استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

السودان يمشي وحيدا في انتظار تسوية كبرى

الأحد 6 يناير 2019 08:01 ص

يحتل يوم التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول موقعاً مهماً لدى السودانيين، إذ هو التاريخ الذي اتفق فيه السودانيون بمختلف قواهم السياسية على إعلان الاستقلال من داخل البرلمان. وبعد اثني عشر يوماً أصبح السودان في الأول من يناير/كانون الثاني 1956 دولة مستقلة ذات سيادة.

كما أن الزعيم المعارض الصادق المهدي اختار يوم التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول للعودة إلى السودان بعد منفى أختياري قارب العام. قبلها بثلاثة أيام، قام الرئيس السوداني عمر البشير بزيارة مفاجئة الى سوريا. وعلى الرغم من ان الزيارة أقتصرت على بضع ساعات، الا انها كانت رسالة مهمة عن تطورات تشهدها منطقة الشرق الآوسط، على رأسها فتح الباب أمام إعادة تأهيل نظام الرئيس السوري بعد مقاطعة عربية إستغرقت عدة سنوات.

وبالفعل لم تمضِ سوى أحد عشر يوماً إلا وأعلنت الإمارات عن إعادة فتح سفارتها في دمشق. على أن الأهم من هذا كله بروز المحور الروسي – الايراني، والى حد ما معهما التركي، كاللاعب الرئيسي في تشكيل مسار الاحداث في المنطقة، وضعاً في الحسبان الانسحاب الامريكي العسكري المفاجيء من سوريا وبدون ترتيبات مع الحلفاء المحليين من الأكراد، وبكل تبعات هذا الانسحاب السياسية على صورة الولايات المتحدة وتحالفاتها الدولية.

كان يمكن تقييم زيارة البشير في إطار قراءة سياسية إستباقية لمآلات الأوضاع في المنطقة كان يأمل بتجييرها لصالحه، لولا أن التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول شهد تفجر مظاهرات مناوئة له ولحكمه هي الأعنف منذ اندلاع أحداث أيلول/ سبتمبر 2013 التي وقعت بسبب رفع الدعم عن الوقود، وقتل فيها 185 شخصاً وفق منظمة العفو الدولية.

اشتداد الضائقة الاقتصادية

 

استحكمت حلقات الضائقة الاقتصادية هذه المرة وظهرت في صفوف الخبز والوقود الطويلة، بل وفي الشح في السيولة بعد تحديد سقف لسحب الاموال من البنوك، في مسعى للسيطرة على إستمرار تدهور الجنيه السوداني تجاه الدولار، الامر الذي أدى الى عزوف الناس عموماً ورجال الاعمال خصوصاً عن أيداع أموالهم في البنوك.

هذا الى جانب التضخم الذي وصلت نسبته الى 70 في المئة. ومع ضعف موارد الدولة، تزايد الاتجاه الى رفع الدعم عن السلع نهائياً، بل قال البشير انه لا يمكن إجراء إصلاح إقتصادي بدون رفع الدعم.

يوم التاسع عشر ذاك، لم يكن في مدينة عطبرة في شمال السودان كيس واحد من الدقيق المدعوم، الأمر الذي فتح الباب أمام الدقيق التجاري ومعه تصاعد في الأسعار. عطبرة تعتبر من الاماكن التقليدية للحركة العمالية واليسارية، اذ كانت تحتضن رئاسة السكة الحديد.

تفجرت المظاهرات في رد فعلي تلقائي على إرتفاع سعر الخبز، وانتشرت الى مناطق في ولاية نهر النيل نفسها وكذلك في الولاية الشمالية المجاورة، وخاصة عاصمتها دنقلا التي شهدت حرق مقر حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم.

ثم إمتدت التظاهرات الى شرق ووسط السودان قبل أن تصل الى الخرطوم ويبرز تجمع للمهنيين رافعاً سقف المطالب بالدعوة الى رحيل البشير عن السلطة والدعوة الى موكب في 25 من الشهر نفسه تأكيداً للبعد الجماهيري للتحرك.

بدء المظاهرات في الأقاليم كان تطوراً ملفتاً للنظر إذ كان قصب السبق معقوداً للخرطوم في العادة. إلا أن النقطة الأكثر أهمية هي أن تبدأ المظاهرات في المناطق الشمالية والشرقية من السودان، وهي المناطق التي ينحدر منها معظم قادة النظام بمن فيهم البشير نفسه. كما ان المنطقة شهدت إنفاقاً كبيراً على مشروعات التنمية والخدمات، أبرزها سد مروى الذي يوفر الجزء الاكبر من الطاقة الكهربائية في البلاد، وما لحق به من مشروعات طرق وجسور.

ويلاحظ أيضاً أن مناطق دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان، وهي التي حملت السلاح ضد النظام، لم تشهد مثل تلك التظاهرات المناوئة في الغالب، كما ان الحكومة أتبعت نهجاً مختلفاً قليلاً اذ ورد في تصريحات رسمية عديدة إعتراف بالضائقة الاقتصادية وبحق الناس في التعبير، مع تحذير من التخريب.

