جمال خاشقجي.. المفكر الحر الذي هز قتله العالم

الثلاثاء 1 يناير 2019 01:01 ص

أثار القتل الوحشي للصحفي "جمال خاشقجي"، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، "تسونامي" جيوسياسي. وعلى عكس ما حدث في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، عندما كانت المؤسسة السياسية الأمريكية موحدة تقريبا في سعيها للحفاظ على الشراكة الأمريكية السعودية، يدور الإجماع في الكونغرس الآن حول أن العمل كالمعتاد، كما جاء على لسان "دونالد ترامب"، لا يمكن أن يستمر.

وكان "خاشقجي"، كما يعلم كل من كان له شرف معرفته، وطنيا سعوديا داعما لأجندة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي للأمير "محمد بن سلمان" في البلاد. لكنه انتقد بشدة تكتيكات ولي العهد القمعية، ولم يكن لديه أي شك في وحشية الحكومة السعودية. على سبيل المثال، عندما تم اعتقال العديد من السعوديين البارزين، بمن فيهم أفراد من العائلة المالكة، في فندق "ريتز كارلتون" في الرياض، أواخر 2017، انتقد "خاشقجي" ذلك، كما انتقد "بشدة احتضان القيادة السعودية للرئيس "ترامب".

وفي المجتمع الصغير من الخبراء في شؤون الخليج في واشنطن، قابلت "خاشقجي" لأول مرة في وقت مبكر من 2015، عندما جاء للتحدث في فعالية لمركز بحثي. ولم يكن مسؤولا تنفيذيا للعلاقات العامة يلعب لعبة "التأثير التاريخية" التي تخوضها السعودية، أو مروجا لـ"المجد الشخصي" للأمير "بن سلمان" كشخصية بارزة تعمل على تحويل بلاده من الإسلام الوهابي إلى دولة حديثة تراعي حقوق المرأة، ويمكن للشباب فيها مشاهدة الأفلام في دور السينما. ولم ينخرط "خاشقجي" في الخطابة الشديدة المعادية لإيران، والتي أصبحت شائعة في بعض دوائر السياسة في واشنطن حيث يتم تبني موقف "بن سلمان" المتشدد ضد طهران.

وبدلا من ذلك، قام "خاشقجي"، الذي سعى في نهاية المطاف إلى منفى اختياري في واشنطن عام 2017، بانتقاد ونصيحة أصحاب المسؤولية في المملكة بشكل خاص والمنطقة العربية بشكل عام. وكان دائما يفعل ذلك بحسن نية. وكان تفكيره وتحليله يستندان إلى الجدل على أساس الحقيقة، وهذا هو السبب في أنه كان محبوبا ومحترما في دوائر السياسة في واشنطن.

وخارج هذه الدوائر، وبين قراء عموده في "واشنطن بوست"، لم يكن "جمال" معروفا حتى وفاته. والآن، بالنسبة إلى المشرعين الأمريكيين، الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، أثارت قضية "خاشقجي" اتهامات واسعة النطاق لنهج "ترامب" في السياسة الخارجية. وأخيرا، بدأ هؤلاء المشرعون يناقشون علانية فكرة مفادها أن الولايات المتحدة لا يمكنها الاستمرار في الالتزام بحرب المملكة في اليمن، أو الدفاع عن الفظائع الأخرى مثل مقتل "خاشقجي"، مقابل النفط السعودي أو الاستثمارات في الاقتصاد الأمريكي.

وعلى وجه الخصوص، أصدر مجلس الشيوخ مؤخرا قرارا بالإجماع يتهم فيه "بن سلمان" بترتيب عملية قتل "خاشقجي"، تماشيا مع تقييم وكالة الاستخبارات المركزية (CIA). وأنكرت الحكومة السعودية مشاركة ولي العهد. وصوت مجلس الشيوخ أيضا بأغلبية 56 مقابل 41 صوتا على قرار يسحب الدعم الأمريكي للقوات السعودية في الحرب الأهلية في اليمن. وبينما يبدو "ترامب" مستمرا في التزامه تجاه السعوديين، مهدت هذه القرارات الطريق لمزيد من التحقيق في الكونغرس حول مقتل "خاشقجي" وسياسة "ترامب" في اليمن، بمجرد أن يستأنف الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب في يناير/كانون الثاني.

