شراكة متنامية.. أزمة الخليج تعزز الروابط بين قطر والمكسيك

الأربعاء 16 يناير 2019 10:01 ص

نادرا ما يتم ذكر المكسيك في معظم النقاشات حول السياسة الخارجية لدولة قطر، وبالمثل، لا تكون الإمارة العربية الغنية بالغاز حاضرة في معظم تحليلات العلاقات الخارجية المكسيكية.

ومع ذلك، منذ أن أصبح الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني" أميرا لقطر عام 2013، وبشكل خاص منذ أن بدأ الحصار الدبلوماسي والاقتصادي لقطر في منتصف عام 2017، بدأت الدوحة ومكسيكو سيتي في تطوير شراكة مثمرة بشكل متزايد.

ولأعوام عديدة، كانت العلاقات التجارية بين البلدين محدودة إلى حد كبير، مع تدفق الغاز الطبيعي القطري وسبائك الألمنيوم إلى جانب، والشاحنات والمركبات والثلاجات المكسيكية إلى الجانب الآخر.

ولكن مع تقوية العلاقات، بدأت التجارة الثنائية في التنوع، وحرص الجانبان على توسيع نطاق علاقاتهما السياسية والاقتصادية.

ويدل نمو العلاقات القطرية - المكسيكية على استراتيجية الدوحة الهادفة لتعزيز التعاون والاستثمار في الاقتصادات في جميع أنحاء الجنوب العالمي، بما في ذلك أمريكا اللاتينية، لتأمين حلفاء وشركاء وأصدقاء جدد.

وفي الوقت نفسه، بينما تتطلع المكسيك إلى توسيع بصمتها الاقتصادية في العالم العربي، فإنها ترى العلاقة الأقوى مع الدوحة كمفتاح لتحقيق ذلك.

وفي خضم أزمة الخليج التي تضع قطر في مواجهة 3 من أعضاء مجلس التعاون الخليجي، وهي السعودية والإمارات والبحرين، بالإضافة إلى مصر، ساهمت علاقات الدوحة مع دول مثل المكسيك في قدرتها على الحفاظ على اقتصاد قوي، مع الاستمرار في توسيع القوة الناعمة في زوايا جديدة من العالم.

ومن خلال وضع نفسها كمستثمر مهم في اقتصاد المكسيك، والحفاظ على علاقات دبلوماسية دافئة معها، منحت الدوحة الحكومة المكسيكية حصة في أسباب بقاء قطر دولة مستقلة وذات سيادة وسط الحصار، على الرغم من أن المكسيك، مثل جميع دول أمريكا اللاتينية تقريبا، كانت حريصة على تجنب الانخراط مباشرة في أزمة مجلس التعاون الخليجي.

نقطة تحول

وقد تأسست العلاقات الدبلوماسية بين قطر والمكسيك رسميا في 30 يونيو/حزيران 1975، لكن البلدين لم يكن لهما علاقة كبيرة مع بعضهما البعض خلال العقود الـ4 التالية.

وفي الواقع، اعتبارا من عام 2011، لم يكن هناك سوى نحو 250 مواطنا مكسيكيا يعيشون في قطر، وبينما كان لدى المكسيك سفارات بدرجات متفاوتة من التمثيل في الدول العربية، فلم يكن لديها سفارة في الدوحة حتى عام 2015، وبالمثل، لم يكن لدى قطر سفارة في مكسيكو سيتي حتى عام 2014.

وكان عام 2015 نقطة تحول في العلاقات القطرية المكسيكية، وفي شهر مارس/آذار من ذلك العام، افتتحت "برومكسيكو"، وهي وكالة حكومية لتشجيع الاستثمار والتجارة، مكتبا في الدوحة.

وبعد 8 أشهر، أصبح الشيخ "تميم" أول زعيم قطري يقوم بزيارة رسمية إلى المكسيك، حيث التقى مع رئيس البلاد آنذاك، "إنريكي بينيا نييتو".

