معاهدة ألمانية فرنسية.. هل يصمد مشروع أوروبا بوجه الشعبوية؟

الثلاثاء 22 يناير 2019 10:01 ص

توقع المستشارة الألمانية "أنغيلا ميركل" والرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، الثلاثاء، بالأحرف الأولى معاهدة جديدة لتوطيد العلاقة بين البلدين وتوجيه رسالة دعم لبناء الاتحاد الأوروبي في مواجهة تصاعد النزعات القومية الداعية إلى الخروج من الاتحاد على غرار بريطانيا.

وتنص الوثيقة على تطابق في السياسات الاقتصادية والخارجية والدفاعية للبلدين وتعاون في المناطق الحدودية وتشكيل جمعية برلمانية مشتركة من 100 نائب فرنسي وألماني.

وسيقر البلدان، من خلال المعاهدة، بند دفاع متبادل في حال التعرض لعدوان، على غرار البند المنصوص عليه في نظام الحلف الأطلسي.

وبموجب هذا البند، سيكون بوسع ألمانيا وفرنسا نشر وسائل عسكرية مشتركة في حال التعرض لهجوم إرهابي، أو التعاون حول برامج عسكرية كبرى مثل مشروعي الدبابات والطائرات المقاتلة.

وتأتي معاهدة "التعاون والتكامل الفرنسية الألمانية" استكمالا لمعاهدة الإليزيه الموقعة عام 1963 بين الجنرال "شارل ديغول" و"كونراد آديناور"، والتي أرست المصالحة بين البلدين بعد الحرب العالمية الثانية.

وسيلقي "ماكرون" و"ميركل" خطابا في قصر البلدية المهيب بمدينة آخن، قبل أن يشاركا معا في "نقاش مواطنيّ" مع طلاب من البلدين.

احتفاء ورفض

واحتفى بيان للرئاسة  الفرنسية بالمعاهدة التي سيتم توقيعها في آخن بغرب ألمانيا قبل 4 أشهر من الانتخابات الأوروبية، مشيرة إلى أنها تمثل تطورا غير مسبوق في المضي قدما على صعيد الدفاع المشترك.

وبينما وصف الرئاسة الفرنسية توقيع المعاهدة بأنه "يمثل لحظة هامة للإثبات على أن العلاقة الفرنسية الألمانية ركيزة يمكن إحياؤها (…) لخدمة تعزيز المشروع الأوروبي"، اعتبره اليمين واليسار المتطرفان انتقاصا للسيادة الوطنية وتبعية لبرلين.

وفي السياق، وصفت زعيمة حزب التجمع الوطني الفرنسي (يمين متطرف) "مارين لوبن" المعاهدة الجديدة بأنها "ضربة خبيثة" من الرئيس الذي "يقوم بهدم قوة بلدنا" على حد قولها.

واتهمت "لوبن" الرئيس الفرنسي بالسعي لتقاسم عضوية فرنسا الدائمة في مجلس الأمن الدولي مع ألمانيا، وهو أمر لا تنص عليها المعاهدة ونفاه قصر الإليزيه، مؤكدا أن باريس تسعى فقط لحصول ألمانيا على عضوية دائمة بالمجلس.

كما ندد زعيم فرنسا المتمردة (يسار متطرف) "جان لوك ميلانشون" بما سماه "تراجع السيادة" في بلاده، الذي يترافق بنظره مع "التراجع الاجتماعي والبيئي".

وأبدى "ميلانشون" مخاوفه من أن تلزم المعاهدة فرنسا وألمانيا بـ "اعتماد مواقف مشتركة في الهيئات الأوروبية"، معتبرا ذلك جزءا من سياسة "ماكرون"، القائمة على "الالتصاق بألمانيا في مطلق الظروف"، حسب تعبيره.

رد ألماني

وأثارت هذه النزعة، في فرنسا الذهول لدى الألمان، ولا سيما حين نقلت صحيفة "فاز" هواجس فرنسيين تساءلوا في الأسابيع الماضية: "هل تكون الألزاس قريبا ألمانية؟".

والألزاس منطقة ثقافية، ولغوية، وتاريخية، وإدارية في شرقي فرنسا وعاصمتها هي ستراسبورغ. كانت تاريخيا محل نزاع مع ألمانيا.

وإزاء ذلك،  دعا السياسي الألماني "فولفجانج شويبله"، البرلمان الألماني إلى طموح أكبر في سياسة الاتحاد الأوروبي، قائلا: "نحتاج مرة أخرى إلى مشاريع تكامل ملموسة وذات مغزى تنم عن أن أوروبا تحقق أشياء ذات أبعاد وجودة مختلفة تماماً عن كل بلد بمفردها".

وفي مقال افتتاحي بصحيفة "باساور نويه برس" الثلاثاء، دعا وزير الخارجية الألماني "هايكو ماس"، إلى توثيق التعاون بين فرنسا وألمانيا في مواجهة تزايد النزعة الشعبوية والنزاعات والصراعات التجارية التي تؤثر على أوروبا.

وتمثل حالة الصعود الشعبوي تهديدا للمشروع الأوروبي برمته، حسبما يرى مراقبون، خاصة في ظل توقيع المعاهدة بين مستشارة في ألمانية تقبل على نهاية ولايتها في خريف 2012 بعدما تراجعت شعبيتها، ورئيس في فرنسا يواجه أزمة السترات الصفراء.

عدم تفاهم

كما أن أجواء من "عدم التفاهم" باتت واضحة بين الطرفين في الآونة الأخيرة، وهو ما رصدته افتتاحية صحيفة "لا فوا دو نور" في مدينة ليل الفرنسية، التي وصفت المعاهدة بأنها تأتي في توقيت غير مناسب.

فقد ظهرت خلافات بين باريس وبرلين حول عدة مسائل، منها ميزانية منطقة اليورو وفرض ضرائب على شركات الإنترنت العملاقة المعروفة بمجموعة (غافا)، ليتوصلا بالنهاية إلى اتفاق بالحد الأدنى حول المسألتين "لا يرقى إلى الطموحات الفرنسية"، بحسب الصحيفة.

حكومتا برلين وباريس على خلاف أيضا حول سياسة بيع الأسلحة، وهو ما ظهر جليا في الموقف من البيع للسعودية، إذ أعلنت ألمانيا وقفه لحين محاسبة المسؤولين عن اغتيال الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي"، فيما رفضت فرنسا الربط بين الملفين.

وإزاء ذلك، حذرت الخبيرة السياسية بمعهد (دي جي آ بي) الألماني للأبحاث "كلير ديميماي" من "أزمة وجود للاندماج الأوروبي"، خاصة في ظل خروج بريطانيا من الاتحاد والصعود المرتقب للقوى القومية في الانتخابات الأوروبية المقبلة.

وأكدت "ديميماي"، في حديث للإذاعة العامة الألمانية، على ضرورة "التأكيد على الإيمان بأن التعاون الفرنسي الألماني له قيمة رمزية".

  كلمات مفتاحية

إيمانويل ماكرون أنغيلا ميركل الاتحاد الأوروبي ألمانيا فرنسا برلين السترات الصفراء مارين لوبن