كيف سيبدو شكل الشرق الأوسط في عام 2019؟

الخميس 3 يناير 2019 01:01 ص

بينما نبدأ العام التاسع منذ بداية الانتفاضات العربية، فهناك، للأسف، أمل ضئيل في أن يتحقق السلام والانتقال الديمقراطي والاستقرار في الشرق الأوسط.

ولن يحقق عام 2019 الكثير من التغيير الإيجابي في المنطقة، فمن غير المرجح أن يتم حل النزاعات المستمرة، بل قد يزداد بعضها سوءا، وقد تنفجر نزاعات جديدة.

وفي ظل هذا الاضطراب المستمر، ستلعب الولايات المتحدة بالتأكيد الدور الأكثر أهمية، فمن المرجح أن يحدد الجدل السياسي بين الرئيس "دونالد ترامب" والمؤسسة السياسية في واشنطن اتجاه الكثير من السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة.

ومن المتوقع على نطاق واسع أنه في عام 2019، سيقوم المستشار الخاص "روبرت مولر" باكتشاف المزيد من النتائج في تحقيقه حول التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الرئاسية لعام 2016. لذلك، من المرجح أن يسعى "ترامب" إلى صرف انتباه الجمهور باتخاذ قرارات دراماتيكية بشأن السياسة الخارجية؛ وسيكون الشرق الأوسط هو الهدف الأسهل.

وفي نهاية عام 2018، كانت هناك مؤشرات واضحة على هذا الاتجاه.

ويُنظر إلى قرار "ترامب" المفاجئ، في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، بسحب أكثر من 2000 جندي أمريكي من شمال شرق سوريا، على أنه محاولة لاسترضاء قاعدة دعمه، وتعزيز سلطته، وتقييد موظفي الإدارة الذين اختلفوا معه.

وبصرف النظر عن استمرار عدم القدرة على التنبؤ بالتغيرات في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فسوف تتحدد التطورات الرئيسية في الشرق الأوسط في عام 2019، إلى حد كبير، من خلال 6 قضايا رئيسية، الصراعات في سوريا واليمن، وأزمة الخليج، والمواجهة الأمريكية مع إيران، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والاستقطاب الإقليمي.

الصراع السوري

على الرغم من هزيمة المعارضة السورية، واستعادة القوات الموالية للنظام لمساحات واسعة من الأراضي في عام 2018، إلا أن الصراع السوري لم ينته بعد، ولا تزال أكثر من 40% من الأراضي السورية غير خاضعة لسيطرة حكومة دمشق.

ومن المرجح أن يؤدي انسحاب القوات الأمريكية من الشمال الشرقي، الغني بالنفط والغاز والماء الغزير، إلى تأجيج المنافسة بين القوى الخارجية الرئيسية في الصراع، تركيا وروسيا وإيران.

ومن المرجح أن يؤثر هذا أيضا على اتفاقية منطقة نزع السلاح في "إدلب"، التي منعت هجوما كبيرا على معقل المعارضة الأخير في سبتمبر/أيلول الماضي.

وقد يدخل الصراع السوري مرحلة جديدة من الحرب بالوكالة، حيث تعطي الولايات المتحدة تركيا مسؤولية مواجهة إيران في الأراضي التي تعتزم إخلاءها.

ومن شأن انسحاب القوات الأمريكية أيضا أن يحفز اتباع نهج إسرائيلي أكثر عدوانية في سوريا.

وسيتعين على (إسرائيل) الاعتماد فقط على جهودها الخاصة لمواجهة نفوذ إيران في سوريا، وستسعى إلى زيادة أنشطتها العسكرية على الأراضي السورية، ومع ذلك، ستواجه تحديا رئيسيا، يتمثل في روسيا، التي تسيطر على المجال الجوي السوري.

ومن المرجح أن تؤدي التوترات المتزايدة بين اللاعبين الأجانب الرئيسيين في سوريا إلى تأخير التوصل إلى حل سياسي للنزاع.

وحتى الآن، فشل ثلاثي أستانا، روسيا وتركيا وإيران، في الاتفاق على تشكيل لجنة الدستور.

والآن، مع انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، أصبح احتمال التوصل إلى اتفاق أكثر صعوبة.

وفي الواقع، قد تنهار عملية "أستانا" بأكملها، كما وصلت مفاوضات السلام الموازية بقيادة الأمم المتحدة إلى طريق مسدود.

ويعني الانسحاب الأمريكي أيضا تخلي الولايات المتحدة فعليا عن حلفائها الأكراد، وحدات حماية الشعب "واي بي جي".

ومن المرجح أن يؤدي هذا إلى تحسن كبير في العلاقات التركية الأمريكية، وإعادة تحالف البلدين في سوريا.

