كارثة صحية بغزة.. بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية تهدد العالم

الخميس 3 يناير 2019 05:01 ص

حذر أطباء في غزة والضفة الغربية من أنهم يكافحون وباء ناجما عن بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، التي يمكن أن تتجاوز الحدود الفلسطينية وتنتشر للعالم إن لم يتم إيقافها.

ويزيد انتشار هذه الإصابات الفتاكة من الدمار الذي تسببه الحرب، ما يزيد من التكاليف الطبية، ويشغل أسرة المستشفيات؛ إذ يحتاج المرضى لفترة رعاية أطول، كما أنها غالبًا ما تترك ضحاياها بعاهات تغير حياتهم.

وتعد غزة على وجه التحديد أرضا خصبة لنشوء البكتيريا الخارقة لأن نظامها الصحي اهترأ بسبب سنوات الحصار، وقلة إمدادات المضادات الحيوية، وفق ما توصل إليه مركز الصحافة الاستقصائية (منظمة بريطانية).

وفي هذا الإطار، قالت "دينا ناصر"، وهي ممرضة رئيسية في مستشفى أوغوستا فيكتوريا بالقدس الشرقية، والتي عملت أيضًا في غزة: "هذه مشكلة عالمية تتعلق بالأمن الصحي لأن البكتيريا المقاومة للعقاقير المتعددة لا تعرف أي حدود، ولهذا السبب يجب على المجتمع العالمي، حتى لو لم يكن مهتمًا بغزة، أن يهتم بهذا الأمر".

وعلى الرغم من أن الأطباء في غزة يعرفون بروتوكولات منع ظهور البكتيريا المقاومة للأدوية، إلا إن النقص المستمر في المضادات الحيوية يعني أنهم لا يستطيعون اتباعها دائماً كما قالوا للصحفيين، حيث يأخذ المرضى دورات غير كاملة من المضادات الحيوية أو توصف لهم أدوية غير مناسبة؛ لأن الدواء المناسب غير متوفر.

كما يعني نقص المياه والطاقة والوقود لمولدات الكهرباء أن الأطباء لا يستطيعون دائماً تلبية معايير النظافة الأساسية، ما يسهل انتشار أي عدوى مقاومة للعقاقير، وفي بعض الأحيان، لا يستطيع الأطباء حتى غسل أيديهم، إضافة إلى وجود نقص بالقفازات وزي العمليات وأقراص الكلور الخاصة بالتطهير.

 

عراق ثان

 

ولاحظ الجيش الأمريكي انتشار البكتيريا المقاومة للأدوية بالعراق منذ أكثر من عقد مضى، وسجل ارتفاعًا كبيرًا في عدد الجرحى الذين أصيبو ببكتيريا "أسينيتوباكتر" المقاومة للأدوية والتي أُطلق عليها اسم     (Iraqi  Bacteria ) أي بكتيريا العراق.

ويعني الحصار الإسرائيلي المفروض على السفر والتجارة منذ عقد من الزمان أن غزة معزولة نسبياً مقارنة بمناطق الصراع الأخرى التي أثبتت أنها أرض خصبة للبكتيريا الخارقة، لكنها ليست معزولة تماماً، إذ تنتقل أعداد صغيرة من المرضى إلى مستشفيات أخرى في فلسطين و(إسرائيل) والبلدان المجاورة مثل الأردن ومصر ولبنان.

ويمكن للأشخاص الأصحاء حمل البكتيريا دون ظهور أي أعراض، لذلك فإن الأطباء والعاملين في مجال الإغاثة، الذين يسافرون من وإلى غزة، معرضون نقل البكتيريا الخارقة إلى بلدان أخرى، كما يمكن للبكتيريا أيضًا أن تنتقل دون مضيف بشري.

وقال الدكتور "غسان أبو ستة"، الذي يدرس طب الصراعات في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت: "دائماً ما تنتقل مثل هذه الميكروبات للخارج، إن مياه الصرف الصحي غير المعالجة بغزة تحتوي على بكتيريا مقاومة للأدوية تدخل في طبقة المياه الجوفية، وهي طبقة مياه مشتركة مع مصر و(إسرائيل)، وهناك أبحاث من أسكتلندا تظهر أن البكتيريا المقاومة للأدوية المتعددة يمكن العثور عليها في كريات الطعام التي تبتلعها الطيور المهاجرة، لذا فإن فكرة أن أي شخص يمكن أن يكون في مأمن من هذه الظاهرة، تعد أمرا غير معقول".