وخلال زيارته التي استغرقت يومين، والتي جاءت احتفالا بالذكرى الـ40 لإقامة العلاقات الثنائية، أكد المسؤولون من كلا البلدين الحاجة إلى التنديد بقوة بالتطرف والإرهاب، بغض النظر عن أصولهما.

كما أشاد حاكم قطر بمكسيكو سيتي لاهتمامها المتزايد بالعالم العربي، وأعرب الجانبان عن تضامنهما مع كفاح الفلسطينيين من أجل قيام دولة فلسطينية، مشددين على أهمية حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفق حل الدولتين على أساس حدود عام 1967.

وبعيدا عن الرمزية، أدت زيارة الأمير إلى توقيع مجموعة من الصفقات، بما في ذلك اتفاقية للخدمات الجوية، ومذكرة تفاهم بين البنوك الرئيسية في البلدين، واتفاق تعاون تقني لتعزيز التنسيق الثنائي في مجالات الزراعة والبناء والتعليم والعلوم وغيرها من القطاعات، ومذكرة تفاهم حول التعاون الشبابي، ومذكرة تفاهم بين المجالس التجارية الرئيسية في الجانبين.

ومنذ عام 2015، أصبحت العلاقات بين دولة قطر والمكسيك أكثر تقاربا، وأكد على ذلك الزيارة التي قام بها الرئيس "بينا نيتو" إلى الدوحة في العام التالي.

وكانت هذه أول زيارة رسمية لرئيس مكسيكي إلى الدوحة، وأدت إلى توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مجالات الثقافة والفن والطاقة والتعليم والرياضة والإعلام.

وفي عام 2017، بلغت قيمة التجارة الثنائية نحو 200 مليون دولار، ومع ذلك، فقد شهدت في العام التالي نموا مضاعفا، وهناك سبب يدعو إلى التفاؤل بمزيد من النمو في عام 2019.

ووفقا لـ"خوان سيبيدا"، مدير "برومكسيكو" لمنطقة الشرق الأوسط، فإن المسؤولين في مكسيكو سيتي مصممون على مضاعفة حجم تجارتهم مع قطر في عام 2019.

ولا شك أن الطاقة ستبقى مركزا للعلاقات التجارية الثنائية، حيث اشترت "قطر للبترول" حصصا في 3 كتل نفط بحرية في المكسيك، وهي أموكا وميزون وتيكولاي، من عملاق الطاقة الإيطالي "إيني"، في ديسمبر/كانون الأول 2018.

أكبر من الطاقة

لكن العلاقة الثنائية بين المكسيك وقطر تدور حول أكثر من مجرد الطاقة، وهناك مجالات أخرى مثل الأغذية الزراعية والرعاية الصحية والرياضة والطيران والسياحة وتجارة التجزئة، لديها إمكانيات تجارية أيضا.

وعلى سبيل المثال، افتتحت "بيندا كوفالين"، وهي شركة أزياء تروج للثقافة المكسيكية على مستوى العالم، أول منفذ لها في الشرق الأوسط في قطر.

ويمكن لقطاع الصناعات التحويلية في المكسيك أن يلعب دورا مهما في تعزيز التجارة الثنائية أيضا؛ فصادرات السيارات إلى قطر تتلاءم مع التصور الجديد للعلاقات، وكذلك نشاط شركة "تيناريس تامسا"، المنتج المكسيكي للأنابيب الفولاذية، التي لديها خطط لتوسيع عملياتها في الشرق الأوسط، وقد أنشأت مكتبا تمثيليا لها في قطر.

كما كان من الأهمية بمكان، بالنسبة للعلاقات الاقتصادية القطرية - المكسيكية، أن شركة الخطوط الجوية القطرية للشحن قد بدأت خدمات الشحن إلى "غوادالاخارا"، الوجهة الجديدة على طريق الشحن عبر المحيط الهادي، في 6 يناير/كانون الثاني.

ويمتد الطريق من ماكاو إلى لوس أنجلوس، ثم إلى مكسيكو سيتي وغوادالاخارا في المكسيك، قبل العودة إلى قطر عن طريق مركز الشحن البلجيكي في "لييج".