ومن المؤكد أن هذا من شأنه أن يزعج روسيا، التي من المرجح أن تزيد اعتمادها على الميليشيات الإيرانية لملء الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا.

وقد يدفع ذلك أيضا وحدات حماية الشعب، خوفا من هجوم عسكري تركي، لتكون أقرب إلى روسيا والنظام السوري.

الحرب في اليمن

على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة، والتقدم الملحوظ الذي تم إحرازه في المفاوضات بين الأطراف المتحاربة، في السويد فلا يزال التوصل إلى تسوية نهائية للصراع المستمر منذ 4 أعوام يمثل احتمالا بعيد المنال.

وبالفعل، ربما جعل موقف الحوثيين الضعيف بعد خسارتهم للأراضي خلال العامين الماضيين، والضغوط الهائلة التي تواجهها القيادة السعودية لوقف الحرب في أعقاب مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، الأمر أسهل على مبعوث الأمم المتحدة، "مارتن غريفيث"، لجمع الأطراف المتناحرة في السويد.

ومع ذلك، لا يزال كلا من الجانبين مقتنعا أنه قادر على الفوز عسكريا.

ويعتقد الحوثيون أن السعوديين سيضطرون في النهاية إلى الرضوخ للضغوط الدولية، ووقف الحرب والتخلي عن مساعيهم في اليمن.

ومن جهة أخرى، يعتقد التحالف الذي تقوده السعودية أن التقدم الأخير على الأرض، خاصة في "الحديدة"، سيجبر الحوثيين في النهاية على قبول شروطهم لإنهاء الحرب.

ولا تزال إيران أيضا غير راغبة في الوصول إلى تسوية نهائية.

وتسعى طهران إلى إبقاء السعوديين عالقين في اليمن، حتى لا يكون لديهم الموارد اللازمة للتعامل مع أنشطتها على جبهات أخرى في الشرق الأوسط.

كما تريد إيران استخدام الصراع في اليمن كورقة مساومة في صفقة كبرى لرفع العقوبات الأمريكية وإنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة بعد انسحاب "ترامب" منها في مايو/أيار الماضي.

الأزمة الخليجية

على الرغم من جهود الوساطة الكويتية المكثفة، وزيادة الضغط الأمريكي على المملكة العربية السعودية، لا توجد مؤشرات على أن أزمة الخليج ستنتهي في أي وقت قريب.

وفي أوائل ديسمبر/كانون الأول، رفضت السعودية مناقشة الأزمة في قمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة في الرياض، التي أرسلت قطر إليها وفدا منخفض المستوى.

وتعتقد لجنة الحصار الرباعية، التي تضم السعودية والإمارات والبحرين ومصر، أن الوقت يقف إلى جانبها، وأن قطر ستقبل في النهاية مطالبها.

ومن ناحية أخرى، تعتقد قطر أنها تستطيع التغلب على الحصار، وتنتظر أن يدرك اللاعبون الأربعة أنهم في الواقع يضرون بأنفسهم.

وفي عام 2019، من المرجح أن تستمر هذه المواجهة.

ولأسباب جغرافية، يتعين على قطر الاستمرار في الاعتماد على إيران للتهرب من الحصار، كما ستعزز تحالفها مع تركيا، وقد سمحت للأخيرة بتأسيس وجود عسكري في الخليج للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.

المواجهة بين إيران والولايات المتحدة

في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل المشتركة الشاملة في مايو/أيار الماضي، أعادت واشنطن فرض عقوبات من جانب واحد على إيران على مرحلتين، بدأت الأولى في أغسطس/آب، وبدأت الثانية والأشد صعوبة في نوفمبر/تشرين الثاني، حيث ضربت قطاعي النفط والمال في إيران.

وخوفا من ارتفاع أسعار النفط، منحت إدارة "ترامب" إعفاءات لمد 6 أشهر لـ 8 بلدان تستورد النفط الإيراني.

وفي شهر مايو/أيار، عندما تنتهي مدة الإعفاءات، سيتعين على "ترامب" أن يقرر ما إذا كان سيفي بوعده بالعمل على إيصال صادرات النفط الإيراني إلى الرقم "صفر".

وإذا نجح في ذلك، فإن إيران، التي تعتمد إلى حد كبير على عائداتها من النفط للحصول على العملة الصعبة، من المرجح أن تعتبر هذه الخطوة بمثابة إعلان حرب.

وردا على ذلك، قد تعمل إيران على تنفيذ تهديدها بإغلاق مضيق "هرمز"، الذي يمر عبره نحو 20% من النفط المتداول في العالم.

ومن شأن هذا أن يمنع دول الخليج الأخرى من الوصول إلى سوق النفط. وعلى الرغم من أن الكثيرين يعتبرون هذا تهديدا مجوفا، إلا أن هناك احتمال حدوث تصعيد حقيقي، في حين تشدد الولايات المتحدة الخناق حول عنق إيران.

