قطر والإمارات في كأس آسيا.. أكبر من مواجهة في كرة القدم

الخميس 31 يناير 2019 01:01 ص

كانت هذه الأزمة الخليجية تافهة في معظمها وطفولية للغاية. ومثلما يتذمر الصبية الصغار أثناء اللعب، غضبت السعودية والإمارات من شقيقتهم الصغرى قطر لامتلاكها قرارها المستقل، ثم لجئا إلى مصر، "فتوة الحي"، لدعمهما. وتعد البحرين هنا مثل ذلك الطفل الضعيف، الذي يحتمي وراء الأولاد الأكبر في حين يلوح بقبضته في الهواء، شاعرا بالأمان في أنه لن يخوض القتال وحده.

ولم يكن الحصار أبدا بسبب الإرهاب. ولا يتعلق الأمر في الواقع بالسياسة الخارجية أو العوامل الجيوسياسية. لقد كان الحصار انتصارا للذات. كان الأمر يتعلق بالأمراء الشباب الذين يشعرون بعدم الأمان بشكل كافٍ.

وكانت قطر بدأت في الخروج من ظل جيرانها الخليجيين الأكبر، وبدأت في صنع اسم لنفسها في الجوار الإقليمي في مطلع الألفية؛ حيث تنامي نفوذها عبر العالم العربي. وتوسعت قطر في القوة الناعمة ببطء، وبدأ السعوديون والإماراتيون في أخذ الحذر من أن شقيقتهم الصغرى بدأت تكبر.

ومع ذلك، بلغت الدوحة سن الرشد، عندما بدأت سمعتها بالفعل في تخطى حدود المنطقة، وقد بدأ ذلك عام 2010، عندما حصلت قطر على حقوق استضافة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022.

وفجأة، انفجرت قطر على الساحة الدولية، ولم يعجب هذا حكام السعودية والإمارات.

وتعد بطولة كأس العالم لكرة القدم واحدة من أهم الأحداث البارزة في عالم كرة القدم، وهي دعاية ضخمة للبلد المضيف. إذ تقول الدولة المضيفة: "لقد وصلنا. نحن نقف على قدم المساواة مع القمم الثقافية في العالم. نحن متطورون وقادرون ومتحضرون مثل أي من دول العالم".

ومن الواضح أن القول بأن أزمة الخليج والحصار المفروض على قطر يرجع فقط إلى استضافة الدوحة لكأس العالم يعد تبسيطا مفرطا. لكننا نعلم جميعا أنه إذا قدمت قطر "حقوق الاستضافة المشتركة" إلى الرياض أو أبوظبي، فسوف ينتهي هذا الحصار غدا، ولا شيء آخر يقدم مثالا واضحا لتفاهة هذا الصراع. عندما يلعب الأطفال، ويحصل أحدهم على لعبة أكبر وأفضل وأكثر لمعانا، يريد الآخرون ذلك. وعندما لا يستطيعون الحصول عليها، فإنهم يستاءون من هذه اللعبة الجديدة.

ونتيجة لذلك، بدأت دبلوماسية كرة القدم في الخليج في الأعوام الأخيرة، وتشتعل معركتها مع الوقت.

وكان من المقرر أن تستضيف الكويت كأس الخليج عام 2016، وهي بطولة كرة قدم مؤلفة من 8 فرق، وذلك بعد أن تراجعت العراق عن المنافسة بسبب أزمتها المالية وسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على ثلث البلاد. لكن الكويت، التي كانت في يوم من الأيام أحد نجوم كرة القدم الآسيوية، تم تجميد نشاطها من الفيفا وسط مزاعم بتدخل الحكومة في الاتحاد الوطني لكرة القدم.

وتأجلت بطولة كأس الخليج لمدة عام، وتم تسليمها إلى قطر في منتصف الطريق لتحضيراتها لاستضافة بطولة كأس العالم. وبالطبع، بحلول ذلك الوقت، كان الحصار الذي قادته السعودية والإمارات على قطر على قدم وساق. وكانت العلاقات الدبلوماسية تم قطعها، وتم إغلاق الحدود البرية بين السعودية وقطر، التي يدخل منها 60% من واردات قطر الغذائية، وتم إغلاق المجال الجوي الإقليمي للرحلات الجوية القطرية. 

ونتيجة لذلك؛ انسحبت السعودية والإمارات والبحرين من بطولة عام 2017، بعد أن رفضت دعوات المنظمين في الدوحة. وكان المشرفون على كأس العالم في الفيفا قلقين حقا من التأثير المحتمل على كأس عام 2022؛ حيث من المتوقع أن يسافر الملايين من مشجعي كرة القدم من جميع أنحاء المنطقة إلى قطر.

وإذا انهار كأس الخليج، فإنه سيشكل سابقة مثيرة للقلق بالنسبة للبلدان المحاصرة؛ حيث قد يشجعها ذلك على أن تقود و/أو أن تفرض مقاطعة لكأس العالم لعام 2022. وهناك الكثير من المال والسياسة على المحك هنا؛ حيث يتطلب الأمر العمل على التأكد من أن يضخ كل كأس عالم أموال ضخمة للمنظمين والرعاة والمرافق السياحية.

وأخيرا، أقرت الحكومة الكويتية قانونا يمنع أي تدخل من الدولة في شؤون الاتحاد المحلي، ووافقت قطر على تسليم حقوق الاستضافة إلى الكويت، وأعلنت البلدان المنسحبة مشاركتها، وتنفس الجميع في "الفيفا" الصعداء.

