مؤرخ بريطاني: المخابرات الأمريكية وراء الإطاحة بملك مصر عام 1952

الخميس 10 يناير 2019 05:01 ص

هل أطاحت CIA بالملك فاروق في يوليو/تموز 1952؟ قد يبدو السؤال مريبا بالنسبة لأنصار الزعيم المصري الراحل "جمال عبدالناصر"، الرجل الأقوى في حركة الضباط الأحرار التي غيّرت وجه مصر إلى الأبد في ذلك اليوم الشهير من شهر يوليو/ تموز 1952.

لكن كتابا صدر في لندن قدم في إطار سرده لقصة التنافس الأمريكي البريطاني على المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، قصة علاقة الجاسوس الأمريكي الشهير "كيم روزفلت" مع الضباط الأحرار وكيف التقى مجموعة منهم في قبرص.

كان ذلك قبل أشهر من الإطاحة بالملك "فاروق" الذي لطالما كان يردد قبل رحلته الأخيرة من الإسكندرية إلى إيطاليا بعد الانقلاب عليه أن ملوك العالم لن يبقى منهم سوى ملوك ورق الكوتشينة الأربع وملك بريطانيا.

الكتاب الذي ألفه المؤرخ البريطاني الشاب "جيمس بار" بعنوان " Lords of the Deserts" (سادة الصحراء) يرسم خريطة معقدة للمنطقة العربية وإيران خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات وصولا إلى أوائل الستينيات.

ويسلط "بار" الضوء من خلال الوثائق البريطانية والأمريكية التي بحث فيها خلال تأليفه الكتاب، على صراع النفط بين أرامكو السعودية-الأمريكية وشركة النفط البريطانية الإيرانية، وكيف ورّطت لندن حليفتها وخصمها في آن واحد، واشنطن، في عملية "أجاكس" الشهيرة التي أطاحت برئيس الوزراء الإيراني "محمد مصدّق" وثبتت حكم شاه إيران آنذاك، "محمد رضا بهلوي"، عام 1953.

صوت العرب

ويحضر "عبدالناصر" بقوة في صفحات الكتاب، فقد ظهر أولاً كحليف لواشنطن وخصماً للندن، ثم عدواً لكليهما.

ويتضمن الكتاب شرحاً مع سرد لقصص من تلك المرحلة عن لعبة المساومة التي احترفها الزعيم المصري الراحل بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وكيف عوضته الأخيرة عن صفقة سلاح بتقديم هدية، هي إذاعة "صوت العرب" التي استخدمت لبث الدعاية السياسية لنظامه إلى المنطقة بأسرها مترافقة مع أغنيات "أم كلثوم".

من القصص التي يرويها الكتاب كيف التقى الجاسوس "روزفلت" وضابط وكالة الاستخبارات الأمريكية الآخر "مايلز كوبلاند" بـ"عبدالناصر" في بيته من أجل تخفيف حدة التوتر مع (إسرائيل)، وبينما هما في طور الحديث مع مضيفهما، جاء خبر زيارة السفير البريطاني في القاهرة للزعيم، وهنا اضطر الرجلان للصعود إلى الطابق العلوي و"مازح كوبلاند" شريكه "روزفلت" بالقول: "سيكون من الممتع أن نرى ردة فعل السفير البريطاني ونحن نقاطع جمال عبدالناصر لنقول له أن المرطبات في الأعلى قد نفدت".

ومن بين ما يذكره "بار" في كتابه أن اللمسات الأخيرة للانقلاب الأمريكي البريطاني على رئيس الوزراء الإيراني "محمد مصدق" وضعت في فندق سان جورج على الساحل الغربي للعاصمة اللبنانية بيروت، كذلك هوية من شاركوا في الانقلاب وكيف جرى التدبير له وما سبقه من مفاوضات حول الاتفاقية الإيرانية البريطانية حول حصص النفط، وقول أحد رؤساء شركة النفط الإيرانية البريطانية لدى سؤاله عما يمكن التنازل عنه للإيرانيين: "إذا ما أعطيتم الإيرانيين شبرا فهم سيأخذون ميلا".

تأسيس (إسرائيل)

في الفصول الأولى يعود "بار" إلى مرحلة التأسيس لـ(إسرائيل) وتأثير الانتخابات الداخلية في أمريكا على القرار النهائي بشأن دعم قيام دولة لليهود. في هذا الإطار ينقل الكاتب نوعا من التردد البريطاني للمضي قدما بوعد بلفور كما هو، وهو أمر عززه تقرير أمني وصل إلى الوزير البريطاني المقيم "ريتشارد كايسي" حول قيام جماعة الهاغانا اليهودية بالتصالح مع العصابات الأخرى تمهيدا لتأسيس دولة يهودية على أرض فلسطين التاريخية.

هذا الأمر دفع "بكايسي" لتحذير لندن عام 1943 من أن المنطقة مقدمة على صراع عنيف لم تشهده من قبل بمجرد أن تنتهي الحرب العالمية أو ربما بعد ذلك بأشهر قليلة.