وكان ملفتاً في هذا الاطار تصريحات الفريق محمد حميدتي قائد "قوات الدعم السريع"، وهي ميليشيا تتبع لرئاسة الجمهورية، اذ نأى بنفسه وقواته عن أي تحركات للقيام بعمليات قمع للمتظاهرين، بل وأحدث نقلة في خطابه بالإشارة الى أن "المخربين والمندسين" هم من تاجروا في قوت الناس، كما أن الاجهزة الأمنية مارست قدراً من ضبط النفس فلم تقم بإعتقالات احترازيه في البداية، كما كان يحصل عادة.

الغياب السياسي

 

الغائب الاكبر في كل ما جرى كان العمل السياسي في جانبي أهل الحكم ومعارضيهم. فحرق مقرات حزب المؤتمر الوطني كان مؤشراً بالغ الدلالة على الغياب السياسي الكامل للحزب الذي يدعي وجود الملايين في عضويته، بينما لم ينجح في إدارة أي نشاط سياسي للتبشير بسياسات الحكومة والدفاع عنها وسط قواعده وبين الناس عموماً.

الأمر الذي أدى الى أن يصبح التعامل الحكومي مع المظاهرات أمنياً في المقام الأول، لا يصحبه أي نشاط سياسي ملحوظ.

أما المعارضة فقد أخذها انطلاق المظاهرات على حين غرة، ويظهر هذا في الخطاب الذي القاه المهدي بعد وصوله الخرطوم، اذ كان تصالحياً وبدا منقطعاً عن أجواء الغليان الشعبي الذي أنطلقت شرارته في يوم وصوله. وخطابه ذاك أصاب بعض مناصريه بالاحباط ودفعهم الى الاعلان عن استقالتهم من "حزب الامة" الذي يتزعمه المهدي.

تتمثل المعارضة في تجمعين رئيسيين: "نداء السودان" الذي يتزعمه المهدي ويضم أحزاباً سياسية وحركات متمردة داخل وخارج السودان، وهي تنخرط في مفاوضات مع النظام بوساطة أفريقية ورعاية دولية.

أما التجمع الثاني فهو "قوى الإجماع الوطني" وعمادها الحزب الشيوعي والبعثيين والناصريين، وهو يرفض أي تعامل مع النظام ويتهم القوى الأخرى بأنها تسعى الى ترتيب هبوط ناعم له.

كل هذه القوى، التي تمثل القيادة السياسية التقليدية، لم تكن في البداية طرفاً في إشعال التحركات المناوئة للنظام، على الرغم من أنها حاولت اللحاق به وإيجاد مظلة تضمها كلها معاً لتوفير قيادة لهذا الحراك الجماهيري، ربما بأمل تكرار تجربة انتفاضتي تشرين الاول/ أكتوبر 1964 ونيسان/ إبريل 1985 اللتين أطاحتا بحكمين عسكريين.

أحد الإشكالات الرئيسية أن كل القيادات السياسية التقليدية المعارضة تقريباً بلغت العقد السابع من عمرها في الوقت الذي يمثل الشباب الغالبية العظمى من وقود هذا الحراك الجماهيري.

ما يجري حالياً عزز من الحالة الهامشية التي يعيشها السودان. فلا المشاركة بقوات في حرب اليمن ولا خطوته الاستباقية بمد اليد الى سوريا الأسد نجحتا في لفت الانظار إليه، ومن ثَمّ معاونته في وقت حاجته الكبيرة الى الدعم المالي الذي يمكن أن يعينه على عبور مشكلته الاقتصادية بدون دفع ثمن سياسي باهظ لانه لا يزال في نظر الكثيرين نظاماً إسلامياً.

وبالمقابل فإن الحراك الجماهيري الذي شهدته البلاد لا يبدو مرحَّباً به في الاقليم إذ يعيد الى الأذهان ذكريات "الربيع العربي" التي يود الكثيرون قلب صفحتها.

هكذا يجد النظام نفسه وحيداً في مواجهة أزمات مستديمه، وقد خلى جيبه من أي حلول، كما يقف الحراك المناوئ وحيداً بدون دعم يذكر حتى ولو على المستوى المعنوي.

وحالة توازن الضعف هذه يمكن أن تستمر بما يضع مستقبل البلاد في دائرة الخطر ما لم يتم التوافق على تسوية كبرى تفتح الباب أمام تغيير سياسي جذري، أحد عناصره مجموعات من الاسلاميين التي وجدت مشروعها يتحطم على صخرة الواقع رغم حكمها لثلاثة عقود، وفضلت النأي بنفسها والوقوف على الرصيف، خاصة بوجود دعوات الإقصاء والاقتصاص منها من قبل أطراف معارضة.

ويبقى السؤال عن إمكانية حدوث مثل هذا الاختراق السياسي لتلال الشك والتجارب المريرة إستشرافاً لمستقبل جديد.

* السر سيد أحمد كاتب صحفي من السودان مختصّ بقضايا النفط

المصدر | السفير العربي

  كلمات مفتاحية

احتجاجات السودان ارتفاع الأسعار حراك سياسي حراك شعبي توازن الضعف أزمات مستديمة النظام السوداني معارضة قوات الدعم السريع القيادة السياسية التقليدية الضائقة الاقتصادية عمر البشير