل استغلالا لهذا التطور، لكنها تدين في مكاسبها لديناميكيات اللعبة المحيطة بها أكثر من تحركاتها نفسها. كما تعد روسيا تحدي خاصة لتركيا؛ فلا أنقرة تستطيع مواجهة موسكو كند على قدم المساواة في سوريا، وفي نفس الوقت لا يزال اقتصادها في حالة يرثى له. لكن مقارنة بالقوى الأخرى في المنطقة، تتمتع تركيا بوضع استراتيجي ممتاز. وسيزداد ظهور تركيا كزعيم إقليمي، في حين تتعرض القوى الثلاث الرئيسية الأخرى في المنطقة، السعودية و(إسرائيل) وإيران، لضغوط كبيرة.

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، أصبح ذكر السعودية مرادفا لمقتل الصحفي "جمال خاشقجي". لكن قضية اغتيال "خاشقجي" كانت أكثر من مجرد ضجة إعلامية، وتعد أحد أعراض هشاشة النفوذ السعودي. وأدى تصاعد إنتاج النفط العالمي، وخاصة إنتاج الولايات المتحدة، إلى انخفاض أسعار النفط. وعندما تنخفض أسعار النفط، تتضاءل القوة السعودية. ويعاني حاكم البلاد، الملك "سلمان"، في الثمانينيات من عمره، مع تاريخ حافل من المشاكل الصحية وحالة غير مثبتة من الخرف. وكان خليفته المختار، ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان"، شخصية مثيرة للجدل حتى قبل أن يتعرض للتشكيك واسع النطاق بسبب مقتل "خاشقجي". وتأتي توقعاتنا للمملكة متشائمة؛ حيث ما زلنا نشك في ما إذا كانت المملكة ستستمر لفترة طويلة بشكلها الحالي. ومع ذلك، فإنها يجب أن تستمر في عام 2019 على حساب إيران.

وفي هذه الأثناء، بدأت (إسرائيل) في التحرك. وفي حين احتدمت الحرب في سوريا، كانت (إسرائيل) أكثر أمنا من أي مرحلة أخرى في تاريخها القصير. والآن، بعد أن أصبح نظام "بشار الأسد" في موقف آمن، أعادت طهران تثبيت دولة إيرانية بالوكالة على حدودها الشمالية. ويمتلك نظام "الأسد" الوسائل والإرادة لتزويد مجموعات الميليشيات المتحالفة مع إيران، وعلى الأخص "حزب الله"، بأسلحة مثل الصواريخ الموجهة بدقة، والأسلحة المضادة للدبابات، والقذائف المضادة للسفن، التي يمكنها إلحاق الضرر الجسيم بـ(إسرائيل). وردت (إسرائيل) بالشروع في الهجوم على سوريا، وسعت لهدنة طويلة الأمد مع "حماس"، وصناعة تحالفات مع السعودية والإمارات.

ثم، بالطبع، هناك إيران. وقد تمكنت إيران من استعراض قوتها خارج جبال "زاغروس" على حدودها الغربية. وشاركت ميليشياتها الشيعية المعروفة باسم "قوات الحشد الشعبي" في صفوف الجيش العراقي، وكانت فعالة في هزيمة "الدولة الإسلامية" بعد أن هربت القوات المسلحة العراقية. وتعد إيران أيضا لاعبا رئيسيا في السياسة العراقية كما أن قواتها العسكرية في سوريا مصممة للبقاء، على الأقل في الوقت الحالي، كما تفتخر بقواتها بالوكالة في لبنان واليمن، التي تهدد منافسيها المباشرين، (إسرائيل) والسعودية. لكن تعد أكبر نقطة ضعف في إيران هي الداخل الإيراني نفسه. وقد انسحبت الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية في المقام الأول بسبب القلق من طموحات إيران المتنامية في المنطقة. وبذلك، أرسلت واشنطن الاقتصاد الإيراني إلى حالة من الضعف؛ مما فرض ضغوطا هائلة على الحكومة وسط معركة من أجل السلطة السياسية بين "الحرس الثوري" الإسلامي والطبقة السياسية الحاكمة.

ويعتمد الكثير مما يحدث في الشرق الأوسط في عام 2019 على هدف الولايات المتحدة المتمثل في منع إيران من أن تصبح أكثر قوة، وهو أمر ستتابعه واشنطن معتمدة على حلفائها الإقليميين. وستواجه إيران أعداءً في سوريا والعراق، وكذلك في الداخل. وستتعامل مع تمرد كردي أكثر نشاطا، وربما بتمويل من الولايات المتحدة، في شمالها الغربي، ومع المعارضة العربية، التي ربما تمول من السعودية، في خوزستان وفي سيستان وبلوشستان. وسيكون لديها أموالا أقل لإنفاقها على برامجها الاجتماعية، مع انخفاض التمويل الذي أدى بالفعل إلى احتجاجات جماهيرية في وقت سابق من هذا العام.