سعى "كايسي" لتوحيد الجهود الأمريكية البريطانية للخروج ببيان موحد يؤكد رفض تبني خطة "ديفيد بن غوريون" لدولة أمر واقع، وهو أمر كاد أن يحصل لولا تلكؤ رئيس الوزراء البريطاني، "ونستون تشرشل"، ووزير خارجيته، "أنتوني إيدن"، اللذين لم يرغبا بذلك.

وبعد أن أقنع الوزير البريطاني المقيم "تشرشل" و"إيدن" بضرورة إصدار بيان مشترك جرى الاتفاق مع الأمريكيين على ذلك وجرى تحديد يوم 27 يوليو/تموز لذلك، لكن حماس مسؤولي البلدين خفت لحظة الإعلان المقرر، وضاعت جهود "كايسي" التي امتدت 6 أشهر سدى.

تداخل إقليمي

وكما كان الملك "فاروق" متيقنا في البداية أن حكمه سيأتي إلى نهايته في لحظة ما قريبة، فإن بريطانيا بدت بدورها متحسبة لانتهاء الدور، ما أجج صراعها مع الولايات المتحدة ودفع مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط "وندل ولكي للقول "إن الزمن الاستعماري أصبح من الماضي".

في تلك المرحلة، بدت بريطانيا بحسب الكتاب كمن يصارع القدر لا سيما مع الترابط الذي بدا جليا بين تأميم "مصدق" في إيران للنفط عام 1951 وطلبه خروج الموظفين البريطانيين من ميناء عابدان الإيراني، وبين تحرك البرلمان المصري لتعديل اتفاقية 1936، حيث عبّر "تشرشل" عن الوضع بالقول إن أزمة السويس هي "لقيطة الحالة الإيرانية".

في فصل تحت عنوان "التخلص من عبدالناصر" يوصّف "بار" حالة الحنق التي وصل إليها رئيس الوزراء البريطاني "أنتوني إيدن" إلى حد طلبه من الوزير "أنتوني نوتينغ" بصيغة واضحة اغتيال "عبدالناصر" لا مجرد عزله أو محاصرته.

ويشرح الكاتب أهمية قناة السويس بالنسبة لبريطانيا حيث ينقل عن "إيدن" قوله عنها عام 1929 "إنها حلقة وصل في الدفاع عن الإمبراطورية وبوابتها الخلفية"، ولذلك فإن خسارتها ستكون كارثة بالنسبة للبريطانيين، وهو ما كان بالنسبة لعبدالناصر هدفاً.

لكن عبدالناصر لم يكن خصما للبريطانيين فقط، بل للكثيرين من جيرانه العرب، يروي الكتاب كيف نصح رئيس الوزراء العراقي "نوري السعيد" نظيره البريطاني "إيدن" خلال زيارة إلى 10 دواننغ ستريت في لندن بضرب "عبدالناصر". قال "السعيد": "اضربه، اضربه بقوة الآن وإلا سيفوت الأوان، وعندما يصبح وحيدا سيجهز علينا جميعا".

لكن "نوري السعيد" لن يطيل المكوث إذ أن ضابطاً في الجيش العراقي هو "عبدالكريم قاسم" سيطيح به وبالنظام الملكي في انقلاب عسكري في 14 يوليو/تموز 1958. وبحسب "بار" فإن هذا الانقلاب شكل أيضا ضربة أخرى للندن بعد تأميم قناة السويس قبل عامين.

يستعرض الكتاب أيضا محاولة انقلاب سعودية فاشلة في سوريا ضد "عبدالناصر"، كانت واشنطن قد حذرت الرياض من مخاطرها.

يروي "بار" في فصل بعنوان "عام الثورات" كيف أن وزير داخلية الجمهورية العربية المتحدة "عبدالحميد السرّاج" كشف لـ"عبدالناصر" تلقيه مليوني جنيه إسترليني مقابل تنفيذه انقلابا على الوحدة المصرية السورية، مع وعد بدفع مليونين إضافيين في حال اغتيال "عبدالناصر".

وفي واشنطن كان مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية يتحدث بأسف عن تحذيره للسعوديين، خاصة أن المحاولة شكلت ضربة لواشنطن التي تأثرت بشكل سلبي بحكم علاقتها مع الرياض، وهو الأمر الذي أدى لاحقا إلى تقدم ولي العهد، الأمير "فيصل"، لتولي أمور البلاد.

ويختم الكاتب في هذا الإطار: "بحلول 1959، كانت وظيفة (الملك) سعود تقتصر على توزيع المساعدات، وتوقيع أوراق الإعدام، وبعض الأوراق الرسمية الأخرى".

  كلمات مفتاحية

مصر الملك فاروق جمال عبدالناصر عبدالستار قاسم محمد نجيب الضباط الأحرار بريطانيا أمريكا المخابرات الأمريكية