لهذه الأسباب.. الناتو العربي حلم أمريكي بعيد المنال

الأربعاء 16 يناير 2019 02:01 ص

كان خطاب وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" في القاهرة، 10 يناير/كانون الثاني، يدور في الغالب حول السيطرة على الأضرار. وبعد سلسلة من التغريدات والبيانات الصادرة عن الرئيس "دونالد ترامب"، التي أرسلت موجات صادمة في جميع أنحاء الشرق الأوسط أواخر 2018 وأوائل 2019، يسعى كبير دبلوماسيي واشنطن إلى تهدئة المخاوف لدى المسؤولين في عواصم الشرق الأوسط بشأن قيادة "ترامب". وخلال الأيام القليلة الماضية، زار "بومبيو"، مع مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض "جون بولتون"، مجموعة من دول الخليج، عقب زياراته إلى الأردن والعراق ومصر، وذلك للتأكيد على أن واشنطن تظل ملتزمة بالكامل بالأهداف التي وضعها "ترامب" في الرياض في مايو/أيار 2017.

كانت رسالة "بومبيو"، التي أعلنها في خطابه من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، تهدف إلى تكثيف الضغط على إيران، فيما أكدت على رفض سياسات الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" إزاء الشرق الأوسط. ووصف أمريكا بأنها "قوة من أجل الخير" في العالم العربي والإسلامي، معلنا أن "عصر الخزي الأمريكي انتهى، وكذلك السياسات التي أنتجت الكثير من المعاناة التي لا داعي لها". ودعم خطاب "بومبيو" بقوة روايات "ترامب" حول سلفه. وبدلا من معالجة القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان أو الديمقراطية أو الشمولية، تحدث "بومبيو" عن هزيمة ما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية"، وحماية (إسرائيل)، ومكافحة صعود إيران، مع التأكيد على رغبة إدارة "ترامب" في رؤية التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط (ميسا)، الذي أعلن إطلاقه هذا العام.

وبناءً على دعوات المسؤولين الأمريكيين والخليجيين العام الماضي لإطلاق تحالف الشرق الأوسط في عام 2019، وكذلك مناورات (الدرع العربي1)، التي جرت في غرب مصر في نوفمبر/تشرين الثاني بمشاركة دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء قطر وعمان) ومصر والأردن، تعتقد إدارة "ترامب" أن جعل هذا التحالف العربي حقيقة واقعة أمر ضروري لمصالح المنطقة. ويستمد البيت الأبيض هدفه إلى حد كبير من رؤية تعود إلى عهد "أوباما"؛ حيث سعى لاعتماد ما يسمى بالدول العربية "المعتدلة" على أنفسها في حمل الأمن الإقليمي على عاتقها، وأن تصبح أقل اعتمادا على الولايات المتحدة كضامن أمني لها.

وأثناء وجوده في العاصمة العمانية، قبل يوم واحد من خطاب "بومبيو" في مصر، قال "بولتون" على "تويتر": "يهيّئ البيت الأبيض العمل على الأرض لصالح تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط. وأشكر عمان لاستضافتها اجتماع اليوم حول التعاون الاقتصادي والطاقة، وأدعو جميع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن للوقوف معا في الوقت الذي نسعى فيه إلى شرق أوسط أكثر حيوية ونشاطا". وتخطط الإدارة لإطلاق "الناتو العربي" من قمة الشرق الأوسط التي ستعقد في العاصمة البولندية وارسو، الشهر المقبل.

ومع عودة "بومبيو" و"بولتون" إلى واشنطن، هذا الشهر، فإن تحقيق تقدم على هذه الجبهة سيكون بمثابة انتصار محسوس للإدارة وسط تحدياتها المستمرة لوضع أجندة سياسة خارجية موثوقة ومتماسكة في الشرق الأوسط. لكن هل لا تزال فكرة ""الناتو العربي" واقعية في ضوء الوضع السياسي الحالي للعالم العربي؟. إذ من المرجح أن يجد المسؤولون الكبار في إدارة "ترامب" صعوبة في تبديد المخاوف المشتركة وجمع الأطراف المختلفة على هدف موحد متمثل في التهديد الإيراني. وببساطة، ليس هناك إجماع بين هؤلاء الحلفاء العرب للولايات المتحدة بخصوص طبيعة أو مدى التهديد الإيراني المزعوم.

مواقف متباينة

بالنسبة للقاهرة، يعد الخطر الذي تشكله طهران أقل خطورة بكثير مما تشعر به الرياض وأبوظبي والمنامة. وتتجه مخاوف مصر الأمنية في المقام الأول إلى تهديدات تنظيم "الدولة الإسلامية"، وتنظيم "القاعدة"، وجماعة "الإخوان المسلمين"، وغيرها من الحركات السنية، وليس إلى الجمهورية الإسلامية ووكلائها الشيعة في المنطقة. وبالمثل، فإن الأردن، وبينما يشعر بالقلق إزاء السلوك الإيراني الإقليمي، وبالتحديد في سوريا، فإنه يرى أن نمو الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة يشكل تهديدا أكثر خطورة.

