وعود ومعالجة حكومية رباعية لتهدئة احتجاجات السودان

الأربعاء 9 يناير 2019 07:01 ص

يزيد استمرار الاحتجاجات في السودان من تعقيدات الحل المأمول حكوميا لوضع نهاية لمظاهرات غاضبة دخلت أسبوعها الثالث، وهي الأضخم التي تواجه الرئيس السوداني، "عمر البشير"، منذ توليه السلطة، عام 1989.

من الشمال، وتحديدا مدينة عطبرة، بدأت الاحتجاجات، في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ثم عمت مدنا أخرى؛ تنديدا بعدم توافر الخبز وشح الوقود ونقص السيولة المالية والأدوية، في ظل موجة غلاء شديدة يشكو منها السودانيون.

لكن سريعا تجاوز المحتجون هذه المطالب الاقتصادية، ورفعوا سقف دعواتهم إلى رحيل نظام "البشير"، ولحقت بهم معظم جماعات المهنيين وأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، في وقت بلغت فيه الاحتجاجات العاصمة الخرطوم.

في كل مراحل تطور الاحتجاجات، ظلت الحكومة تبحث في خياراتها عن حل للأزمة، وهو ما تبلور في استخدام "معالجة رباعية" ترصدها "الأناضول":

وعود اقتصادية

تقر الحكومة بوجود أزمة اقتصادية، وبمصداقية المطالب الشعبية، وتُرجع الوضع الراهن إلى حصار اقتصادي أمريكي عانى منه السودان لمدة 20 عاما.

ورفع الرئيس الأمريكي، "دونالد ترامب"، في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2017، عقوبات اقتصادية وحظرا تجاريا كان مفروضا على السودان منذ 1997.

لكنه لم يرفع اسم السودان من قائمة ما تعتبرها واشنطن "دول راعية للإرهاب"، المدرج عليها منذ عام 1993، إثر تواجد الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة، "أسامة بن لادن" في السودان.

في خطابه، نهاية 2018، بمناسبة ذكرى استقلال السودان، قال "البشير" إن "السودان يمر بظروف اقتصادية ضاغطة أضرت بشريحة واسعة من المجتمع لأسباب خارجية وداخلية".

وتابع: "نقدر هذه المعاناة ونحس بوقعها، ونشكر شعبنا على صبره الجميل (...) إننا على ثقة بأننا نوشك على تجاوز هذه المرحلة الصعبة والعابرة والعودة إلى مسار التنمية الشاملة".

وهو ما تكرر على ألسنة مسؤولين سودانيين آخرين، أقروا بالأزمة ووعدوا بحلها قريبا، لكن دون طرح حلول آنية، وهو ما يُرجح استمرار الاحتجاجات، طالما أن الأزمات الاقتصادية ستتكرر، بحسب خبراء سودانيين.

وقال الصحفي السوداني، "عبدالحميد عوض الكريم"، إن عجز الحكومة عن تقديم حلول مقنعة للأزمة الاقتصادية يجعل استمرار المظاهرات "متوقعا بشكل متكرر أو متزايد".

وأضاف أن "الاحتجاجات التي بدأت من أشخاص عاديين لا علاقة لهم بالسياسية قابلة للاستمرار أو التجدد كلما حلت أزمة، طالما أنه لا يوجد حل جذري للتدهور الاقتصادي".

ويقول مراقبون إن الحل الاقتصادي المطروح من جانب الحكومة يقوم على دعم خارجي من دول عربية.

تصريحات مضادة

هو أول خيار لجأت إليه الحكومة في بداية الاحتجاجات، حيث حاولت الحد من امتدادها إلى المزيد من المدن، عبر توجيه اتهامات عديدة.

لكن هذا الخيار لم يُجد نفعا في ظل دخول فعاليات سياسية ومهنية على خط الاحتجاجات، ما رفع من سقف مطالبها، وأدخل عليها عامل التنظيم.

عمدت الحكومة إلى وصف الاحتجاجات بالتخريب والتدمير، لكن ذلك، وفقا لمتابعين، لم يثن المحتجين، ولم يتكون رأي عام سلبي تجاهها.

وعلى عكس المأمول حكوميا، زاد الاهتمام الشعبي بالاحتجاجات، في ظل تنوعها وامتدادها إلى مدن مثل: الخرطوم، مدني، بورتسودان والقضارف، وهي مدن ذات كثافة سكانية مرتفعة وأهمية اقتصادية معتبرة.

ورغم إقرار الحكومة بالواقع الاقتصادي المأزوم، لكنها وصفت بعض المحتجين بأنهم "مندسون يعملون وفق مخططات وأجندة خارجية".

 تحركات أمنية

التحرك الأمني هو الأسلوب الأكثر استخداما من جانب الحكومة، عبر الدفع بقوات الأمن لتفريق المحتجين، إضافة إلى حملة اعتقالات شملت قادة وأعضاء أحزاب وناشطين وصحفيين وغيرهم.

ويصف "البشير" تعامل الأجهزة الحكومية مع الاحتجاجات والتخريب بأنه يقوم على مبدأ "أقل قوة ممكنة"، لتجنب التدمير ولتخفيف الأضرار.

وقال وزير الداخلية السوداني، "أحمد بلال"، الإثنين، إن عدد الموقوفين على خلفية الاحتجاجات بلغ 816.

بينما يقول ناشطون إن العدد يصل إلى ألفين.

وتزيد السلطات من الانتشار الأمني والشرطي في المدن، إضافة إلى حراسات المنشآت العامة من خلال قوات الجيش، فضلا عن فض المظاهرات باستخدام الغاز المسيل للدموع وأحيانا إطلاق أعيرة نارية في الهواء، بحسب وسائل إعلام محلية.

وتقول السلطات إن 19 قتيلا سقطوا في الاحتجاجات، بعضهم لقوا حتفهم في "أعمال نهب"، بينما أفادت منظمة العفو الدولية بمقتل 37 شخصا خلال الأيام الأولى من الاحتجاجات.

ويرى مراقبون أن الأسلوب الأمني قد يحقق نجاحا في بعض الأوقات، لكنه ليس حلا ناجعا دائما.

حشود جماهيرية

هو أحدث خيار عمدت إليه الحكومة، إذ أعلنت الأحد الماضي عن تنظيم حشد جماهيري مؤيد لـ"البشير" والحكومة، في الخرطوم الأربعاء، تنظمه المنسقية العليا للحوار الوطني.

والأربعاء هو اليوم نفسه، الذي حدده تجمع المهنيين السودانيين وأحزاب المعارضة لتسيير موكب جماهيري، لتسليم مذكرة إلى البرلمان، تطالب بتنحي "البشير"، بعد أن منعتهم قوات الأمن 3 مرات من تسليم المذكرة إلى القصر الرئاسي.

ويحذر مراقبون من أن النتائج قد تكون وخيمة، سواء نجحت الحكومة أو فشلت في حشد جماهير مناهضة للمحتجين.

ويرى منتقدون أن قرار الحشد الجماهيري ليس صائبا، لأنه سيزيد من تعقيد الأزمة، بأن يحول الخلاف بين مواطنين والحكومة إلى خلاف بين مكونات الشعب.

وإلى حين ظهور نتائج الخيار الجماهيري لدى الحكومة، تبقى الساحة السياسية في السودان مفتوحة على كافة الاحتمالات.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

السودان عمر البشير احتجاجات سودانية وزير الداخلية السوداني أحمد بلال