لماذا فشلت قمة الرياض الأخيرة في إنهاء الأزمة الخليجية؟

الثلاثاء 1 يناير 2019 02:01 ص

انعقدت القمة التاسعة والثلاثون لمجلس التعاون الخليجي في الرياض، يوم 9 ديسمبر/كانون الأول، وانتهت دون تحقيق إنجازات كبيرة فيما يتعلق بالأزمة الدبلوماسية في الخليج؛ حيث تعد هذه هي القمة الثانية التي تنعقد منذ أن قامت كل من السعودية والبحرين والإمارات ومصر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وفرض حصار بري وبحري وجوي عليها في يونيو/حزيران 2017.

تعميق الصدع

اتهم رباعي الحصار قطر بالتدخل في شؤونهم الداخلية ودعم "الإرهاب" في جميع أنحاء المنطقة، وهي مزاعم نفتها الدوحة باستمرار، ومنذ أن بدأ الصدع العام الماضي، عمل أمير الكويت "صباح الأحمد الجابر الصباح" كوسيط رئيسي في الأزمة وحاول جلب الأطراف المتناحرة إلى طاولة المفاوضات في مناسبات عديدة.

وقال نائب وزير الخارجية الكويتي "خالد الجارالله"، في نوفمبر/تشرين الثاني، إن القمة يمكن أن تقدم "أملا في حل أزمة الخليج وحل الخلافات"، وأعرب المسؤولون الكويتيون عن أملهم في أن تؤدي القمة إلى تعزيز جهود الوساطة، وإنهاء أزمة استمرت 18 شهرا، ومع ذلك، فشلت القمة في تحقيق هذا الهدف، وربما زادت من تفاقم الصدع.

وفيما حضر قادة السعودية والإمارات والكويت وعُمان والبحرين قمة هذا العام، لم يكن أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد" حاضرا، وفضل بدلا من ذلك إرسال وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية "سلطان بن سعد المريخي" نيابة عنه.

وانتقد وزير الخارجية البحريني الشيخ "خالد بن أحمد آل خليفة" غياب الأمير "تميم" عن القمة التاسعة والثلاثين لمجلس التعاون الخليجي في تغريدة عبر "تويتر"، قائلا إنه "كان على أمير قطر أن يقبل المطالب العادلة (للدول المقاطعة) ويحضر القمة".

وردا على تغريدات وزير الخارجية البحريني، قال "أحمد بن سعيد الرميحي"، مدير المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية القطرية: "يمكن لقطر اتخاذ قراراتها الخاصة، وقد حضرت قمة الكويت العام الماضي، في حين لم يفعل قادة دول المقاطعة"، وكما يشير رد "الرميحي"، فإن هذه ليست المرة الأولى التي يختار فيها قادة دول مجلس التعاون الخليجي الامتناع عن الاجتماع السنوي من أجل إرسال رسالة.

ففي العام الماضي، أرسلت السعودية والإمارات والبحرين مسؤولين حكوميين، بدلا من رؤساء الدول، إلى القمة الخليجية الثامنة والثلاثين في الكويت في محاولة واضحة لإغضاب أمير قطر الذي كان حاضرا بنفسه.

كانت دعوة القمة، التي أرسلها الملك "سلمان بن عبدالعزيز"، أول رسالة رسمية يرسلها الملك إلى أمير قطر منذ بداية الحصار. وعلى الرغم من أن البعض اعتبر الرسالة بمثابة خطوة أولى محتملة لحل الأزمة، وصف "محجوب زويري"، مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، الخطوة بأنها مجرد إجراء شكلي، قائلا: "إنه تقليد بأن يرسل البلد المضيف دعوة لجميع أعضاء المجلس".

هل أفلس مجلس التعاون الخليجي؟

ومجلس التعاون الخليجي هو تحالف سياسي واقتصادي أنشئ عام 1981 بهدف تعزيز التعاون الاجتماعي والاقتصادي والدفاعي والثقافي في شبه الجزيرة العربية، ومع ذلك، يشعر بعض المحللين أن المجلس أصبح رمزيا إلى حد كبير؛ حيث إنه لم يتمكن من الوفاء بالتزامه المتمثل في بناء علاقات أوثق بين دوله الأعضاء.

