كأس آسيا.. الرياضة لا تصلح ما أفسدته السياسة

السبت 5 يناير 2019 12:01 م

"الرياضة لا تستطيع إصلاح ما أفسدته السياسة.. بل السياسة تفسد الرياضة".. عنوان رئيسي يسيطر على بطولة كأس آسيا، التي تنطلق السبت، في الإمارات، وتلقي بظلالها على المباريات، خاصة تلك المتعلقة بدول الخليج، الذي تعصف به أكبر أزمة سياسية منذ إنشائه.

وهنا يبرز السؤال: "هل تعطي الكرة فرصة جديدة لمن جمعتهم الجغرافيا بإعادة حساباتهم؟، أم أن الخلاف أعمق وأقوى ويحتاج حلاً سياسياً لا رياضياً؟".

وتعدّ كأس آسيا إحدى أكبر التظاهرات الرياضية التي تضمّ منتخبات تمثل دولاً متخاصمة أو حتى تعادي بعضها بعضا، خاصة في ظل الأزمات المتلاحقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

لكن الخلاف في الكأس لا ينحصر بين الدول المتخاصمة، فهناك منتخبات تشهد نقاشاً داخليا حول حقيقة من تمثله، "هل الشعب أم النظام.. وهل ترتدي الكرة ثوب الصلح؟".

الأزمة الخليجية

في 5 يونيو/حزيران 2016، اندلعت الأزمة الخليجية، وقطعت السعودية والإمارات والبحرين وهما ثلاث دول تشارك في البطولة، علاقتها بقطر، وهي تشارك أيضا في البطولة، بل إن القرعة أوقعتها مع السعودية في مجموعة واحدة.

الخلاف داخل البيت الخليجي، وصل فيه التراشق الإعلامي إلى مستويات غير معهودة، ما ألقى بظلاله على المجال الرياضي، خاصة مع وجود شخصيات مثيرة للجدل كالمسؤول الرياضي السعودي السابق "تركي آل الشيخ" الذي لم يفوّت أيّ مناسبة للهجوم على قطر.

فالخميس 17 يناير/كانون الثاني الجاري، سيكون ذروة الصراع، عندنا تلتقي قطر مع السعودية، بالجولة الثالثة في المجموعة (E) للبطولة، على ملعب بأرض الإمارات.

وتعدّ هذه أول مباراة رسمية تجمع بين أطراف الأزمة منذ اندلاعها، وسط توقعات بأن تشهد المباراة حضوراً جماهيرياً كبيراً، كما ستخلق تحدياً للمنظمين لأجل منع احتكاكات بين الجماهير.

وقد لا تكون المواجهة الأخيرة في الكأس بين أطراف الأزمة الخليجية، إذ يمكن أن تلتقي قطر مع الإمارات أو اليمن أو البحرين في الأدوار اللاحقة، إن تأهلت هذه المنتخبات إليها.

هذه المباراة وغيرها، لا يتوقع أن تكون سببا في تحسن العلاقات بين بلدان الأزمة، بل مرّشحة لمزيد من التوتر.

هذا الصراع، سيكون ضمن سلسلة بدأت عندما أعلنت وسائل إعلام قطرية، أن الإمارات محتضنة البطولة، منعت القطري "سعود المهندي"، وهو نائب رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، رئيس اللجنة المنظمة للبطولة، من دخول أراضيها، وبرّرت ذلك بعدم حصوله على تأشيرة.

غير أن مدير البطولة الإماراتي "عارف العواني"، نفى ذلك لاحقا، مشيراً إلى أن "المهندي" وصل إلى أبوظبي الجمعة.

منتخب سوريا

أزمة أخرى، بطلها المنتخب السوري، الذي ينقسم العالم حوله، في الوقت الذي يصف فيه المتعاطفون معهم هذا الأخير بـ"نسور قاسيون"، يصفه المناوئون بـ"منتخب البراميل" كناية عن دعم النظام السوري له.

