جيوبوليتيكال فيوتشرز: الاحتجاجات السودانية وصراع النفوذ في البحر الأحمر

الجمعة 28 ديسمبر 2018 02:12 ص

اندلعت الاحتجاجات في السودان، الأسبوع الماضي، بعد أن ضاعفت الحكومة سعر الخبز 3 مرات، واستمرت هذا الأسبوع، حيث شارك فيها الآلاف في المدن في جميع أنحاء البلاد.

وفي الخرطوم، سار المتظاهرون إلى القصر الرئاسي، مطالبين بتنحي الرئيس "عمر البشير"، ويصر تحالف من المجموعات النقابية على أن تحل حكومة انتقالية مكانه.

وقد تم قتل ما يقرب من 40 شخصا على يد قوات الأمن، وبدأ الأطباء يوم الإثنين إضرابا تضامنا مع المتظاهرين، ووعد "البشير"، الذي يتولى السلطة منذ عام 1989، بالاستجابة لمطالب المتظاهرين بإجراء المزيد من الإصلاحات الشاملة، لكنه أوضح أنه ينوي البقاء في منصبه.

ولا تعد السودان غريبة على الاضطرابات المدنية، وعلى مدى الأعوام الـ 70 الماضية، نجت البلاد من حربين أهليتين، وأدت ثالثة إلى تقسيمها، لتصبح دولتين، السودان وجنوب السودان.

لكن هذه المرة، من المحتمل أن بعض القوى الإقليمية، وهي تركيا والمملكة العربية السعودية وإيران ومصر، سوف تولي اهتماما وثيقا للنتيجة.

منافسة استراتيجية

وتنبع القيمة الاستراتيجية للسودان من ميزتين جغرافيتين، ساحلها على البحر الأحمر، وتلاقي نهري النيل الأبيض والأزرق.

وقد أثبت ساحل البحر الأحمر في السودان قيمة مغرية لكل من إيران وتركيا والسعودية، في حين أن سيطرة السودان على تدفق نهر النيل الشمالي جعلها محل اهتمام جارتها الشمالية، مصر، التي تعتمد بشكل كبير على النيل كمصدر وحيد للمياه.

وعندما وصل "البشير" إلى السلطة، فإنه وقع اتفاقا دفاعيا مع طهران، حيث أعطى إيران موطئ قدم على أحد جانبي السعودية.

وشرعت إيران في بناء مصانع الأسلحة في السودان، ويُعتقد أن (إسرائيل) استهدفت بعض المصانع في الغارات الجوية في الأعوام 2009 و2012 و2015، وهو ما يعني أن الأسلحة ترسل إلى "حزب الله" في لبنان عبر شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط.

ولكن في الوقت الذي ضعفت فيه إيران، فقد أسقطتها السودان من قائمة أولوياتها.

وفي الآونة الأخيرة، أتاحت التغيرات السياسية والاقتصادية في السودان فرصا أكبر لمنافسة إيران، المملكة العربية السعودية.

وفي عام 2011، عندما انفصلت جنوب السودان، ورثت معظم احتياطيات النفط المشتركة سابقا، لكنها بقيت معتمدة على السودان في النقل إلى البحر الأحمر، وبالتالي، للأسواق الدولية.

وتحتاج السودان إلى الدخل الذي تتلقاه من منح جنوب السودان وصولا إلى موانئها.

ومع ذلك، تسبب اندلاع الحرب الأهلية في جنوب السودان، والتي تلت استقلالها مباشرة، في إعاقة صناعة النفط.

وكانت اتفاقية السلام الأخيرة في جنوب السودان تهدف إلى زيادة إنتاج النفط بمقدار 20 ألف برميل في اليوم؛ حيث انخفض الإنتاج من 350 ألف برميل يوميا في ذروته، إلى 135 ألف برميل يوميا. وقد أدى ذلك إلى زيادة الضغط على الشؤون المالية للسودان ولم يسهم الانخفاض الأخير في أسعار النفط إلا في جعل الأمور أكثر سوءا.

وكانت حاجة السودان إلى الاستثمار الأجنبي فرصة للسعودية، ويرجع قرار الحكومة لزيادة أسعار الخبز جزئيا إلى انخفاض إيرادات الموازنة السودانية، وتهاوي قيمة الجنيه السوداني، الذي انخفض من 4 جنيهات مقابل الدولار في عام 2014، إلى 29 جنيها مقابل الدولار اليوم، وهذا هو السعر الرسمي فقط؛ حيث يقترب سعر السوق السوداء من 40 جنيها للدولار.

وقد ضخت الرياض كميات كبيرة من رأس المال لم تكن إيران قادرة على تحملها، واشترت التحالف مع السودان فعليا، وتعهدت السعودية باستثمار 11 مليار دولار على الأقل هناك، مقابل مشاركة ما بين 3 آلاف و10 آلاف جندي سوداني في صفوف التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.

