الأمن المصري يوسع دائرة الثأر والتصفية.. مآرب أخرى

الجمعة 18 يناير 2019 07:01 ص

بيان واحد بذات المفردات يصدر عن السلطات المصرية عقب كل عملية تصفية تنفذها وزارة الداخلية، دون الإبقاء على جريح أو أسير، ودون تحقيقات أو أحكام قضائية، فضلا عن إخفاء أسماء الضحايا وتقارير الطب الشرعي الخاصة بأسباب الوفاة.

خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي فقط، بلغ من تمت تصفيتهم 62 مواطنا، وفقاً لبيانات وزارة الداخلية، من بينهم 40 شخصا دفعة واحدة ردا على تفجير بعبوة ناسفة استهدف حافلة تقل سياحا في منطقة الهرم بمحافظة الجيزة، قرب العاصمة.

وخلال يناير/كانون الأول الجاري، أعلنت الداخلية المصرية عن تصفية 5 أشخاص وصفتهم بأنهم "خلية إرهابية"، أثناء مداهمة وكرهم في العريش، شمال شرقي البلاد.

كذلك أعلنت الوزارة، تصفية 6 أشخاص، بمحافظة أسيوط جنوبي البلاد، بدعوى التحضير لهجمات إرهابية.

نهج مستمر

ويبدو من واقع بيانات الوزارة، أن عمليات التصفية باتت نهجا للأمن المصري، وشيئا معتادا، يحظى بصمت قضائي، ودعم إعلامي، وغياب حقوقي، منذ استفحال الظاهرة مع تولي وزير الداخلية السابق، "مجدي عبدالغفار" منصبه في مارس/آذار 2015، ومن بعده الوزير الحالي "محمود توفيق"، وكلاهما كان مسؤولاً عن قطاع الأمن الوطني (جهاز استخباراتي داخلي)، المتهم الرئيسي في ارتكاب جرائم الإخفاء القسري.

ويضرب الأمن المصري بتلك السياسة أكثر من عصفور بحجر واحد، الأول إرسال رسالة قاسية لأي تنظيمات مسلحة على الأرض، بأن أي هجوم إرهابي، خاصة ضد السياحة، سيقابل برد انتقامي يذهب ضحاياه العشرات، دون النظر إلى مدى مسؤوليتهم أو ارتباطهم بهذا الهجوم.

يعزز ذلك عملية تصفية الـ40 شخصا عقب مقتل 3 سياح فيتناميين، وسط علامات استفهام تحيط بالعملية التي تمت بعد ساعات من وقوع الهجوم، وما إذا كان الضحايا بحوزة الأمن المصري، وبالتالي سرعة تصفيتهم كرد انتقامي يبدو جليا من لغة وسائل إعلام محلية تهلل لذلك باعتباره "ثأرا" وليس تطبيقا للقانون.

يزيد الشكوك في الرواية الأمنية، إعلان أسر اختفاء ذويهم قسريا، ثم العثور على جثثهم في مشرحة زينهم بالقاهرة، ضمن الضحايا، أبرزهم المعتقل السياسي "إبراهيم أبوسليمان"، المخلى سبيله على ذمة القضية رقم 831، وكذلك المعتقل "أحمد يسري"، المخلى سبيله أيضا، لكنهما اختفيا قسريا بعد قرار إخلاء سبيلهما.

تجاوز القضاء

قبل أيام، أوصت نيابة النقض، بقبول طعن المتهمين في قضية تنظيم "أجناد مصر" على أحكام الإعدام والمؤبد والسجن المشدد الصادرة بحقهم، وإعادة نظر الموضوع من جديد، وهو أمر بالتأكيد لا يرضي النظام في مصر الذي يطالب دوما بما يسميه بـ"العدالة الناجزة".

في هذا السياق، تعد سياسة التصفية بديلا ناجعا لمسار القضاء الطويل، الذي غالبا ما ينتهي بنقض الحكم، وإعادة المحاكمة من جديد، كون أغلب القضايا تعتمد على تحريات أمنية فقط دون أدلة دامغة، وسط إشارات بأن من تمت تصفيتهم كانوا معتقلين من "أجناد مصر" أطلق سراحهم من النيابة ثم أخفوا قسريا إلى أن تمت تصفيتهم.

الكاتب الصحفي ورئيس تحرير صحيفة "المصريون" (مستقلة) "جمال سلطان"، عبر عن شكوكه بالرواية الرسمية، قائلا عبر "تويتر"، إن "لافتة (مداهمة وكر إرهابي) أصبحت عنوانا لأوسع عمليات إعدام جماعي خارج إطار القانون".

وأضاف قائلا: "الداخلية تعلن قتل 40 مواطنا اليوم دفعة واحدة بدعوى أنهم كانوا يخططون لأعمال إرهابية، إلى أين تتجه مصر؟!".

وتابع في تغريدة ثانية: "بعد انتشار الاتهامات الخطيرة وشكاوى الأهالي من أن الضحايا كانوا مختطفين أمنيا، هل نطمع من السيد المستشار نبيل صادق النائب العام فتح تحقيق موسع وعاجل في واقعة مقتل 40 مواطنا مصريا على يد قوات الأمن، أغلبهم بطلقات في الرأس، وأن يطلع الرأي العام على نتائج التحقيق؟!".

شكوك بالجملة

ويعزز الشكوك، وربما ينسف صحة الرواية الأمنية، غياب أي حضور قضائي لمعاينة مواقع المداهمة، وكذلك إخفاء تقارير الطب الشرعي الكفيلة بكشف طريقة مقتل الضحايا، ومسافة القتل، ونوع السلاح والذخيرة التي استخدمت في تصفيهم.

كذلك من اللافت، تكتم السلطات على أسماء وصور الضحايا عكس ما كان يحدث في السابق، وهو ما كان يوفر فرصة لمراجعة سجلات حقوقية وبلاغات للنائب العام لبيان ما إذا كانوا من المبلغ باختفائهم قسريا أم لا.

المثير للتساؤل، أن جميع عمليات التصفية التي تقول السطات إنها جراء اشتباكات، وأن المستهدفين كان بحوزتهم أسلحة وأحزمة متفجرة وعبوات ناسفة، لا تسفر عن سقوط أي قتلى أو جرحى في صفوف الأمن المصري، والذي يبدو أنه كان يخوض اشتباكا من طرف واحد. 

وتنتهي أغلب عمليات "الاشتباك" دون الإبقاء على سجين أو جريح، يمكن الأجهزة الأمنية من كشف باقي الخلايا ومخططاتها الإرهابية، كما أن بيانات التصفية غالبا ما تعلن خلال ساعات عقب وقوع أي حادث، وهي سرعة ربما لا تحمل إشادة بكفاءة الأجهزة الأمنية، وإنجازا لها، بقدر استعجال في "الثأر".

ووفق منظمة "كوميتي فور جستس" الحقوقية الدولية، فإن هناك نحو 1989 حالة إخفاء قسري في مصر، في الفترة الزمنية بين أغسطس/آب 2017 وأغسطس/آب 2018، يخشى أن تغلق ملفاتها برصاصة في "اشتباك".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الداخلية المصرية عمليات تصفية محمود توفيق الاختفاء القسري هجوم الهرم