رياح التغيير تهب على الولايات المتحدة في 2019

الأربعاء 2 يناير 2019 02:01 ص

لقد كان عام 2018 مروعا بالنسبة للشرق الأوسط. فقد شهد شهورا من المجازر في غزة، واستمرار تعرض قطر للحصار من قبل جيرانها السنة، وتواصل معاناة 85 ألف طفل من التضور جوعا في اليمن، فيما بدأ تحالف سني يشهر سيوفه في وجه إيران.

ورغم أن "بشار الأسد" يبدو أنه استرد حكمه في سوريا، إلا أن هذا "النصر" وضع إيران و"حزب الله" في مكانة جديدة. وأثار هذا بدوره غضب (إسرائيل)، وأدى إلى المئات من الهجمات الجوية والاغتيالات من قبل (إسرائيل) ضد أعدائها في سوريا.

ووصف الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" خطته المسماة بـ"صفقة القرن" دون الكشف عن تفاصيلها. وأوقف المساعدات الأمريكية إلى فلسطين، وكذلك المساهمات الأمريكية إلى الأونروا، التي تقدم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين. وقام بإغلاق البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في واشنطن، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس؛ مما أثار موجة هائلة من الاضطرابات والصراعات في الأراضي الفلسطينية والعالم الإسلامي. وردا على ذلك، أعلن الفلسطينيون أن الإدارة الأمريكية غير مرغوب فيها كوسيط سلام لأنها لم تعد محايدة.

اقتتال الأفيال

ومن غير الواضح كيف يمكن أن تنحدر الأمور أكثر من هذا، لكنها بالتأكيد لن تتحسن في 2019. ونرى أخيرا الكشف عن صفقة هذا القرن، لكن الفلسطينيين رفضوها بالفعل قبل أن تظهر. وحتى الإسرائيليون، الذين تمنحهم الصفقة الأفضلية، لم يكونوا متحمسين في دعمهم.

وستستمر الولايات المتحدة في فرض نظام العقوبات ضد إيران، ووضع الأشواك تحت أقدام الإيرانيين الذين يعملون بجد، والذين سيتحملون عبء المعاناة بين قادتهم وموقف "ترامب". وكما يقول المثل الأفريقي القديم: "عندما تتقاتل الأفيال، يتدمر العشب".

ولقد أدى اغتيال "جمال خاشقجي"، الذي يُعتقد على نطاق واسع أن ولي العهد السعودي، الأمير "محمد بن سلمان"، هو من أمر بقتله، إلى دفع السعوديين إلى واحدة من أسوأ أزمات النظام في تاريخه. ونتيجة لذلك، أصبحت الحرب التي قادتها السعودية في اليمن تحت رقابة متزايدة. وصوت مجلس الشيوخ الأمريكي بالفعل على خفض الدعم الأمريكي للحرب.

ومن المرجح أن يكون الكونغرس الديمقراطي الجديد أكثر تشككا في منهجية الرئيس؛ حيث يعد 3 أعضاء قادمين بموجة من التغيير في النهج الأمريكي التقليدي تجاه (إسرائيل). وتعهدت "رشيدة طليب"، وهي أول عضوة أمريكية فلسطينية في الكونغرس، بارتداء ثياب أمها الفلسطينية التقليدية في مراسم أداء اليمين. وتعد "إلهان عمر"، وهي أول أمريكية صومالية تدخل الكونغرس، و"ألكسندريا أوكاسيو كورتيز"، مؤيدتين أخريتين لحقوق الفلسطينيين.

ويدعم الثلاثة "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل" (بي دي إس). وصدمت "طليب" اللوبي الإسرائيلي عندما تعهدت بكسر التقليد القديم بتنسيق رحلة لأعضاء مجلس النواب الجدد إلى (إسرائيل)، وتنظيم جولة منافسة، بدلا من ذلك، إلى فلسطين لأعضاء مجلس النواب التقدميين. وعلى عكس الماضي، عندما رد فعل اللوبي على مثل هذا التحدي بالتهديدات أو التحذيرات، ظل صامتا هذه المرة إلى حد كبير.

