مصر السيسي والنزاع في غزة

الأربعاء 16 يوليو 2014 11:07 ص

إريك تراجر| معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى | 14 تموز/يوليو 2014

تكشف المواجهات الجارية بين حركة «حماس» وإسرائيل تعارضاً بارزاً في آفاق السياسة الخارجية المصرية الجديدة وإمكانياتها. فالرئيس المصري الجديد  «عبد الفتاح السيسي» يشارك وجهة النظر نفسها مع واشنطن وإسرائيل عن كون «حماس» منظمة إرهابية وتهديداً استراتيجيّاً، وبالتالي قلّت قدرته وتراجع استعداده للاضطلاع بدور مصر التقليدي في الوساطة بين «حماس» وإسرائيل. ومع أن واشنطن لا تألُ جهداً، وعن وجه حق، للتفاوض على نهاية سريعة لجولة المعارك الحالية في غزة، عليها أن تقاوم رغبتها بالضغط على مصر للقيام بأي تنازلات تعزز إمكانيات إعادة تسلح «حماس»، كإعادة فتح معبر رفح دون قيام نظام موثوق يمنع تدفق الأسلحة والإرهابيين.

وتشكل النظرة السلبية للرئيس السيسي تجاه «حماس» تغيراً جذريّاً - ومُرحباً به - عن سلفه الرئيس الأسبق زعيم جماعة «الإخوان المسلمين» محمد مرسي. فقد مثّل مرسي، قبل انتخابه في حزيران/يونيو 2012، نقطة الاتصال مع «حماس» ضمن "مكتب الإرشاد" التابع لـ «الإخوان المسلمين»، ثم استقبل القيادات العليا للحركة في القصر الرئاسي وسمح لنائب «حماس» وصديقه الشخصي منذ فترة طويلة موسى أبو مرزوق بالإقامة في إحدى ضواحي القاهرة. وخلافاً لذلك، أمر نظام السيسي موسى أبو مرزوق بمغادرة مصر وشنَّ حملة عسكرية شرسة لإغلاق الغالبية العظمى من الأنفاق الممتدة تحت الأرض من سيناء إلى غزة والتي غالباً ما تستخدمها «حماس» ومجموعات أخرى لتهريب السلاح. وخلال فترات الهدوء، ساهم الرئيس السيسي في الجهود الغربية التي بُذلت للتضييق على «حماس».

إلا أن هذه العلاقة المتوترة بين الرئيس السيسي و «حماس» تعرقل جهود واشنطن لإنهاء أحدث جولة من القتال بين «حماس» وإسرائيل. وعلى خلاف أسلافه، لم يتمكن السيسي من التأثير على «حماس» لدفعها إلى طاولة المفاوضات كما فعل "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" خلال صفقة 2011 التي أدت إلى إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط وكما فعلت حكومة مرسي خلال وقف إطلاق النار في غزة عام 2012. وفي الواقع، بناءً على طلب مسؤولين أمريكيين، طرح نظام الرئيس السيسي على حركة «حماس» عرضاً يقضي بأن تفرج إسرائيل عن السجناء الذين اعتقلتهم مؤخراً وأن توسّع منطقة الصيد على ساحل غزة، بينما تتيح مصر دخول مواد البناء إلى القطاع. إلا أن «حماس» رفضت هذا العرض وبدت القاهرة غير مستعدة لتقديم أي تنازل - كفتح معبر رفح بشكل دائم - قد يعزز تأثيرها على «حماس». بيد أن الاجتياح البري الإسرائيلي قد يحمل الرئيس السيسي على تغيير نهجه، لأن الأعداد المرتفعة من الضحايا الفلسطينيين قد تجعل عزل السيسي لـ «حماس» مكلفة سياسيّاً نظراً لتعاطف الشعب المصري مع الفلسطينيين.

إن هذا التوتر الناتج عن كره السيسي لـ «حماس» من جهة وحاجته لأخذ الرأي العام المصري بعين الاعتبار من جهة أخرى كان واضحاً في الثغرة الكبيرة بين سياسة مصر وإعلاناتها. وفي حين يبقى معبر رفح مقفلاً في الغالب مع فتحه مؤخراً لفترات مؤقتة للسماح بدخول المساعدات وخروج الجرحى من سكان غزة، شجب المسؤولون المصريون علناً الضربات الجوية الإسرائيلية. ويوم الجمعة، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أن القاهرة وقفت "مع الشعب الفلسطيني الذي يدفع ثمن المخاطر والهجمات الهمجية"، واتهم إسرائيل بـ "انتهاك قواعد القانون الدولي". وفي غضون ذلك، سعت حكومة السيسي إلى التخفيف من الغضب المتزايد حول موقف الرئيس من قضية غزة بإرسالها 500 طن من الأغذية والمعدات الطبية إلى القطاع في آليات عسكرية.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه السياسة المزدوجة حيال غزة تشبه سياسة حقبة الرئيس المصري السابق حسني مبارك لكن مع اضطلاع مصر بدور دبلوماسي أصغر بكثير خلال الأزمات. وفي حين أن هذا يترك واشنطن دون آلية دبلوماسية موثوقة لحل النزاع الحالي بين «حماس» وإسرائيل، إلا أنه على الأمد البعيد - وخلال الفترات التي يخف فيها التركيز الإعلامي على هذه القضية - يمكن لواشنطن الاعتماد على الرئيسي السيسي كشريك لعزل «حماس».

وفي الواقع لا يجب على واشنطن أن تشعر بالحنين إلى الأيام التي كان فيها لحكومة «الإخوان المسلمين» تأثيرٌ أكبر في غزة. فعلى الرغم من تعاون الرئيس الأسبق محمد مرسي في التفاوض على وقف إطلاق النار عام 2012، كانت روابطه الوثيقة مع «حماس» تعني أن كل حقبة من القتال بين غزة وإسرائيل حملت معها خطر وقوع أزمة في المنطقة. وليس هذا هو الحال في التصعيد الحالي. 

إريك تراجر هو باحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذراع البحثي للوبي الإسرائيلي في العاصمة الأمريكية.

  كلمات مفتاحية

عندما تسير مصر عكس مصالحها الاستراتيجية

السفير الإسرائيلي بالقاهرة: نحترم «السيسي» لأنه منفتح