وتؤدي الحالة الخطرة التي تعيشها إيران، والبيئة الأمنية المتدهورة لـ(إسرائيل)، وتوتر النظام في السعودية، ودفع الولايات المتحدة لتغيير النظام في إيران، إلى نتيجة لا مفر منها، ألا وهي جعل تركيا أقوى نسبيا. 

موقف إيران يضعف في سوريا واليمن

وبعد أن تمكن نظام "الأسد" من السيطرة على معظم سوريا، فإنه سيتوقف عن التركيز بدرجة كبيرة على محاربة مقاتلي المعارضة، حتى يتمكن من محاولة إعادة بناء البلاد التي مزقتها الحرب. وكانت إيران حليفا مهما لهذا النظام؛ حيث قدمت الجنود المشاة للقتال البري، لكن ما تحتاجه سوريا الآن هو تمويل إعادة الإعمار، وإيران ليست في وضع يسمح لها بتوفير رأس المال خاصة بعد أن عزلتها الولايات المتحدة اقتصاديا. ويفقد الإيرانيون القدرة على الإنفاق، ويواجهون مشكلة غذاء تفاقمت بسبب الجفاف في جميع أنحاء البلاد. وبالمثل، قد لا تكون روسيا، الداعم الرئيسي الآخر لنظام "الأسد"، قادرة على الإنفاق كما كانت في السابق. ولا يريد "الأسد" أن يصبح دمية في يد إيران، وتريد موسكو ثقلا شرعيا مضادا لأنقرة، وهذا يعني ضمان أن يكون نظام "الأسد" قويا بما يكفي للوقوف بمفرده. وتبقى السعودية البلد الأكثر ملاءمة لتلبية الاحتياجات الفورية لسوريا؛ فالمملكة، على عكس إيران، لا تزال جزءا من النظام التجاري العالمي، وتملك ما يقارب الـ500 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية.

وإذا كان موقف إيران في سوريا يضعف تدريجيا، فكذلك موقفها في اليمن. وكانت الحرب هناك مسعىً مكلفا لجميع المعنيين، ولا سيما بالنسبة للملايين من المدنيين الذين لا يستطيعون الحصول على الغذاء أو الرعاية الطبية. وسيحاول التحالف، الذي تقوده السعودية، في اليمن، إنهاء الصراع. ومن المحتمل أن تكون إيران متوافقة مع هذه الخطة، لأنها ببساطة لا تملك الموارد اللازمة لمواصلة دعم وكلائها في الحرب الأهلية. لكنها ستهدف إلى تقليص حجم مشاركتها في اليمن، لتقديم تنازلات بشأن العقوبات، أو إبرام صفقة جديدة مع الولايات المتحدة بشأن الأسلحة النووية وإنتاج القذائف المحلية.

إسرائيل تهاجم "حزب الله"

عبر "حزب الله" خط (إسرائيل) الأحمر؛ حيث يحصل الحزب الآن على ذخائر متطورة موجهة بدقة من إيران. وحسب (إسرائيل)، تقوم إيران بتصنيع بعض هذه الذخائر داخل لبنان. وتشكل عمليات الاستحواذ على الأسلحة هذه تهديدا أكبر مما تتحمله (إسرائيل). وكان موقف (إسرائيل) دائما أن تستبق التهديدات المحتملة، لذا فإن هناك العديد من المبررات بالنسبة لها لمهاجمة "حزب الله". علاوة على ذلك، يعد "حزب الله" أضعف من السابق، بسبب الجهد الذي أنفقه في القتال في الحرب السورية. وتدرك (إسرائيل) أنها لن تكون لديها فرصة أفضل لتحييد المجموعة أكثر من الآن.

لكن حرب (إسرائيل) الأخيرة ضد "حزب الله" لم تسر على ما يرام. وقد تسبب الضربات الجوية في الكثير من الضرر لعدو جيد التجهيز ومحصن، مثل "حزب الله". لكن على خلاف "حماس"، يتغلغل "حزب الله" في الداخل اللبناني؛ لذا قد تتطلب العملية الإسرائيلية الفعالة غزوا بريا، لكن (إسرائيل) لا تريد أن تنشر قوات غير ضرورية، كما أن عملية بهذا النوع ستنتهك السيادة اللبنانية، وقد تسبب الكثير من الأضرار الجانبية، بغض النظر عن مدى شرعية هجوم (إسرائيل).

