بحثا عن الأمان.. عراقيون يزوّجون بناتهم دون سن الـ15

الخميس 3 يناير 2019 06:01 ص

كيف تنظر في عيني امرأة.. أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟.. فكيف إن كانت تلك المرأة هي ابنتك؟.. بل كيف إن كانت ليست امرأة على الإطلاق.. بل في كثير من الأحيان.. مجرد طفلة؟!.. طفلة تترعرع أمام ناظريك والمخاطر تحيط بها من كل جانب في بلد تتنازعه الحروب والصراعات منذ نحو 30 عاما، وبينما الموت يطرق بابك.. لا تجد مفرا من أن تسلمها بيديك إلى رجل آخر قبل الرحيل..

هكذا أجبرت الأوضاع الأمنية المتردية في العراق كثيرا من الآباء على تزويج بناتهم القاصرات خوفاً عليهن من جرائم الاغتصاب، أو الموت وتركهن وحيدات دون معيل، معتبرين أن الزواج يمنح الفتاة الأمان والراحة، ويشعرون بأنهم أتموا مهمة تربيتها وتزويجها، بحسب تقرير صحفي نشره موقع "العربي الجديد"، الخميس.

"أنور العيساوي" الذي يعاني من أكثر من مرض مزمن، يقول: "منذ عام تقريباً، أصبحت أنام مطمئن البال، بعدما زوّجت بناتي الثلاث على الرغم من كونهن قاصرات"، لافتاً إلى أنه لن يخشى الموت بعد اليوم: "أديت رسالتي وزوّجت بناتي وأستطيع أن أرحل وأنا مطمئن".

"العيساوي" (49 عاما)، يسكن في محافظة الأنبار غربي البلاد، يعيش في بيته المهدم بفعل المعارك التي دارت بين القوات الأمنية وتنظيم "الدولة الإسلامية" الذي كان يسيطر على المدينة.

وبسبب المعارك، لم يعد بيت "العيساوي" صالحاً للسكن، ولأنه لا يملك المال لإعادة بناء منزله، اضطر إلى إصلاح جزء منه كي يسكن فيه برفقة زوجته وعائلته.

يضيف: "اعتقلتني القوات الأمريكية لمدة عامين، وعذبت في السجن، توقفت إحدى كليتي عن العمل، وأعاني من مرض في القلب، وضعي الصحي لا يساعدني على العمل، وأعيش معتمداً على مساعدات الآخرين".

"لي ولدان صغيران، فيما زوجت بناتي الثلاث خلال عامين، علماً أن أعمارهن تتراوح ما بين الرابعة عشرة والخامسة عشرة. أخشى عليهن من كل شيء في ظل الأمن المفقود، والذئاب التي تنهش الناس بقوة السلاح والفقر وكل شيء. لذلك، فإن تسليمهن أمانة لرجل يحافظ عليهن هو الصواب لأنني على وشك الرحيل"، يتابع "العيساوي".

الخوف من المخاطر الأمنية وغير الأمنية كذلك، لم تدفع الآباء فقط لتزويج بناتهم القاصرات ولكنها كذلك جعلتهم أكثر تشددا في الرقابة على سلوك بناتهم، حيث تقول "نور جمعة" إنها واجهت ضغطاً كبيراً من والدها، الذي لم يكن يسمح لها بالخروج من المنزل، ووصل الأمر إلى حد منعها من التواصل مع صديقاتها، ثم أجبرها على ترك المدرسة والزواج بابن عمها.

تضيف أنها أصبحت أماً لطفلين وهي في الـ17 من عمرها: "تزوجت وعمري 15 عاماً بابن عمي الذي يكبرني بـ13 عاماً، اليوم أصبحت امرأة مسؤولة عن بيت وأسرة على الرغم من صغر سنّي. لست سعيدة في حياتي الزوجية لأن زوجي يعمل في البناء بأجر يومي، فلا يستطيع تأمين كل حاجات أسرتنا".

تتابع "نور": "صديقاتي يستعددن للدخول إلى الجامعة، فيما أنا حرمت من مواصلة دراستي. والدي رجل بسيط ويخاف عليّ، في ظل كثرة جرائم الاغتصاب. وهذا أمر يقلق أولياء الأمور كثيراً"، مشيرة إلى أن والدها كان يحرمها من تصفح مواقع الإنترنت: "والدي لم يسمح لنا باقتناء الأجهزة الخلوية، يرى أن الإنترنت يفسد أخلاق المراهقين". 

أحداث مفجعة وقعت في أوقات سابقة كانت كذلك من بين الأسباب التي تدعو آباء كثيرين إلى التفكير في تزويج بناتهم في عمر صغير.

وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية، تناقلت في أوقات سابقة وقوع جرائم بشعة بحق فتيات بأعمار صغيرة، بعضهن قتلن بعد اغتصابهن، وبعضهن يختطفن بهدف اغتصابهن أو بيعهن لعصابات تتاجر بالنساء.

مثل هذه الأخبار التي يتناقلها الشارع العراقي تجعل "منذر عبدالحسن" يفكر في مستقبل ابنته التي ما زالت دون السابعة من العمر، قائلا إنه يعيش قلقاً مستمراً، وهو أب لطفلة واحدة، إذ إن ما يسمعه من قصص حول انحراف فتيات صغيرات يجعله يقلق كثيراً على ابنته الوحيدة.

يضيف "عبدالحسن": "ديما ابنتي الوحيدة، وقد توفيت والدتها منذ عامين بسبب مرض عضال، لم أحرمها أي شيء لكنّني أخاف عليها مما يدور من حولنا، التكنولوجيا ساهمت في تغيير سلوك الصغار والمراهقين، للأسف، ما من رقابة على تصرفات الصغار، علاوة على ذلك، هناك عصابات إجرامية تتاجر بالبشر".

ويردف: "يبدو أنّ العصابات التي نجحت القوات الأمنية في اعتقال بعضها تأثرت بما تشاهده على الإنترنت من جرائم"، مشيرا إلى أنه لا يستبعد أن يزوج ابنته في عمر صغير.

وعلى الرغم من أن القانون العراقي يمنع تزويج الفتيات دون سن الـ18، فإن هناك تجاوزات، ويقول المحامي "فؤاد الربيعي"، إن موافقة ولي أمر الفتاة يكفي لتزويجها وإن كانت قاصراً.

ويشترط قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لعام 1959 المعدل، إكمال الـ18 عاماً للزواج في المادّة 7 الفقرة 1، لكن المادّة 8 من القانون نفسه تفيد في الفقرة 1 أنه إذا طلب من أكمل الـ15 من العمر الزواج، فللقاضي حق إبداء الرأي إذا ثبتت أهليته وقابليته البدنية بعد موافقة وليّه الشرعي. وإذا امتنع الولي، يطلب القاضي منه الموافقة خلال مدة يحددها له، فإن لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار أذن القاضي بالزواج. 

وتفيد الفقرة الثانية من القانون نفسه، أن للقاضي الحق بأن يأذن بزواج من بلغ الـ15 من العمر إذا وجد ضرورة قصوى تدعو لذلك، ويشترط لإعطاء الإذن تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017 أثارت مساعي البرلمان العراقي لإجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية يتيح زواج القاصرات رفضا واسع النطاق من قبل الجماعات والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان.

ويتبع الغالبية الساحقة من شيعة العراق المذهب الجعفري، الذي يعتبر بأن سن تكليف المرأة بالواجبات الدينية مثل الصيام والصلاة يبدأ من 9 سنوات، فضلا عن جواز تزويجها مع بلوغها هذه السن.‎

  كلمات مفتاحية

العراق زواج القاصرات