وبعد بضعة أشهر فقط من وصول المدرب "فيليكس سانشيز" لتدريب منتخب قطر، فازت قطر على اليمن 4-0 خلال بطولة الخليج، لكنه كان الفوز الوحيد لها في البطولة، التي فازت بها عُمان، التي تغلبت على الإمارات بركلات الترجيح في النهائي.

وسرعان ما جرى الوقت، لنجد أنفسنا في كأس آسيا 2019، أكبر بطولة دولية لكرة القدم في القارة. وتم منح الإمارات حقوق الاستضافة في عام 2015، وهكذا توجهت نخبة كرة القدم الآسيوية إلى أبوظبي، فيما عدا، بالطبع، القطريين. ومع استمرار الحصار الاقتصادي الشامل، تم منع القطريين من السفر إلى الإمارات.

وكانت أستراليا وكوريا الجنوبية واليابان من بين المرشحين الأقوى للفوز باللقب، لكن مع ذلك تفوق المضيفون الإماراتيون على التوقعات؛ ففازوا بصدارة مجموعتهم للتأهل إلى مرحلة خروج المغلوب؛ حيث فازوا فيما بعد على قيرغيزستان، ثم حققوا فوزرا مثيرا للدهشة على أستراليا، للوصول إلى نصف النهائي.

وفي الوقت نفسه، فإن قطر أيضا، على الرغم من عدم وجود أي مناصرين لها في المدرجات، بدأت في اكتساب لقب "الحصان الأسود"؛ حيث اجتاحت المنتخب السعودي، المعروف بتفوقه في كرة القدم الخليجية والأسيوية، وهزمت كوريا الشمالية بـ6 أهداف نظيفة، لتحقق الصدارة في مرحلة المجموعات. وفي مراحل خروج المغلوب، تفوقت قطر بتحقيق الفوز النظيف ضد العراق وكوريا الجنوبية، مع نجمها سون هيونغ مين، نجم توتنهام، ليتأهل رجال "فيليكس سانشيز" لأول مرة في تاريخهم إلى نصف نهائي البطولة القارية، كواحد من أكثر المنتخبات غير المتوقعة في تاريخ كأس آسيا.

ومن هنا، كان قد تم إعداد المسرح لدربي عربي خالص في أبوظبي. ولضمان بيئة مشاكسة، إن لم تكن بيئة عدائية صريحة في الملعب، قام المسؤولون الإماراتيون بحجب ما يصل إلى 18 ألف تذكرة، وتم منحها مجانا لمنع الجمهور القطري من الحضور. وأغلقت المدارس في الإمارات أبوابها مبكرا، حتى يتمكن أطفال الدولة من مشاهدة ما كان يجب أن يكون لحظة رائعة في تاريخ الرياضة الإماراتية.

غير أن ما أعقب ظهر الثلاثاء كان إذلالا وطنيا. وفي الشوط الأول، قدم الفريقان لحظات من المتعة الجذابة من كرة القدم؛ حيث انتهى الشوط والنتيجة 2-0 لصالح قطر، وإن لم يكن ذلك يعكس سير المباراة، حيث سجل "المعز علي"، بعد عمل جماعي ممتاز، هدفا من الطراز العالمي. وفي الشوط الثاني، انهارت الإمارات، وفقدت كل الانضباط، سواء في الميدان أو في المدرجات.

وفي المملكة المتحدة، لا تزال هيئة الإذاعة البريطانية تعرض مقاطع لخروج إنجلترا من منافسات كرة القدم الأوروبية في التسعينيات. وهو نوع من الخجل الجماعي الذي يحتاج إلى جيل أو أكثر للتصالح معه.

وكان هذا هو المشهد، بعد أن قام الإماراتيون بحشد الاستاد بمعجبيهم، أخذوا يصرخون بالإهانات خلال النشيد الوطني القطري، وألقوا بالأحذية والزجاجات لضرب لاعبي قطر داخل الملعب. وبعد أن قامت قطر بمواجهة الحصار لمدة 18 شهرا، بعد أن واجهت اتهامات لا أساس لها، كانت الإمارات تتعرض لإذلال مهين في ملعب كرة القدم.

لقد كان درسا في كرة القدم قدمه القطريون بفوزهم الكاسح 4-0. لم يكن الأمر مجرد انتصار لأحد عشر لاعبا في الميدان، بل كان مثالا على عدم جدوى هذا الحصار بأكمله. لقد كانت قطر، التي لم تستقبل شباكها أي هدف في جميع مباريات البطولة، تقول لهم: "صوبوا تجاهنا كل أشيائكم، فسنواجه كل ذلك بكرامة".

وربما لا يعتبر الفوز ضد اليابان في النهائي يوم الجمعة مهما بهذا القدر بعد هذه المباراة البطولية. ولابد أن قطر قد نجحت الآن في الرد على أي استهزاء في أوساط رواد كرة القدم الدوليين، الذين اعترضوا على منح كأس العالم لدولة عربية صغيرة. وكان البعض يقول: "ما هذا الهراء، لا كرة قدم في قطر". لكن ما حققته قطر في هذه البطولة هو أكثر جدارة من الإحصاءات المجردة.

ستسجل هذه المباراة في التاريخ، بسبب المشاعر المصاحبة لها، والمقذوفات التي تم إلقاؤها في الملعب، وربما القليل من طعم العدالة الذي أذاقته قطر لشقيقتيها.

المصدر | جيمس برونسول - لوب لوج

  كلمات مفتاحية

كأس أمم آسيا 2019 قطر الإمارات حصار قطر كأس العالم 2022