وبمعرفة هذا، ستحاول (إسرائيل) الحد من نطاق أي صراع. وسيكون هدفها الأساسي ردع "حزب الله". ويبقى السيناريو الأكثر احتمالا هو شن حملة جوية تهدف إلى قطع طرق الإمداد بين إيران و"حزب الله" عبر سوريا، وتدمير المصانع ومواقع تخزين الذخيرة الموجهة. وستركز (إسرائيل) على إضعاف إيران من خلال العمليات في سوريا، لكن للحد من تهديد "حزب الله"، سيكون عليها في النهاية استهداف الجماعة في لبنان. وعند هذه النقطة، قد تتصاعد الأمور بسرعة.

تركيا تعزز وجودها في سوريا

سوف تزيد تركيا من وجودها العسكري في سوريا. وستقدم الولايات المتحدة تنازلات إقليمية محدودة لتركيا حول الحكم الذاتي الكردي.

وتهدف تركيا للبقاء في شمال سوريا، وستنشر المزيد من قواتها العسكرية في المنطقة عام 2019. وفي إدلب، تفضل تركيا التعامل مع الجماعات المتشددة مثل "هيئة تحرير الشام". وفي شمال سوريا، ستهدف إلى تهدئة الأرض التي تسيطر عليها، وربما تطلق عمليات ضد المواقع الكردية في الشرق.

لكن قضية الأكراد في سوريا تبقى شائكة بالنسبة لتركيا. فأنقرة ليست مستعدة لمواجهة موسكو بدون دعم واشنطن؛ لذلك يجب أن تحتفظ على الأقل بنوع من التحالف مع الولايات المتحدة. إلا أن الولايات المتحدة تدعم الأكراد، وترى تركيا أن هذا الدعم يشكل تهديدا مباشرا لأمنها القومي. علاوة على ذلك، تريد الولايات المتحدة من تركيا أن تضطلع بدور أكثر نشاطا في إدارة المنطقة، بمعنى مكافحة الجماعات المتشددة والدفع ضد إيران. ولا تهتم تركيا بنشر قواتها في عمق الصحراء السورية للتخلص من بقايا "الدولة الإسلامية"، كما أنها تستفيد من علاقتها مع إيران. وتقوم حملة العقوبات الأمريكية بـ"العمل القذر" نيابة عن تركيا؛ حيث تستطيع أنقرة الحفاظ على علاقتها مع طهران، أكبر منافس محتمل لها في الشرق الأوسط، مع الاستفادة من إضعافها عن طريق العقوبات التي لا تشارك فيها.

وعلى الرغم من هذه العقبات، ستبقى الشراكة غير المستقرة بين الولايات المتحدة وتركيا في مكانها الصحيح. وطالما يشكل تنظيم "الدولة الإسلامية" تهديدا، فلن تبيع الولايات المتحدة الأكراد السوريين تماما. ومع ذلك، ستقدم تنازلات محدودة لأنقرة، وربما تجبر الأكراد السوريين على التنازل عن بعض الأراضي، إما للقوات السورية المحلية أو لتركيا مباشرة، دون تقويض سلامة الأراضي الكردية السورية أو المساس بالعمليات ضد "الدولة الإسلامية" شرق سوريا. ولأن الولايات المتحدة تحتاج إلى تركيا لمواجهة روسيا في جنوب القوقاز وفي البحر الأسود، فسيكون دعمها للأكراد السوريين في عام 2019 مسألة حاسمة.

شرق المتوسط

ستزيد تركيا من عمليات التنقيب عن الطاقة في شرق البحر المتوسط، ​​وصد الوجود الأجنبي في المنطقة، التي تعتبرها منطقة اقتصادية خالصة حول شمال قبرص.

ومرة أخرى، يعود شرق البحر المتوسط ​​إلى موقع المنافسة بين تركيا وأوروبا الغربية. واقتضت الضرورة المتزايدة لتحقيق استقلال أكبر للطاقة عن روسيا وإيران أن تكون تركيا أكثر حزما في مطالبها الإقليمية حول شمال قبرص. وستحاول بقوة الحصول على تنازلات من شركات الطاقة الأوروبية. وفي المواجهات مع أوروبا الغربية، كانت نقطة النفوذ الرئيسية لتركيا، وستبقى، هي اللاجئين السوريين، الذين أدخلتهم أراضيها في مقابل اعتبارات سياسية ودعم مالي. وعند الضرورة، ستدعم أنقرة موقفها التفاوضي باستعراض القوة، وستكون علامة مبكرة على المزيد من التطورات الجادة القادمة، وفي مقدمتها المواجهة بين تركيا وأوروبا.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

تركيا السعودية إيران سوريا حزب الله توقعات 2019