الانقسام الداخلي حول المنتخب يظهر جلياً في مواقع التواصل الاجتماعي، ففي الوقت الذي حقّق فيه منتخب سوريا نتائج غير مسبوقة بالمنافسة إلى آخر لحظة على بطاقة التأهل لمباراة السد الفاصلة في إقصائيات كأس العالم 2018، يرى الكثير من السوريين أن "بشار الأسد" يستخدم المنتخب لأجل الدعاية.

ورفض بعض اللاعبين المعارضين لنظام "الأسد"، المشاركة مع منتخب بلادهم، في وقت يقول مراقبون إنه ليس كل من قبل اللعب يمثل النظام.

ويضيف المراقبون، أن هذا المنتخب يضم لاعبين سوريين ماهرين، يرغبون في رفع اسم سوريا وليس "الأسد"، وهذا يمثل دافعاً لتشجيعهم.

أزمة أخرى، يثيرها المنتخب السوري، في هذه البطولة، عقب التقارب الحادث بين نظام "الأسد"، ودول عربية، من بينها الإمارات والبحرين والأردن، ما يتيح لمباريات المنتخب السوري، الذي سيواجه نظيره الأردني في 10 يناير/كانون الثاني الجاري ضمن المجموعة (B)، أن تلعب دورا في هذا التطبيع الحاصل بين النظام السوري ودول كانت ترفضه وتطالب برحيله.

منتخب اليمن

وعلى العكس، يأتي منتخب اليمن، الذي يمثل بلداً تنهشه الانقسامات السياسية.

فلا تظهر مؤشرات كبيرة على وجود خلاف على من يحق له تمثيل البلاد.

وقد يكون سبب غياب الانقسام، هو تكوّن المنتخب من لاعبين يمثلون مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا.

سنة وشيعة

وليس بعيدا عن الصراع في اليمن، يأتي الصراع السني الشيعي، المتوقع أن يكون هو الآخر حاضرا في البطولة، فمنتخبا السعودية وإيران مرشحان بقوة للتأهل إلى الأدوار المتقدمة وبالتالي من المتوقع أن تكون بينهما مواجهة ساخنة لم تحدث منذ مدة.

وقطعت السعودية علاقتها بإيران مطلع 2016، وترفض الفرق السعودية اللعب في إيران، خوفاً على سلامتها حسب تصريحات الاتحاد السعودي.

ولا تواجه إيران السعودية سياسياً لوحدها، فجلّ الدول الخليجية تتهم إيران بالتدخل في شؤونها، وقد سبق لـ"الفيفا"، أن طالبت إيران والسعودية بعدم إسقاط خلافاتهما السياسية على كرة القدم.

طرد (إسرائيل)

هذا الخلاف السياسي، يأتي امتدادا لأحدث سابقة، وقعت أحداثها في القرن الماضي، عندما نجحت الدول العربية، في طرد (إسرائيل) من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، بعد الخلاف التاريخي بينهما، لاحتلال اليهود أرض فسلطين.

مع تولي "أحمد السعودن"، رئاسة الاتحاد الكويتي لكرة القدم في 1967، أدرك أنه لابد من إجماع واتحاد وترابط بين الدول العربية، لكي ينتهي وجود (إسرائيل) تماما في ملاعب كرة القدم الآسيوية.

وحينها، سعى بشدة لزيادة الدول العربية الأعضاء في الاتحاد الآسيوي، كان شعاره "علينا إزاحة الكيان الصهيوني"، مستغلا بلوغ العداء ذروته بين العرب و(إسرائيل) في نهاية الستينات.

طاف "السعودن"، وجال أرجاء الوطن العربي محفزا جيرانه للانضمام إلى اتحاد آسيا، لتنضم البحرين في 1969 والعراق والأردن وسوريا في 1970 والسعودية في 1972 وقطر والإمارات في 1974.

ومع رئاسة الماليزي "تونكو عبدالرحمن"، لاتحاد آسيا كان الوقت مناسبا جدا لإقصاء (إسرائيل).