وقال الباحث في جامعة قطر "لوسيانو زكارا": "منذ أول أزمة في مجلس التعاون الخليجي في عام 2014، أظهر المجلس عدم قدرته على التوسط أو أن يكون له دور كبير في تخفيف حدة التوترات بين الدول الأعضاء"، ناهيك عن كون السعودية استغلت مجلس التعاون الخليجي على مر السنين،  كمنصة للحفاظ على مكانتها كقوة إقليمية".

ويبدو أن التغيير المفاجئ في مكان الانعقاد من عُمان إلى السعودية لقمة هذا العام يدعم هذا الزعم؛ فقد كان من المفترض في الأصل عقد القمة التاسعة والثلاثين لمجلس التعاون الخليجي في عُمان، لكن للمرة الأولى على الإطلاق، استعانت السعودية بنظام داخلي لمجلس التعاون الخليجي يسمح للمملكة باستضافة التجمع في مقر مجلس التعاون الخليجي في الرياض، ويقول المراقبون إن تحرك الرياض لتغيير المكان كان محاولة لضمان حضور كبار ممثلي دول الخليج القمة.

بينما أشار مراقبون آخرون إلى أن خطوة السعودية لاستضافة القمة السنوية يمكن أن تكون محاولة لتثبت لواشنطن أن هناك آليات لحل النزاعات الإقليمية، وهذا مهم بشكل خاص في ضوء حقيقة أن الولايات المتحدة كانت تحاول تأسيس التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط -الذي يشار إليه عادة باسم "الناتو العربي"- لمواجهة التهديد المتنامي لإيران في المنطقة.

وقال "الزويري": "بدون المجلس، لا تملك السعودية أي سلطة في المنطقة، إنه يضع المملكة في موقع القيادة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، هذا هو السبب في إصرارهم على الحفاظ على مجلس التعاون الخليجي".

الرقص الدبلوماسي الناعم 

ووفقا لوكالة "بلومبرغ"، تم "تصميم مقاطعة في يونيو/حزيران 2017 لدفع الإمارة إلى موقع أصغر في مجلس التعاون الخليجي، من خلال إثارة أزمة اقتصادية من شأنها أن تجبرها على التواؤم مع السياسات الخارجية للسعودية والإمارات، فيما يتعلق بالإخوان المسلمين وإيران". ومع ذلك، فإن الحصار لم يكن له التأثير المقصود؛ فعلى مدار عام ونصف، أقامت قطر علاقات أعمق مع إيران وتركيا لأنهما ساعدا الدولة الخليجية الصغيرة في التغلب على المشاكل الناجمة عن إغلاق المرور البري والجوي بين الدوحة ودول المقاطعة.

وفي كلمة له أمام مجلس الشورى القطري، نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال أمير قطر "تميم بن حمد"، إن صادرات بلاده زادت بنسبة 18 بالمائة وانخفض إنفاقها بنسبة 20 بالمائة خلال العام الماضي. وقال أيضا إن قطر ستواصل تطوير صناعات النفط والغاز من أجل الحفاظ على وضعها كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم.

رغم أن المقاطعة، التي دامت 18 شهرا، كانت مكلفة بالنسبة لقطر، إلا أن بيانات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن معدل النمو الاقتصادي في قطر وصل إلى 2.7 بالمائة في 2018، مقارنة بـ1.6 بالمائة في 2017. وبكونها البلد المضيف لكأس العالم 2022، فمن المرجح أن تستمر قطر في تلقي المزيد من الاهتمام الدولي؛ مما يولد فرصا تجارية مستقبلية للدولة الصغيرة الغنية بالنفط.

بعد أسبوع فحسب من القمة، ظهر وزير الخارجية القطري الشيخ "محمد بن عبد الرحمن آل ثاني" على قناة "سي إن بي سي"، وانتقد السعودية والإمارات على حصارهما المستمر لبلده وتدخلهما في السياسة بالمنطقة، وتعد هذه التصريحات علامة على أن قمة مجلس التعاون الخليجي لم تفعل شيئا لحل المأزق السياسي الخليجي.

وفي نهاية المطاف، لا يمكن أن تكون هناك مصالحة في مجلس التعاون الخليجي حتى تظهر جميع الدول المشاركة في أزمة الخليج رغبة حقيقية في القدوم إلى طاولة المفاوضات. وحتى هذه اللحظة، لم تظهر دول الحصار ولا قطر أي استعداد حقيقي للقيام بذلك.

المصدر | إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية

السعودية قطر الإمارات مجلس التعاون الخليجي حصار قطر الأزمة الخليجية