في قلبي أنثى عبرية.. رواية الصدمة والحب والمقاومة

الأربعاء 2 يناير 2019 09:01 ص

من قلب أسواق جربة، وتحت منارة مسجدها الكبير.. سترى رجل الأعمال التونسي اليهودي "جيكوب" يقف ينتظر الفتاة المسلمة الصغيرة ليمسك بيدها بهدوء، يقودها إلى منزله، حيث يشرف على تربيتها بين زوجته وابنه وابنته.

هكذا تبدأ رواية "في قلبي أنثى عبرية" للكاتبة "خولة حمدي" (الصادرة عن دارة كيان للنشر 2014) بصدمة الفضول حول كيفية وصول "ريما" إلى منزل "جيكوب" أو "بابا يعقوب" كما تناديه، لكن الصدمات لن تقف عن هذا الحد.

فالرواية التي تكشف كيف أن التنوع والتناغم المجتمعي التونسي في جربة أوصل الفتاة "ريما" وأمها إلى منزل والدي "جيكوب" لتعمل لديهم، قبل أن تموت أمها وتعهد برعايتها إليهم بعدما وجدت في بيتهم الأمان والتسامح إزاء دينها.. ستنتقل فجأة إلى مجتمع آخر أكثر تنوعا في جنوب لبنان.

فـ"بابا يعقوب" يضطر تحت وطأة انتقادات زوجته المتسلطة، وابتعاد "ريما" التي كبرت وبدأت تتلقى دروسا بأن "يعقوب" ليس "بابا" وأنه أجنبي عنها، إلى إرسالها مؤقتا إلى أخته التي تزوجت وسافرت إلى جنوب لبنان، لكن في بيت "راشيل" ستتعرض "ريما" لمحاولات التحرش من زوجها، ما سيدفعها إلى إرسالها بدورها إلى ابنة منزل عمها.

يهودية في صفوف المقاومة

في منزل "سونيا" ستجد "ريما" نفسها في صداقة مع ابنتها "ندى"، ذات الأب التونسي المسلم، وتعرف أن أمها أخذتها هي وشقيقتها وفرت من تونس قبل أعوام كثيرة، لتستقر في لبنان، لكن "ندى" (اليهودية تبعا لأمها) تقابل المقاوم الفلسطيني "أحمد"، الذي أنقذته من إصابة بالغة عندما وجدته على أعتاب منزلها بعد قيامه بعملية ضد الاحتلال.

وبعدما يخطب "أحمد" اليهودية "ندى" يتعاون هو و"ريما" في شرح الإسلام لها، لكن "ريما" تموت في غارة على الجنوب اللبناني لتشهد القصة واحدة من أكثر لحظاتها في الدراما.

ولم تقف العلاقة بين "أحمد" و"ندى" عن حد الخطبة ومناقشات الإسلام واليهودية الحادة، لكنها وصلت إلى حد مشاركة "ندى" للمقاومة في نقل أسلحة داخل سيارتها، عبر مراكز التفتيش التي أقامها جنود الاحتلال، وتضامنها الكامل مع الحق في المقاومة حتى ضد أبناء دينها.

لكن الصدمات لم تقف عند ذلك الحد.. فعقب إحدى العمليات، يختفي "أحمد" بدوره من حياة "ندى" وسط أنباء عن استشهاده فيها، فتصاب بصدمة عصبية، وتعيش أياما صعبة، وتغادر إلى فرنسا للدراسة.

في باريس، تزور "ندى" المركز الإسلامي، وتقرأ أكثر عن الإسلام، وتبدأ في تنفيذ وصية أحمد بقراءة القرآن، لتقرر اعتناق الإسلام.

الرحلة المعكوسة

رحلة إسلام "ندى" تكون انعكاسا لمأساة "ريما" التي لم تكتمل، ورغم رحيل "ريما" فإنها تظل موجودة في "ندى"، فهي تواجه بغضب عارم لأمها المتسلطة، ثم ترسلها أمها إلى تونس مؤقتا، لتقابل أباها الذي لم تكن قد رأته قبلا، وبسبب اعتراضات زوجته، تضطر للإقامة عند "جيكوب" (بابا يعقوب مربي ريما) باعتباره ابن عم أمها وأحد أقربائها في تونس.