 

مفاقمة إسرائيلية

 

وزاد الخوف من المشكلة زيادة في العنف في غزة هذا العام، عندما قُتل أكثر من 200 شخص وجُرح الآلاف، معظمهم أُصيبوا بطلقات في الساقين، خلال الاحتجاجات على طول الحدود والتي بلغت ذروتها في "مسيرات العودة الكبرى" في مايو/أيار

وقال الدكتور "محمود مطر"، وهو جراح عظام، إن حوالي 2000 شخص من سكان غزة يتعاملون حالياً مع إصابات خطيرة في الساقين تتطلب عادة عمليات إعادة ترميم وسنتين من إعادة التأهيل.

كما أن جميع هؤلاء المرضى تقريبًا أصيبوا أيضًا بالعدوى بالبكتيريا الخارقة، ما يعني أن الجراحين عليهم تأخير إغلاق جروحهم، وهذا يقلل من فرص النجاح في إعادة الترميم، ويمد الإقامة في المستشفى ويزيد من مخاطر البتر.

وتم إدخال أول مضاد حيوي - البنسلين - إلى الإنتاج الضخم مع نهاية الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك الحين، أنقذت المضادات الحيوية ملايين الأرواح وحالت دون إعاقات لا حصر لها، لا سيما بين المصابين في الحرب، من خلال السماح للأطباء بتجنب عمليات البتر.

لكن لم يتم تطوير أي فئة جديدة من المضادات الحيوية منذ ثمانينيات القرن العشرين، ومع ازدياد المقاومة للمضادات الحيوية في العالم، بدأت بعض مناطق الصراع الحديثة تشبه تلك التي كانت موجودة في أيام ما قبل البنسلين.

وقال "أبو ستة"، وهو رئيس قسم الجراحة التجميلية في الجامعة الأميركية في بيروت، وسافر إلى غزة في مايو/أيار لمعالجة المرضى في مستشفى العودة: "نتوقع كارثة فيما يتعلق بالإعاقات لجرحى غزة"

وتم الإبلاغ عن وجود جميع أنواع البكتيريا الخارقة الموجودة على قائمة منظمة الصحة العالمية للبكتيريا التي تشكل أكبر خطر على صحة الإنسان في فلسطين.

لكن مستشفيات غزة، مثلها مثل غيرها في مناطق النزاع، تعاني بالفعل من أزمة، مع نقص حاد في المعدات والأدوية والاكتظاظ الشديد، ومعظمها تفتقر إلى القدرة على الكشف عن البكتيريا الخارقة، ما يزيد الأمور سوءًا.

 

31  عملية

 

أحد سكان غزة الذين يتعاملون مع الأثر المزدوج للإصابة والعدوى الخارقة هو "فهد زهد" ( 29 عاماً) الذي كان يرشق الحجارة بالقرب من الحدود في فبراير/شباط عندما هشمت رصاصة ساقه، وتم نقله إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية، لكن جرحه أصيب بالعدوى وتطور الأمر إلى إصابته بالتهاب العظم، وهو عدوى خطيرة يمكن أن تؤدي في كثير من الأحيان إلى البتر.

تحمل "زهد" حتى الآن 31 عملية لإعادة بناء ساقه ومحاولة تطهير الجرح من العدوى، ولم يعد يستطيع العمل، ويحتاج إلى سنوات أكثر من العلاج، ولم يتمكن الأطباء حتى الآن من تحديد سلالة البكتيريا التي أصابته، لكنهم يعتقدون أنها مقاومة للأدوية؛ لأنهم جربوا معه كل مضاد حيوي متاح دون نتيجة.

وتقوم منظمة أطباء بلا حدود حاليا بالتعاون مع وزارة الصحة لاختبار عينات من العظام من المستشفيات في جميع أنحاء غزة، كي تتمكن من الحصول على المضادات الحيوية المستهدفة.

وينتظر "زهد" حالياً زرع عظم، لكن العدوى أعاقت علاجه، ولو كانت عولجت بالمضادات الحيوية لتمكن من المشي الآن، كما يقول الطبيب"أحمد أبو وردة".

وبدلاً من ذلك، وبعد مرور 10 أشهر، لا يزال "زهد" على عكازين، وهناك قلق من انتشار عدواه، بحسب "وردة"، الذي حذر من انه  "ربما يفقد كل عظم الفخذ" وأن "البتر لا يزال محتملاً."

المصدر | الغارديان

  كلمات مفتاحية

غزة حصار غزة البكتيريا المقاومة للمضاد الحيوية إسرائيل