والأكثر من ذلك، أنه بعد أن شاركت "CIA" الكونغرس تقييمها لدور السعوديين في قتل "خاشقجي"، فقد استجابت حكومة اليمن، المدعومة من السعودية في المنفى وتتخذ من الرياض مقرا لها، أخيرا للضغوط الدولية، ووافقت في وقت سابق من هذا الشهر على المشاركة في محادثات السلام التي رعتها الأمم المتحدة في السويد مع المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. وقبل ذلك، كانت تتجاهل المطالب المتكررة لمحادثات السلام من قبل وزير الخارجية "مايك بومبيو" ووزير الدفاع "جيمس ماتيس" باستمرار، حتى مع تدهور الكارثة الإنسانية في اليمن. وتشير محادثات السلام التي تجري الآن إلى أن السعوديين وحلفاءهم الإماراتيين في حالة تراجع، في ظل الجدل الشديد في الولايات المتحدة حول مقتل "خاشقجي" المأساوي.

وفي حين يعد اهتمام الكونغرس المتجدد باليمن ومحادثات السلام تطورا إيجابيا، إلا أن مقتل "خاشقجي"، لسوء الحظ، يتم التغطية عليها في لعبة نفوذ شريرة في واشنطن تهدف إلى إنقاذ سمعة "بن سلمان" المتضررة. وعندما زار ولي العهد الولايات المتحدة الربيع الماضي، كانت هناك موجة من الصحافة الإيجابية تدعوه إلى الشروع في إصلاحات من شأنها تحديث الأمة السعودية. وكان كثير من أولئك الذين يكتبون لصالح ولي العهد يشككون بشدة في الإصلاحات في قطر، وهي منافسة للسعودية. وقام بعض هؤلاء الأشخاص أنفسهم، منذ مقتل "خاشقجي"، بمحاولة تلطيخ سمعته على "تويتر" كـ"عميل" لقطر، وذهبوا حتى إلى أنه كان مؤيدا للإخوان المسلمين.

لكن الحقيقة هي أن "خاشقجي" كان دائما يرى نفسه كصوت مستقل، وهو جزء مما جعل تحليله مطلوبا ومقبولا على نطاق واسع، ولم يكن يريد أبدا أن يصبح رهينة للسياسة في أزمة الخليج، التي افتعلتها السعودية والإمارات والبحرين ضد قطر. وقبل وصوله إلى واشنطن، كان يمد يده إلى مؤسسة أبحاث تمولها دولة الإمارات لتأمين الانتماء المؤسسي، ورغم أنه لم ينضم إلى المنظمة، فإن سعيه لذلك يجب أن يوضح أنه لم يكن وكيلا لقطر. كما رفض الدعوات للظهور على شبكة "الجزيرة" في قطر، رغم أنه كان ودودا مع العديد من صحفيي الجزيرة. وشارك بصورة منتظمة مع وكلاء "بن سلمان" في واشنطن، بما في ذلك شقيقه "خالد بن سلمان"، السفير السعودي في واشنطن.

ومع فقدان "جمال خاشقجي"، خسرنا شخصا كان ودودا مع المؤثرين في السياسة على جميع جوانب أزمة الخليج، وعلى استعداد دائما لمشاركة آرائه حول تغيير المملكة مع أي شخص مهتم، دون الدخول في الدعاية المحمومة التي تدور في واشنطن. وقد كشفت جريمة قتله المأساوية، أيضا، عن مدى فداحة سياسة واشنطن تجاه منطقة الخليج. وعزاؤنا الآن هو أنه ربما يمكننا أخيرا أن نأمل في أن تصبح حقوق الإنسان وحرية التعبير ووسائل الإعلام الحرة مرة أخرى أعمدة أساسية لأجندة السياسة الخارجية الأمريكية في العالم العربي.

المصدر | سيجورد نيوباير - بوليتيكو

  كلمات مفتاحية

السعودية أمريكا خاشقجي الكونغرس الأمريكي