في بيت "يعقوب"، تكمل "ندى" مهمة "ريما" أو ما اعتبرته دينا عليها تجاه البنت اليتيمة التي فتحت أمامها أبواب الهداية.

في بيت "يعقوب" يتوالى إسلام أبناؤه، ثم هو وأخيرا زوجته.. وفي النهاية يظهر "أحمد" بعد فترة اعتقال طويلة وهو يعاني من فقدان ذاكرة، وتعلن "سونيا"، أم "ندى"، إسلامها بعد عداء شرس.

ورغم تعدد أشخاص الرواية وتشابكها، فإن "خولة حمدي" استطاعت رسم الشخوص في مخيلة القارئ بشكل جيد، وربط أبطال الرواية، التي استقتها من قصة واقعية، دون إخلال.

وباستثناء عرض بعض النقاشات المطولة التي تخرج عن الطابع الروائي إلى الفلسفي وعرض الحجج، فإن أحداث الرواية المشوقة تظل تأخذ بأنفاس القارئ لكثرة صدماتها.

وفي بعض الفصول، سيجد القارئ الأوضاع وقد انقلبت رأسا على عقب، فـ"أحمد" الذي كان يدعو "ندى" للإسلام، عاد مرتديا صليبا بعد أن فقد الذاكرة، وقد أنقذه أحد مسيحيي الجنوب، وظل معه عامين، لينقلب الحال عندما تجد "ندى" المسلمة في مواجهة "أحمد" المسيحي.

كما أن رحلة "ريما" في أول الرواية من تونس إلى لبنان بسبب الخلافات المنزلية داخل بيت "يعقوب" على خلفية الدين، ستكون معكوسة عندما تسافر "ندى" لذات السبب، ولكن من لبنان إلى تونس لتمكث أيضا في بيت "بابا يعقوب"، ولكن مع الاختلاف أنها فتاة كبيرة الآن أسلمت عن حجة، وليست بنتا صغيرة كـ"ريما" التي غادرت بيت "بابا يعقوب".

روايات خولة

وتعتبر "خولة حمدي" أن رواية "في قلبي أنثى عبرية" هي روايتها الأولى، ورغم تداول رواية "أين المفر" لها، فإنها تقول إنها كتبتها وهي في السابعة عشرة من عمرها ولم تعد تحريرها، وإن روايتها الأولى الفعلية هي رواية الصدمة والحب والمقاومة.

ورغم أن المستوى اللغوي لروايات "خولة" ليس كروائيات مثل "أحلام مستغانمي" فإن ثراء الأحداث والتشويق القصصي لها يضعها في مصاف روائيين كبار على حداثة سنها (في ثلاثينيات عمرها)، وهو ما دفع مسرحيين لعرض "في قلبي أنثى عبرية" مرتين على مسارح بالقاهرة.

وفي راويتيها التاليتين (غربة الياسمين، أن تبقى)، تلافت "خولة" كثيرا من النقاشات الفلسفية المطولة، وعرضت عوضا عنها حوارات مبسطة وأمثلة جذابة، ما يبشر بروائية جيدة.

يبقى أن "خولة" في رواياتها الثلاثة، متأثرة بالمجتمع الفرنسي وتجربتها الحياتية فيه، ما يجعل رواياتها أقرب إلى كونها كاتبة "عربية غربية"، تداوي جراح الاندماج والقبول المجتمعي المتبادل بين الأفراد على اختلاف الثقافات والديانات، وهو ما يوجه إليها أحيانا سهام النقد على أساس أيدولوجي وليس روائيا.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

في قلبي أنثى عبرية خولة حمدي المجتمع التونسي بابا يعقوب يهود جربة جنوب لبنان