كان "السعدون" واثقا من تمرير مشروع قرار طرد (إسرائيل) للتصويت عليه من قبل أعضاء الاتحاد الآسيوي، فـ"تونكو"، القائد السابق للمنظمة الوطنية الملايوية التي قاومت الاستعمار البريطاني للحصول على استقلال ماليزيا وأول أمين عام لمنظمة المؤتمر الإسلامي والحاصل في 1983 على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، بالتأكيد ليس مرحبا بوجود فريق شعاره نجمة داوود والشمعدان السباعي.

ومع كأس آسيا 1972، بدأ العرب يضيقون الخناق على (إسرائيل)، التي انسحبت عن استضافة البطولة وقتها مع تأهل العراق والكويت.

نقلت البطولة إلى تايلاند وفازت بها إيران.. وبعد سنتين انتهى وجود (إسرائيل) في اتحاد آسيا إلى الأبد.

وخلال سنوات مشاركة (إسرائيل) في بطولات آسيا، كان فريق فلسطين مكونا من نازحين، قاوموا المعاناة للعب كرة القدم، ونافسوا في كأس العرب 1966 ببغداد، وكانت أندية الضفة الغربية تشارك في دوري الأردن.

قبل أن يتوقف النشاط الكروي تماما من 1967 إلى 1973، الفترة التي سيطرت فيها (إسرائيل) على الضفة الغربية وقطاع غزة، ولم تكن ثمة أرضا ترعى الفلسطينيين.

بعد سنوات.. وفي عام 1998 انتظمت المسابقة المحلية في فلسطين وعاد الفريق الوطني والأندية للمشاركة في المنافسات العربية، وحصلت فلسطين رسميا على عضوية في الاتحاد الدولي لكرة القدم.

ومنذ 4 سنوات شاركت فلسطين لأول مرة في كأس آسيا، وها هي تقارع دول القارة في الإمارات.

دبلوماسية البينغ بونغ

وحسب الناقد الرياضي المصري "علاء صادق"، فإن "الرياضة لا تستطيع إصلاح ما أفسدته السياسة، بل السياسة هي تفسد الرياضة".

ويعطي "صادق" مثال زيارة وزير الخارجية الأمريكية الأسبق "هنري كيسنغر"، للصين، في إطار ما عرف بـ"دبلوماسية البينغ بونغ" (في إحالة إلى الانفراج في العلاقات الأمريكية-الصينية)، بعد تصافح لاعبين من منتخبيها في بطولة تنس الطاولة عام 1971، كي يؤكد ضرورة وجود قرار سياسي يصاحب التقارب الرياضي.

أرقام

وتحمل البطولة الحالية، تفاصيل جديدة تجعلها أكثر إثارة وتشويقاً، حيث يشارك للمرة الأولى في تاريخ البطولة 24 منتخباً بدلاً من 16 منتخباً، كما يشارك في البطولة 11 منتخباً عربيا.

ويتأهل المتصدر والوصيف من المجموعات الست إلى دور الـ16، إضافة إلى أفضل 4 منتخبات تحل في المركز الثالث.

ومن المقرر أن يشارك المنتخب الفائز باللقب في كأس العالم للقارات عام 2021.

وتتحدث لغة الأرقام بصوت مرتفع في هذه البطولة، إذ ستكون هناك 51 مباراة، وستقام اللقاءات على 8 ملاعب في أربع مدن: أبو ظبي، ودبي، والشارقة، والعين.

كما سيشارك 60 حكماً في البطولة، وهي أكبر مشاركة لهذا العدد من الحكام في تاريخها، بل وستكون هذه البطولة فرصة لظهور الحكم المساعد الخامس في مباريات دور المجموعات ودور الـ16.

وتشهد بطولة كأس الأمم الآسيوية هذه المرة استخدام "تقنية الفيديو" بداية من دور الـ8، بالإضافة إلى اعتماد التبديل الرابع خلال الأشواط الإضافية، سواء استنفد المنتخب تبديلاته المتاحة أو لم يستنفدها.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كأس آسيا خلافات الأزمة الخليجية منتخب سوريا الأسد سنة وشيعة إسرائيل