وقد تلاقت المصلحة المتبادلة للطرفين، فالسودان لديها قوات عسكرية، وتحتاج إلى الاستثمار بشكل ملح، والسعودية لديها المال، وتريد أن تحد من التزامها بالقوات البرية في اليمن.

وكان تحول السودان إلى جانب المملكة، بلا شك، جزءا من الحافز الذي دفع الولايات المتحدة لرفع العقوبات المفروضة على السودان نهاية عام 2017، على الرغم من أنها ادعت أن السبب هو أن السودان قد قطعت خطوات في التخلي عن دعم الإرهاب.

تطلعات تركية

من ناحية أخرى، تتطلع تركيا إلى ذلك المكان البعيد بينما تنمو قوتها في الشرق الأوسط، فالبحر الأحمر هو طريق تجاري مهم لتركيا، يربط قناة السويس بمضيق باب المندب وبحر العرب.

ويعد الحفاظ على هذه الممرات البحرية مفتوحة أمر بالغ الأهمية بالنسبة لتركيا، كما أن وجود قاعدة لها جنوب قناة السويس يمنحها وسيلة للضغط على مصر من الخلف، وهو أمر مفيد إذا أرادت مصر إعاقة وصول تركيا إلى قناة السويس، الأمر الذي قد يؤثر على وصول تركيا البحري إلى ما وراء شرق البحر المتوسط.

ولذلك، بدأت تركيا الاستثمار في بناء ميناء "سواكن" في السودان، الذي من المتوقع أن يعمل كمركز تجاري، ولكن يمكن استخدامه بسهولة كقاعدة بحرية.

وفيما تصبح تركيا أكثر انخراطا في الشرق الأوسط، فإن مصالحها تقف حتما في مواجهة المصالح السعودية، حيث يتنافس البلدان على قيادة العالم السني، ولذلك، تهدد القاعدة التركية في "سواكن" المملكة العربية السعودية على نحو مضاعف ويشكل وجود قوات بحرية أجنبية قبالة الساحل الغربي للملكة خطرا على أمنها، ويسمح للسودان باللعب على ورقة التنافس بين تركيا والسعودية من أجل الحصول على صفقات استثمارية أفضل.

كما تتعرض مصر، وهي حليف وثيق للسعودية، لتهديدات ناتجة عن التواجد التركي في السودان.

ولم تكن أنقرة والقاهرة ودودين مع بعضهما البعض بشكل خاص، وتتعاطف تركيا مع نوع فريد من الإسلام السياسي الذي يسعى إلى إنشاء دولة أكثر تدينا باستخدام هياكل سياسية علمانية بدلا من الثورة العنيفة، أو فرض الشريعة بالقوة، وما إلى ذلك، وقد أثمر هذا النهج علاقات وثيقة لأنقرة بجماعة الإخوان المسلمين، وهي منظمة إسلامية تروج لتلك الأيدلوجية، وتعتبرها الحكومة المصرية عدوا تاريخيا لها.

وعندما خرجت أخبار ميناء تركيا في سواكن لأول مرة، ترددت شائعات بأن مصر أرسلت مئات أو آلاف الجنود إلى قاعدة الإمارات العربية المتحدة في إريتريا، وقد نفت مصر ذلك.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، وافقت السودان ومصر على إجراء دوريات حدودية مشتركة، ومع ذلك، ستبقى مصر مرتابة من الوجود التركي على طول البحر الأحمر.

وبشكل ملح، تضطر مصر للنظر في إمدادات المياه الخاصة بها، وبما أن النيل يتغذى بالدرجة الأولى من روافده من النيل الأزرق، الذي ينشأ في إثيوبيا، فإن كل من السودان وإثيوبيا يملكان نفوذا على مصر.

وقد أجرت مصر مفاوضات متوترة مع إثيوبيا حول بناء سد النهضة الكبير، الذي تعتقد أنه يمكن أن يقلل بشكل كبير من تدفق نهر النيل، ولا يمكن أن تخاطر بوضع مماثل في السودان.

ولا شيء من هذا يعني أن الاحتجاجات في السودان ستؤدي إلى حرب أهلية أخرى، لكن اليوم، على عكس ما كان قبل أكثر من 20 عاما، فإن القوى الإقليمية لديها مصلحة أكبر في السودان. لذا من غير المرجح أن تستمر أي اضطرابات داخلية محلية.

وفي نهاية المطاف، تعد السودان علامة جديدة على الاتجاه الأوسع، ألا وهو زيادة التنافس الأجنبي في القرن الأفريقي والبحر الأحمر.

  كلمات مفتاحية

السودان احتجاجات السودان عمر البشير مصر تركيا السعودية إيران