تغيير هائل في ديناميكيات السلطة

ولا أستطيع أن أؤكد بما فيه الكفاية ما إذا كانت هذه تعد ثورة في سياق السياسة الأمريكية. ففي الماضي، كان أي عضو يدعم "بي دي إس" أو يتحدث عن حقوق فلسطين، يلقى زيارة فورية من أحد أنصار اللوبي اليهودي المحليين، مذكرا إياه بالبقاء في الصف. لكن هؤلاء هم أول النواب الذين يتجرأون على كسب الإجماع السياسي المشترك بهذه الطريقة؛ مما يمثل بداية لتغيير هائل في ديناميكيات السلطة في الكونغرس الأمريكي.

لكن بالطبع، عندما تحدث ثورة، فهناك ثورة مضادة. ويضغط اللوبي الإسرائيلي بقوة من أجل مشروع قانون يجرم دعم "بي دي إس" من قبل الشركات والأفراد. ورغم معارضة الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية وغيره من جماعات حقوق الإنسان للتشريع، إلا أن أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين المتحالفين مع اللوبي يبذلون قصارى جهدهم في هذا منذ شهور.

لكن الأمور لن تتغير بين عشية وضحاها. ولا يزال اللوبي يحتفظ بسياسة صارمة على السياسة تجاه (إسرائيل). وليس لدى "طليب" وزملائها منظمة مثل "أيباك" بميزانية سنوية تبلغ 100 مليون دولار. وتبقى القوة لدى المانحين المؤيدين لـ(إسرائيل)، الذين يمولون الحملات السياسية وينتقمون من أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم معادون لمصالح اللوبي.

لكن الناخبين أبدوا استعدادا لانتخاب مرشحين يوافقون على الإجماع المشترك حول هذه القضايا وغيرها. وهذا هو السبب في نجاح "بيرني ساندرز" بشكل جيد في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية لعام 2016. كما أن احتمالية قيام "ساندرز" بالترشح لانتخابات الرئاسة في عام 2020 يشير إلى أن العلاقات مع (إسرائيل) في حالة تغير مستمر. ورغم أن "ساندرز" لم يقدم أي تغيير جذري في سياسة الولايات المتحدة تجاه (إسرائيل) خلال جولته الأخيرة، إلا أنه أبدى استعدادا للتدقيق في دوافع اللوبي ونهج السياسة.

الاستعداد حتى عام 2020

من نواح عديدة، سيكون عام 2019 عاما انتقاليا؛ حيث تستعد الولايات المتحدة للانتخابات الرئاسية في العام التالي. وسيبحث المرشحون الديمقراطيون عن كسب الأصوات في الانتخابات التمهيدية عبر القضايا الداخلية. ومن المحتمل ألا يكون الشرق الأوسط قضية كبرى في الحملة.

لكن الجميع يعلم أن من يتم انتخابه سيجد أن القضية الفلسطينية الإسرائيلية في صدارة أجندة السياسة الخارجية. وسيتم الضغط على المرشحين للتعبير عن وجهات نظرهم حول (إسرائيل) وفلسطين. وسيقدم معظمهم استجابة نموذجية شاذة عن الحملات الديمقراطية التقليدية. لكن بالنظر إلى الاضطرابات التي حدثت في انتخابات الكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فإن بعض المرشحين، مثل "ساندرز" أو "إليزابيث وارن"، قد يفاجئون الجميع بجرأتهم.

ويبقى السؤال الرئيسي هو من يفوز في عام 2020؟ ويبدو من غير المحتمل أن يكون "ترامب". وعلى هذا المعدل، قد يتم مقاضاته حتى في العام القادم، رغم أن ذلك غير مضمون بأي حال من الأحوال.

وإذا فاز ديمقراطي تقدمي بالرئاسة، إلى جانب وجود أغلبية ديمقراطية جديدة في مجلس الشيوخ، فإن (إسرائيل) قد تجد نفسها في وضع مخيف. وعلى الرغم من أن الرؤساء والمؤتمرات الديموقراطية لم يقدموا، تقليديا، مقاومة تذكر لـ(إسرائيل)، بينما كانت تلاحق مصالحها هنا وفي الخارج، إلا أننا نقف على أعتاب تغيير رئيسي بالتأكيد.

 

 

المصدر | ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية

الكونغرس الأمريكي رشيدة طليب الانتخابات الأمريكية اللوبي الإسرائيلي