وإذا اختارت إيران عدم عرقلة مضيق "هرمز"، فإن لديها القدرة على الانتقام في أماكن أخرى، خاصة في العراق.

وقد حثت بالفعل حلفائها في البرلمان العراقي على محاولة إلغاء معاهدة 2008، التي جعلت الوجود العسكري الأمريكي في العراق قانونيا.

كما هددت المليشيات الشيعية الموالية لإيران باستهداف القوات الأمريكية في البلاد.

وقد يفيد استئناف الصراع الأمريكي الإيراني في العراق ما تبقى من تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي ضعف العام الماضي بدرجة كبيرة، ولكن لم يتم القضاء عليه نهائيا.

ومن هنا يمكن للعراق أن يشهد المزيد من الاضطرابات السياسية والأمنية في عام 2019 إذا ما تصاعد التوتر الإيراني الأمريكي.

الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

في عام 2019، من المرجح أن تواصل (إسرائيل) اتخاذ إجراءات أحادية الجانب لإرساء حقائق جديدة على الأرض الفلسطينية، مستفيدة من الدعم الكامل الذي تحصل عليه من إدارة "ترامب"، واستمرار الاضطرابات في العالم العربي والقيادة الفلسطينية. وفي الواقع، تعمل (إسرائيل) مع إدارة "ترامب" على جبهتين، من أجل محو القضية الفلسطينية بشكل كامل.

وفي الجبهة الأولى، تسعى إلى طرح ما يسمى بـ "قضايا الوضع النهائي" عن طاولة المفاوضات، وأهمها القدس وحق العودة للاجئين الفلسطينيين.

وقد اعترفت الولايات المتحدة بالفعل بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل)، وقد نقلت سفارتها إلى الجزء الغربي من المدينة، كما أوقفت تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، حيث طالبت الوكالة بتغيير تعريف من هو "اللاجئ" إذا أرادت استئناف مساهماتها المالية.

وإذا وافقت "الأونروا" على الشرط الأمريكي، فسوف يتقلص عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين يتلقون المساعدات ​​من عدة ملايين إلى بضع مئات الآلاف.

وسيحدد هذا أيضا عدد اللاجئين الفلسطينيين عندما تتم مناقشة حق العودة في أي محادثات سلام مستقبلية.

وفي الجبهة الثانية، تعمل الولايات المتحدة على إنشاء تحالف عربي إسرائيلي مناهض لإيران. ومن المتوقع أن تقدم إدارة "ترامب" في العام الجديد "الصفقة النهائية" المتوقعة بشكل كبير لفرض شكل من أشكال التسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لتمهيد الطريق أمام التحالف العربي الإسرائيلي المذكور.

ويجري التطبيع على قدم وساق بالفعل بين عدة دول عربية و(إسرائيل)، وسوف نرى المزيد منه في العام القادم.

الاستقطاب الإقليمي

ومع تعمق هذه الصراعات في الشرق الأوسط، تخلق التحالفات السياسية في المنطقة خطوط صدع متقابلة وتنبئ بزيادة الاستقطاب.

ومنذ الحرب العالمية الأولى، عكست الانقسامات السياسية في الشرق الأوسط على الدوام شكل النظام العالمي. وخلال الحرب الباردة، تم تقسيم الشرق الأوسط بين المعسكرين السوفييتي والأمريكي.

واليوم، تعد هذه الانقسامات عميقة في طبيعتها وأكثر عددا.

وتعكس تلك الانقسامات درجة من الاستقلالية عن الاتجاهات العامة للنظام الدولي. وبالتالي، بدلا من وجود معسكرين، لدينا الآن ثلاثة، ما يسمى بمحور "المقاومة"، الذي يضم إيران والعراق وسوريا وحزب الله، والذي تدعمه روسيا والصين إلى حد ما، ومحور "الثورة المضادة"، الذي يتكون من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر والأردن، بدعم من (إسرائيل)، ومحور "التغيير"، الذي يضم قطر وتركيا. وتعلق هذه المحاور الثلاثة في وسط صراع شرس لتقرير مستقبل الشرق الأوسط.

ومن المرجح أن تهيمن كل هذه القضايا على المشهد السياسي في الشرق الأوسط في عام 2019، وعلى الأرجح لن نرى نهاية أي منها هذا العام. وفي عام 2018، كان الشرق الأوسط واحدا من أكثر المناطق تقلبا في العالم، ومن المرجح أن يظل كذلك في عام 2019.

المصدر | مروان قبلان - المركز العربي واشنطن دي سي

  كلمات مفتاحية

اليمن سوريا العراق المواجهة الأمريكية الإيرانية الثورة المضادة محور المقاومة توقعات 2019