وباعتبارها ثالث أكبر مركز اقتصادي في المكسيك، وعاصمة ولاية خاليسكو، تعد غوادالاخارا مهمة للتجارة العالمية للبلاد، ولا شك في أن إطلاق خدمة الشحن سوف يساعد في تعزيز العلاقات التجارية مع الدوحة وتوسيع نطاق التجارة الثنائية.

ومن المقرر أن تستضيف قطر كأس العالم لكرة القدم عام 2022، وكان الحدث الرياضي العالمي مصدرا مهما للأعمال التجارية الجديدة للشركات المكسيكية التي تتطلع إلى التوسع في المنطقة.

وقد أصبحت "دون لايتويت المعمارية"، وهي شركة تابعة لشركة "دون ليغرا المعمارية" المكسيكية، المسؤولة عن تصميم وتركيب أسقف الملاعب في "الريان" و"لوسيل"، أول شركة تحصل على عقد في كأس العالم 2022.

وفي صفقة أخرى تتعلق بكأس العالم، ستقدم شركة "كومسا مكسيكو"، وهي الفرع المكسيكي لشركة "كومسا" العالمية، خدمات الإسعاف خلال هذا الحدث.

وبعد استضافتها لكأس العالم عامي 1970 و1986، تتمتع المكسيك بخبرة ستكون مفيدة لقطر، ومن المنتظر أن يعمل البلدان على تعزيز التنسيق حتى عام 2022.

وشهد قطاع الأغذية الزراعية زيادة ملحوظة في النشاط كذلك، وكان الأمن الغذائي قضية مهمة بشكل خاص بالنسبة لقطر منذ بدء الحصار؛ نظرا لاعتماد الدوحة السابق على المملكة العربية السعودية في الغالبية العظمى من وارداتها الغذائية.

وفي عام 2016، وكجزء من الجهود التي تبذلها "برومكسيكو" لتعزيز التجارة الثنائية، افتتحت قطر سوق لحوم البقر الحلال الواردة من شركة "غوشي" المكسيكية، التي بدأت شحناتها إلى الدوحة بعد 11 شهرا من اندلاع أزمة مجلس التعاون الخليجي.

ويتم بيع الأفوكادو المكسيكي الآن في قطر، بعد أن وقعت شركة "كولمان"، وهي شركة تجارية مكسيكية، على صفقة لتزويد الإمارة بـ4 حاويات منها كل شهر.

ويعد تعزيز العلاقات القطرية - المكسيكية جزءا من جهد أوسع نطاقا تبذله الدوحة لجعل نفسها حليفا ثمينا وشريكا لمجموعة من البلدان في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي أثار استياء الدول العربية التي استثمرت بكثافة في عزلها.

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها دول الحصار لتعزيز روايتها، بأن قطر دولة مارقة منبوذة، أعطت علاقات الدوحة مع الدول حول العالم حوافز قوية لحكومتها للتصدي لتدابير الرياض وأبوظبي المناهضة لقطر.

وعلى الرغم من أن المكسيك تتمتع أيضا بعلاقات حميمة مع دول الحصار، وكانت حريصة على تجنب الانحياز إلى أي من القضايا الأيديولوجية في قلب نزاع مجلس التعاون الخليجي، على النقيض من السلفادور التي عبرت سريعا عن التضامن مع الدوحة بعد تنفيذ الحصار، ليس هناك شك في أن المكسيك ساعدت قطر على تجاوز الحصار.

وفي حين أن علاقات الدوحة مع تركيا وإيران وسلطنة عمان والكويت والهند كانت ذات أهمية أكبر في مساعدة الإمارة في تخفيف تأثير الحصار، تكتسب العلاقات القطرية المكسيكية أهمية جديدة في فترة "ما بعد مجلس التعاون الخليجي" المنتظرة، وأضحت مثالا على قصة نجاح الدوحة في صد الحصار، حيث تتطلع قطر إلى تعميق وتوسيع روابطها مع بقية أمريكا اللاتينية.

المصدر | جورجيو كافييرو| معهد الشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية

العلاقات القطرية المكسيكية مكسيكو سيتي التجارة الثنائية حصار قطر أزمة مجلس التعاون الخليجي