وتحرص دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، الكويت وعمان وقطر، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، تحرص الاستفادة من علاقاتها الدافئة مع إيران وتركيا، لموازنة تحالف الرياض وأبوظبي. ولدى هذه الدول مخاوف حول الكيفية التي أضر بها الحصار الدامي مجلس التعاون الخليجي بشكل مؤسسي، وترك الدول الأعضاء أكثر عرضة لعواقب عملية صنع القرار في واشنطن، وكذلك في السعودية والإمارات. وفي حالة الدوحة ومسقط بشكل خاص، من الصعب بشكل خاص تخيل انضمام كلا الدولتين إلى تحالف نشط معاد لإيران.

وببساطة، أصبح مجلس التعاون الخليجي مجلسا يتكون من دول تشعر بالتهديد من قبل بعضها البعض، بدلا من كونه مؤسسة إقليمية تتألف من دول تتشارك في فهم موحد للتهديدات الأمنية وتتفق على استراتيجيات لمواجهة مثل هذه التهديدات. ويأتي الدعم الأقوى لـ"الناتو العربي" من الإمارات. ومع ذلك، لا يمكن تخيل دخول أبوظبي والدوحة في تحالف؛ الأمر الذي يتطلب درجة من الثقة الغائبة تماما في العلاقات الثنائية بين العاصمتين الخليجيتين. وفي العام الثاني من الحصار، تنظر كل من قطر والإمارات إلى بعضهما البعض كتهديد لأمن المنطقة واستقرارها.

وإلى أن يتم حل الأزمة الخليجية، ستكون خطط "الناتو العربي" بعيدة المنال في ظل النظام الجيوسياسي الحالي للمنطقة. وسيؤدي استمرار الحصار، الذي تقوده السعودية ضد قطر في عام 2019 بلا شك إلى زيادة إحباط إدارة "ترامب". وكما أوضح "بومبيو" في كلمته، فإن "التنافسات القديمة" بين مختلف الدول الإقليمية قوضت قدرة البيت الأبيض على العمل مع حلفائه العرب السنة الرئيسيين في جهد أكبر يهدف إلى ردع إيران. وكانت هذه الكلمات إشارة واضحة إلى الحصار المفروض على قطر، الذي، كما تعترف القيادة الأمريكية، مكن الإيرانيين من استغلال الانقسامات بسهولة بين حلفاء أمريكا في الخليج لإبعاد الانتباه عن السلوك الإقليمي لطهران.

وأثناء وجوده في الدوحة مع نظيره القطري، في 13 يناير/كانون الثاني، تناول "بومبيو" التأثير السلبي للأزمة الخليجية على خطط إدارة "ترامب" لتوحيد حلفاء العرب ضد إيران. وقال: "نكون أكثر قوة عندما نعمل سويا وتكون نزاعاتنا محدودة. فعندما يكون لدينا تحدٍ مشترك، تصبح النزاعات بين البلدان ذات الأهداف المشتركة غير مفيدة أبدا". وحتى مع ذلك، اعترف "بومبيو" بأن الجانبين يبدو أنهما أبعد ما يكون عن تقديم التنازلات التي يتطلبها الحل الدبلوماسي للنزاع. وبينما يمكن للولايات المتحدة أن تفرض مزيدا من الضغط على الرياض وأبوظبي والقاهرة لرفع الحصار المفروض على الدوحة، أو على الأقل تخفيفه، فلا توجد مؤشرات على أن إدارة "ترامب" تخطط لتهديد الكتلة التي تقودها السعودية والإمارات بأي إجراءات عقابية في حالة استمرار الحصار.

وفي هذا السياق من الصراعات داخل المنطقة، والحالة المعقدة للعلاقات العربية الإيرانية التي تخلق انقسامات عميقة بين الحلفاء المقربين لواشنطن في المنطقة، فإن احتمالات أن يصبح تحالف الشرق الأوسط قوة فاعلة تقل للغاية. ولا تزال الأزمة الخليجية قائمة، ومن غير المرجح أن يتم التغلب عليها هذا الشهر، أو الشهر المقبل في وارسو. وعلاوة على ذلك، كلفت الرسائل المتناقضة للبيت الأبيض، فيما يتعلق بإيران وسوريا وغيرها من القضايا، الإدارة الكثير من المصداقية، حيث كان حلفاء أمريكا يتساءلون مرارا وتكرارا عمن يتحدث رسميا نيابة عن حكومة الولايات المتحدة.

ولكي تحرز إدارة "ترامب" تقدما، من حيث توحيد حلفاء واشنطن الإقليميين في جهد أكبر لتعزيز الاستقرار وهزيمة القوى المتطرفة، يحتاج البيت الأبيض إلى إيلاء اهتمام وثيق بقلق الدول العربية بشأن مجموعة من القضايا، مع الاستعداد لفهم العوامل التي أدت إلى انقسام عميق في الخليج وأماكن أخرى في العالم العربي. ومع ذلك، طالما بقيت السياسة الخارجية للإدارة في الشرق الأوسط المضطرب غير متماسكة، ومليئة بالعديد من التناقضات، سيفقد البيت الأبيض المزيد من مصداقيته لدى حلفاء الولايات المتحدة الوثيقين على حساب قدرة واشنطن على التأثير في مستقبل العالم العربي بطريقة تخدم المصالح الأمريكية.

المصدر | جورجيو كافييرو - إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية

أمريكا الناتو العربي ميسا حصار قطر الأزمة الخليجية ترامب بومبيو

ضمت قطر والسعودية.. واشنطن استضافت اجتماعات لدول تحالف الشرق الأوسط

تحالفات السعودية.. 5 سنوات من السباحة في الرمال